"الإحسان العابر" لغوغل وفيسبوك على الصحافة لا يحل الأزمة

شركتا غوغل وفيسبوك تواجهان معارك قضائية ومطالبات بتعويضات عن المحتوى الإخباري على مستوى العالم وكذلك دعاوى ضد الاحتكار من جهات تنظيمية وناشرين.
الجمعة 2021/06/11
دعم لإسكات من يشتكون

واشنطن- دفعت ضغوط من الجهات التنظيمية والسياسية لحكومات غربية شركتي فيسبوك وغوغل في السنوات الأخيرة إلى تخصيص ما مجموعه 600 مليون دولار لدعم منافذ إخبارية على مستوى العالم، عدد كبير منها منافذ محلية أو إقليمية تتعثر في العصر الرقمي.

وأصدرت الشركتان الأميركيتان بيانات عديدة تؤكدان فيها أن الآلاف من المنافذ الإعلامية تلقت دعما ماليا وغير مالي لكل شيء من التحقق من صحة الأخبار أو التغطية الإخبارية إلى التدريب. ويبدي بعض الناشرين امتنانهم لهذه المساهمات التي يصفونها بأنها ضرورية مع تراجع إيرادات الإعلانات.

لكن خبراء إعلام يطرحون تساؤلات يبدون فيها بعض الشكوك بشأن هذه الأموال التي دفعتها الشركتان تحت الضغط، هل هي حل مؤقت، أم أن هذه الشركات تعمل فعلا لإنقاذ الصحافة من أزمتها الوجودية بعد أن ساهمت أصلا في هذه الأزمة.

في الولايات المتحدة وحدها انخفضت إيرادات الصحف من الإعلانات الرقمية والمطبوعة إلى 14.3 مليار دولار في 2018 من 49.4 مليار دولار في 2005

وقال عدة محللين إعلاميين ومديرين تنفيذيين في مجال الأخبار لرويترز إن هذا التمويل المقرر إن استمر على مدار ثلاث سنوات لا يعوض شيئا تقريبا عن عشرات المليارات من الدولارات التي فقدها الناشرون مع ابتلاع شركات التكنولوجيا لسوق الإعلانات الرقمية.

وقد حصلت غوغل وفيسبوك على 54 في المئة من إيرادات الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة في 2020 وفقا لما تقوله شركة إي ماركتر لأبحاث السوق. ووصف بعض المنتقدين هذه المشروعات، بما في ذلك مساهمة كل من الشركتين بمبلغ 300 مليون دولار فيها، بأنها وسيلة لإسكات من يشتكون من الناشرين وللظهور بمظهر الطيب.

وتواجه الشركتان معارك قضائية ومطالبات بتعويضات عن المحتوى الإخباري على مستوى العالم وكذلك دعاوى ضد الاحتكار من جهات تنظيمية وناشرين. وقالت ماريبل بيريز وادزويرث ناشرة مجلة ورئيسة شبكة “يو.أس.أيه توداي” التي تشارك في برنامج للتحقق من صحة الأخبار ترعاه فيسبوك إن هذا “الإحسان العابر” ليس سوى “غيض من فيض”. وأضافت “ناشرو الأخبار لا يتطلعون لإحسان. نحن ببساطة نطالب بالعدل والإنصاف”.

فيسبوك وغوغل تقولان إن الناشرين يستفيدون من استخدام منصاتهم وهو ما يسهم في تحقيق دخل لهم من الإعلانات والاشتراكات

وقالت إميلي بيل مديرة مركز تاو للصحافة الرقمية بجامعة كولومبيا إن هذه الأموال ضرورية لغرف الأخبار في الأجل القريب “لكنها لا تُصرف بمستوى له أثر دائم على هذا المجال” وهي “فعليا لا تغير شيئا”.

وأكدت الشركتان العملاقتان أنهما ملتزمتان بكل صدق بمساعدة المنافذ المحلية والإقليمية وأنهما ستواصلان تقديم الدعم بعد انتهاء أجل مبادرة إنفاق الستمئة مليون دولار في الأشهر المقبلة.

وقال كامبل براون رئيس الشراكات الإخبارية في فيسبوك إن الهدف من مشروع فيسبوك للصحافة هو مساعدة الناشرين “فعليا في الانتقال إلى عالم اليوم الرقمي والازدهار فيه حيث يتعين عليهم إيجاد جمهور خاص للغاية من أجل النجاح”.

وقال بن موني مدير الشراكات العالمية في غوغل إن الشركة تركز على “التأكد من وجود بيئة صحية مفعمة بالحيوية للصحافة الممتازة”.

