الإجهاد المالي يُبقي الاقتصاد المصري في دائرة الخطر

تتزايد التقييمات المتشائمة من قبل طيف واسع من المحللين بسبب ما تتعرض له الحكومة المصرية والسوق المحلية من إجهاد مالي ما يبقي الاقتصاد في دائرة المخاطر حتى مع تطمينات المانحين الدوليين بتقديم حزمة إنقاذ جديدة للقاهرة لتخفيف الضغوط.
القاهرة/لندن – أكد خبراء في الاقتصاد أن أحوال مصر المالية ما زالت في وضع مزعج بالرغم من خفضين كبيرين في قيمة العملة هذا العام وحزمة إنقاذ جديدة بثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وما زال المستثمرون حذرين بالرغم من طفرة في المعنويات بعد اتفاق الصندوق، وذلك في ظل توقعات بأن تستهلك مدفوعات فوائد الديون أكثر من 40 في المئة من إيرادات الحكومة العام المقبل واستمرار تأثر الاقتصاد بوجود نقص في العملة الصعبة.
ويشير مصرفيون في أكبر اقتصاد بمنطقة شمال أفريقيا إلى أن سعر الدولار في السوق السوداء الذي يتراوح بين 26 و26.5 جنيه أكثر بثمانية في المئة عن السعر الرسمي البالغ 24.53 جنيه بالرغم من خفض قيمة العملة المحلية بنسبة 36 في المئة إجمالا هذا العام.
ومن ناحية أخرى، يبدو أن المتعاملين في سوق الصرف مقتنعون بأنه سيهبط إلى 28 جنيها للدولار بحلول مثل هذا الوقت من العام المقبل، ووضع بنك نومورا الياباني مصر على رأس قائمته للدول التي تواجه مخاطر مرتفعة لحدوث أزمة عملة.
وقالت كارلا سليم من بنك ستاندرد تشارترد لوكالة رويترز “من المرجح أن يظل الجنيه تحت ضغط إلى حين تدفق المزيد من الدولارات الأميركية من دول الخليج وتحقق وعود الاستثمارات الأجنبية المباشرة”.
وهدأ اتفاق صندوق النقد الشهر الماضي الأوضاع إلى حد ما. وقفزت السندات الحكومية التي اقترب استحقاقها بحوالي 15 في المئة وتقلصت العلاوات السعرية التي يطلبها المستثمرون لحيازتها بدلا من سندات الخزانة الأميركية بنحو الثلث.
كما ارتفعت بشدة أسعار السندات التي يحل استحقاقها بعد 15 و20 عاما، إلا أنه مع تداولها عند نحو 65 و70 سنتا للدولار وأقل من قيمتها الاسمية بنحو الثلث فإن المحللين يؤكدون أنها ما زالت تشير إلى وجود خطر.
وقال تشارلي روبرتسون كبير الاقتصاديين لدى رينيسانس كابيتال “مصر عليها عبء كبير من الديون ويمكن القول إنها أكثر عرضة للخطر من باكستان فيما يتعلق بنصيب مدفوعات الديون من الإيرادات”.
وأضاف “لكن الفارق هو أنها كانت استباقية ولجأت سريعا إلى صندوق النقد الدولي”، مشيرا إلى أن مصر لديها أيضا دعم قوي من دول الخليج الغنية.
وأكد مصرفيان بمصر، طلبا عدم ذكر اسميهما، لرويترز أن مبيعات أذون الخزانة قصيرة الأجل للأجانب، التي كانت مصدرا رئيسيا لتمويل الحكومة حتى اندلاع الأزمة الأوكرانية، ما زالت راكدة نسبيا عند 4 إلى ستة مليارات جنيه (163 و244 مليون دولار).
ويرجع ذلك إلى أسباب منها إحجام الحكومة عن رفع سعر الفائدة، أو العائد، على الأذون فوق معدل التضخم وخصوصا في الوقت الذي يجري فيه استيعاب خفض حاد جديد في قيمة العملة.
وأصدرت وكالة فيتش تحذيرا بشأن خفض تصنيف مصر الائتماني قائلة إن “عجز ميزان المعاملات الجارية المتضخم ومدفوعات الديون الأجنبية البالغة 33.9 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة حتى منتصف 2025 يجعلان مصر عرضة للخطر”.
ولا توجد دولة تنفق أكثر من 41 في المئة من إيراداتها الحكومية، وهي النسبة التي من المنتظر أن تدفعها مصر لسداد فوائد الديون العام المقبل، سوى سريلانكا التي تخلفت عن سداد ديونها بالفعل وغانا، التي من المتوقع أن تتخلف عن سداد الديون قريبا.
ويرى مصرفيون أن الموردين، في ظل عدم توفر كميات مناسبة من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى في مصر، ما زالوا يواجهون مشاكل في تمويل بضائعهم الآتية من الخارج مما يسبب اختناقات للمصانع ومتاجر التجزئة.
وقال فاروق سوسة، الاقتصادي لدى بنك غولدمان ساكس، إن “الطلب المتراكم من الشركات على العملات الأجنبية وشح السيولة في النظام المصرفي سيواصلان دفع الجنيه إلى الهبوط لو تم السماح بتداوله بحرية”.
وأضاف “نماذج التقييم الأساسية تشير إلى أن الجنيه مقوم بأقل من قيمته بنحو عشرة في المئة الوقت الحالي”.
ويعتقد جيمس سوانستون من كابيتال إيكونوميكس أن الجنيه ينبغي أن ينخفض على الأرجح إلى 25 جنيها للدولار على الأقل ليعادل فارق التضخم لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر.
واستمرت مفاوضات مصر مع صندوق النقد سبعة أشهر وقادت إلى ثاني خفض كبير في قيمة العملة خلال العام الجاري. وما زال البنك المركزي يسمح للجنيه بالانخفاض بصورة مطردة بواقع 0.01 أو 0.02 جنيه في كل يوم تداول.
ويقول محللون إن الكثيرين في الشارع المصري ينظرون إلى قوة العملة كمؤشر على جودة إدارة الاقتصاد ونتيجة لذلك فقد أحجمت الحكومة لفترة طويلة عن السماح للجنيه بالانخفاض سريعا.
وتخشى السلطات أيضا من أن التحرير الكامل لسعر الصرف قد يخرج عن السيطرة ويدفع الشركات إلى رفع الأسعار ويؤدي إلى زيادة التضخم الذي بلغ بالفعل أعلى مستوياته في أربع سنوات.
وقالت ريهام محمد، وهي مترجمة مستقلة وتعيش مع أمها في القاهرة وتجد صعوبة في العثور على عمل، إن “الأسعار ارتفعت بعد التعويم ولم تفعل الحكومة شيئا للسيطرة عليها… إنها ترتفع كل يوم”.