الإجهاد المائي يهدد تربية الجاموس في العراق

ذي قار (العراق) - تفاقم موجة الجفاف المستمرة في العراق منذ سنوات من معاناة مربي الجاموس في الأهوار، حيث يكابدون لإنقاذ مهنتهم جراء تحديات الإجهاد المائي.
وانخفض عدد الجاموس في البلد بأكثر من النصف خلال عقد من الزمن، حيث يعاني النهران الرئيسيان، دجلة والفرات، من جفاف شديد يُهدد سبل عيش العديد من المربين والمزارعين.
وعلى مدار العقود الأربعة الماضية، انخفض إنتاج نهري دجلة والفرات اللذين يُوفران ما يصل إلى 98 في المئة من المياه السطحية في البلد النفطي بنسبة 30 إلى 40 في المئة.
ويُعزى هذا الانخفاض إلى انخفاض هطول الأمطار، وزيادة التبخر الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة، وبناء الدول المجاورة للسدود عند المنبع.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى انخفاض مستويات المياه الجوفية وانخفاض تدفقات الأنهار إلى تفاقم تسرب المياه المالحة، مما قلل من إمكانية الوصول إلى المياه العذبة بسبب زيادة الملوحة وإلحاق الضرر بالأراضي الزراعية.
وفي عام 2021، شهد العراق ثاني أشد مواسمه جفافا منذ أربعة عقود، مما أدى إلى نقص المياه في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الجنوبية مثل البصرة.
ووفقا للبنك الدولي، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، سيواجه العراق عجزا مائيا حادا يصل إلى 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035. وقال المزارع صباح إسماعيل (38 عاما)، الذي يربي الجاموس في محافظة ذي قار بجنوب العراق “كل الناس غادروا أو نصفهم، بقينا نحن وعدد قليل من البيوت”.
وأضاف في تصريح لتلفزيون رويترز “الوضع صعب… كان لدي من 120 إلى 130 جاموسة، والآن لا أملك سوى من 50 إلى 60، الباقي نصفه نفق والنصف الآخر بعناه بسبب الجفاف.”
ويُربى الجاموس في العراق منذ قرون من أجل اللبن (الحليب)، وهذه الحيوانات مذكورة في النقوش السومرية القديمة. والعراق من بين البلدان التي تمتلك ثروة حيوانية، إلا أنها تكتنفها الكثير من المشاكل التي تستدعي المعالجات السريعة والفعالة بغية النهوض بهذا القطاع الاقتصادي المهم.
ويقول خبراء الأهوار العراقيون إن الأسباب الجذرية لأزمة المياه التي تدفع المزارعين إلى مغادرة الريف هي تغير المناخ وبناء السدود في تركيا وإيران وتقنيات الري المنزلي القديمة وغياب خطط الإدارة طويلة الأجل.
كما شهد البلد حروبا على مدى عقود بدءا من الصراع مع إيران في ثمانينات القرن العشرين مرورا بحربين في الخليج ووصولا إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية قبل سقوطه في الفترة القليلة الماضية.
وتقع الأراضي العراقية الصالحة للزراعة في منطقة الهلال الخصيب التي تزرع منذ الآلاف من السنين. وعانت المنطقة من بناء السدود على نهري دجلة والفرات وانخفاض معدل هطول الأمطار مما هدد أسلوب حياة المزارعين، مثل إسماعيل، ودفع العديد منهم إلى الانتقال إلى المدن.
وقال خبير الأهوار جاسم الأسدي لرويترز إن أعداد الجاموس في العراق انخفضت منذ عام 2015 من 150 ألفا إلى أقل من 65 ألفا. وأوضح أن أسباب التراجع “في معظمها طبيعية، مثل عدم توفر المراعي الخضراء اللازمة والتلوث والمرض وامتناع المزارعين أيضا عن تربية الجاموس بسبب ندرة الدخل.”
كما جعل الانخفاض الحاد في إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار الأعلاف من الصعب على المزارعين إطعام حيواناتهم. وقال عبدالحسين صبيح (39 عاما)، وهو أحد مربي الجاموس، “هذا الصيف قد نشهد المزيد من نفوق الجواميس لأننا متخوفون من شح المياه وملوحتها.”
ولطالما همّش المسؤولون المجتمعات الريفية التي تعتمد على الزراعة والرعي، حيث يركزون على الأزمات السياسية. وعندما طبقت السلطات في السنوات الأخيرة سياسات تقنين قاسية للمياه، أصبح سكان مناطق تربية الجاموس أكثر يأسا.
ومع ذلك تراهن الحكومة الحالية على إحداث قفزة في تربية المواشي بأنواعها خلال الفترة المقبلة عبر برامج مختلفة ومرحلية بما يضمن الارتقاء بها على كافة المستويات، بما في ذلك تقليص التوريد.
ومطلع أبريل كشفت وزارة الزراعة عن خطط لتطوير الثروة الحيوانية، بينها توسيع قاعدة الأنواع والسلالات المستوردة لأغراض إنتاج اللحوم والألبان، رغم نقص التمويلات وندرة المياه وتقلص مساحات الرعي وغلاء الأعلاف.
وأكدت أنها أصدرت ضوابط لاستيراد الحيوانات لأغراض الذبح والتربية بهدف تقليل الضغط على ما تبقى من الثروة الحيوانية داخل البلاد. وشهدت قطعان الماشية نموا في السنوات الأخيرة لتناهز حوالي 20.42 مليون رأس، بحسب إحصائيات لوزارة الزراعة تعود إلى العام 2024.
ووفق البيانات يبلغ عدد رؤوس الأغنام نحو 16.52 مليونا والماعز 1.36 مليون رأس والأبقار أكثر من 1.87 مليونا، أما الجاموس فقد تجاوز 462.2 ألف رأس والإبل 204.8 ألف، إلى جانب الأسماك والدواجن.