وقد قدمت كل من فيسبوك وغوغل مساهمات لصناعة الأخبار بخلاف الستمئة مليون دولار. فعلى سبيل المثال خصصت كل منهما مليار دولار العام الماضي في صورة منح واتفاقات لسداد مقابل المحتوى لعدد من وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم.

وفي إطار هذا الالتزام تدفع غوغل أموالا لناشرين مثل رويترز لإعداد محتوى وتنظيمه لمشروع “نيوز شو كيس” الذي تقدم من خلاله مقتطفات لتطبيقي نيوز وديسكفر الخاصين بها.

وفي 2020 أعلن معهد رويترز لدراسة الصحافة الذي تموله بنسبة كبيرة المؤسسة الخيرية التابعة لشركة تومسون رويترز أنه حصل على حوالي 19 مليون دولار كمنح من غوغل وأربعة ملايين دولار من فيسبوك. غير أن فيسبوك وغوغل تقولان إن الناشرين يستفيدون من استخدام منصاتهم وهو ما يسهم في تحقيق دخل لهم من الإعلانات والاشتراكات.

وقال براون “نحن خدمة مجانية متاحة لأي جهة لتقديم المحتوى”. وأضاف أنّ مشاركة الناشرين “تشير إلى أنهم يستفيدون من المنصة دون أن نقدم هذه الاستثمارات الإضافية”.

قدمت كل من فيسبوك وغوغل مساهمات لصناعة الأخبار بخلاف الستمئة مليون دولار

وقد حققت فيسبوك وغوغل 607 مليارات دولار من إيرادات الإعلانات خلال السنوات الثلاث الأخيرة وفقا لما قدمته الشركتان من إفصاحات. والاثنتان من بين أكبر الشركات الممولة لصناعة الأخبار العالمية.

ولم تصدر الشركتان سوى معلومات محدودة حتى الآن عن كيفية إنفاق 600 مليون دولار في صورة منح وخدمات وكثيرا ما تطلقان تعبيرات عامة أو تقدمان أمثلة دون ذكر تفاصيل مالية.

وقال عدد من المديرين التنفيذيين في مجال الأخبار إنهم يطالبون الشركتين بدفع المزيد مقابل المحتوى وتعزيز العمل في ترتيب أولويات التغطيات الإخبارية الأصلية. وتقول فيسبوك وغوغل إنهما عدلتا بالفعل خوارزمياتهما لتحقيق هذا الهدف.

من ناحية أخرى يرى ناشرون شريان حياة يمتد لهم. فقد قال تنفيذي في صحيفة “بوست آند كوريير” في تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا إن “مختبرا” تدريبيا مولته غوغل ساعد الصحيفة في تحديد حجم وقيمة الاشتراكات الرسمية اللازمة لتغطية النفقات.

وللشركتين تأثير هائل على إيرادات الإعلانات للمنافذ الإخبارية لأن خوارزمياتهما تحدد ما إذا كان أي مقال برز بشكل واضح في بحث على محرك غوغل أو على البث الإخباري في فيسبوك.

وتدير غوغل واحدة من أكبر البورصات على الإنترنت للإعلانات الرقمية التي تُباع وتُشترى تلقائيا عن طريق برمجيات خاصة. ولأن غوغل تنافس باعتبارها أكبر مشتر وأكبر بائع في تلك البورصة فمن الممكن على حد قول بعض الناشرين والمنتقدين أن تدير الأعمال لصالحها.

وفي الولايات المتحدة وحدها انخفضت إيرادات الصحف من الإعلانات الرقمية والمطبوعة إلى 14.3 مليار دولار في 2018 من 49.4 مليار دولار في 2005.

607 مليارات دولار إيرادات الإعلانات لغوغل وفيسبوك خلال السنوات الثلاث الأخيرة

ووافقت غوغل في السابع من يونيو بمقتضى تسوية مع هيئة مكافحة الاحتكار الفرنسية على اطلاع مشتري الإعلانات عموما على المزيد من البيانات بما يقلل بعضا من المزايا التنافسية التي تتفوق بها على الناشرين.

وردا على سلسلة من الدعاوى القضائية رفضت الشركتان اتهامات بأن ممارساتها في الأعمال تضر بالناشرين. وقالت غوغل إن الناس يستخدمون الخدمات لأنهم يختارون ذلك لا لأنهم مجبرون على ذلك.

غير أن فرانك بليزن ناشر صحيفة سياتل تايمز يرى الأمور من منظور مختلف. فقد قال إن صحيفته شاركت في برامج تدعمها غوغل وفيسبوك. وأضاف “لو لم تحتكر الشركتان الإعلان وتوجهان البحث بالطريقة التي توجهانه بها، لكانت الصحف تحقق دخلا حتى الآن”.

18