الإجهاد المائي على طاولة منتدى المتوسط في تونس

إجماع على ضرورة التعاون بشكل مكثف في مواجهة التحديات المتزايدة المرتبطة بالجفاف.
الثلاثاء 2024/02/06
منصة مهمة للخروج بحلول جماعية

تهيمن تحديات الإجهاد المائي والمشاكل المرتبطة بالتغير المناخي وتأثيراتها على معيشة الناس على نقاشات مسؤولي دول حوض المتوسط خلال منتدى تحتضنه تونس لبلورة الخطط الكفيلة بمواجهة هذه المشكلة الوجودية على اقتصادات المنطقة.

تونس – استقبل خبراء ومتابعون حملة دول حوض البحر المتوسط، التي تقع على عاتقها مسؤولية وضع سياسات أكثر فاعلية لتفادي أزمة أكبر في قضية الإجهاد المائي خلال السنوات المقبلة، بالكثير من الشكوك في طريق مكافحة تغير المناخ الأصعب منذ عقود.

وتترافق هذه الانطباعات مع بدء النسخة الخامسة من المنتدى المتوسطي للمياه الاثنين الذي تحتضنه تونس، بينما تتزايد محن الاقتصاد العالمي مع اضطراب سلاسل التوريد وعودة التوترات، مما يشكل هاجسا أكبر قبل الخروج بحلول جماعية عملية.

وستستمر النقاشات، التي يشارك فيها وزراء دول المتوسط وممثلون من منظمات دولية وجمعيات بيئية، وأيضا خبراء في مجالات متنوعة على مدار ثلاثة أيام، وستتناول حزمة من القضايا المصيرية لتفادي الأسوأ.

نصرالدين العابد: الاحتياجات أكثر مما يتوفر حاليا من الموارد المائية
نصرالدين العابد: الاحتياجات أكثر مما يتوفر حاليا من الموارد المائية

ويتباحث المشاركون في مواضيع تتصل بتوفر موارد المياه التقليدية، سواء المياه غير الجوفية أو المياه الجوفية والتي تقلصت جراء التغيرات المناخية والنفاذ إلى هذه الموارد والتي تعد طلبا ملحا بأغلب الدول الواقعة ضمن حوض المتوسط.

ويكتسي التوجه نحو تحلية المياه، أهمية كبيرة ضمن سياسات إدارة المياه وخطط التنمية القائمة من قبل دول المتوسط، وخاصة الواقعة في الجنوب (شمال أفريقيا)، علما وأن هذه الملفات تعد من أبرز النقاط المطروحة على الطاولة.

ويأتي انعقاد المنتدى تحت شعار “الماء من أجل الرفاه المشترك”، في وقت يجري فيه الإعداد لتنظيم المنتدى الدولي للمياه المزمع انعقاده بمدينة بالي الإندونيسية في مايو المقبل.

وأكد أغلب المتحدثين في افتتاح المنتدى على ضرورة تعاون ضفتي المتوسط بشكل مكثف في مواجهة التحديات المتزايدة المرتبطة بالمياه.

وتعتبر المنطقة العربية من أكثر الأماكن حول العالم المعرضة لمشكلة ندرة المياه، وقد تجلى ذلك في انحباس الأمطار مع موجة جفاف منذ خمس سنوات هي الأقسى منذ عقود.

وقال نصرالدين العابد، المدير العام للمركز العربي لدراسة المناطق القاحلة والأراضي الجافة (أكساد) في كلمة له إن “الموارد المائية المتوفرة في المنطقة تبلغ 260 مليار متر مكعب مقابل احتياجات أعلى بكثير”.

وأوضح أن الدول العربية، التي تتزايد احتياجاتها المائية بشكل مستمر، ستواجه بحلول عام 2030 فجوة مائية تقدر بحوالي 127 مليار متر مكعب.

وبحسب العابد، فإن في عام 2023، بلغ متوسط حصة الفرد من المياه المتاحة في المنطقة العربية حوالي 550 مترا مكعبا.

وتقدر هذه الحصة في تونس بنحو 400 متر مكعب، ولا تتجاوز مئتي متر مكعب في حوالي ثماني دول عربية، وتبلغ حوالي مئة متر مكعب سنويا في ستة دول أخرى.

وهذا النقص، الذي تفاقم بسبب تأثير الصراعات في المنطقة والتغير المناخي، بحسب العبيد، أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لأمن المنطقة.

المعتز العبادي: من المهم التعبئة الإقليمية لحصول الجميع على المياه
المعتز العبادي: من المهم التعبئة الإقليمية لحصول الجميع على المياه

وعلاوة على ذلك، إذا كانت المياه منفعة عامة وتحقيقا لأهداف التنمية المستدامة والمتمثلة في “الحصول الشامل والمنصف على مياه الشرب والنظافة والصرف الصحي بحلول 2030، ولاسيما للطبقة الهشة”، فإن بعض السكان محرومون تماما من هذا الحق.

ويبدو هذا هو حال سكان قطاع غزة، الذين وصف أوضاعهم نائب الأمين العام في أمانة الاتحاد من أجل المتوسط المعتز العبادي بـ”الكارثية”.

وتحقيقا لهذه الغاية، أكد العبادي في مداخلة له أثناء المنتدى على أهمية التعبئة الإقليمية للدفاع عن حق الإنسان في الحصول على المياه للجميع.

وقال إن “الآلاف من الأشخاص محرومون من المياه ومهددون بانتشار المياه الملوثة”. وأضاف أن “الناس، الذين لا يستطيعون الحصول على المياه، يغتسلون أو يضطرون إلى الشرب من مياه الأمطار”.

وشدد على أن إدارة قضية المياه على المستوى الإقليمي “يجب ألا تترك أحدا خلف الركب”، داعيا إلى “منح البشرية فرصة أخرى من خلال الاعتناء ببعضنا البعض”.

وأفاد تقرير أعده معهد البحر المتوسط للتنوع البيولوجي والبيئة بفرنسا قبل أربع سنوات بأن ارتفاع درجات الحرارة الاستثنائي في منطقة حوض البحر المتوسط يهدد 500 مليون نسمة.

وذكر التقرير حينها أن هذه المنطقة بالذات تعتبر حاليا الأكثر تضررا من التغير المناخي مقارنة بأجزاء أخرى من الكوكب، وأن أعدادا كبيرة من السكان مهددون لأنهم “يعيشون بالقرب من البحر، كما أنهم فقراء ولديهم خيارات قليلة لحماية أنفسهم أو الابتعاد”.

وأكد رئيس معهد مياه البحر الأبيض المتوسط آلان ميسونييه في مداخلة على ضرورة تعاون الضفتين لمواجهة التحديات المرتبطة بالمياه.

وقال “في غضون سنوات قليلة، انتقلنا من الوفرة إلى الندرة”. وأضاف أن “الفارق يضيق بين شمال وجنوب المتوسط من حيث الموارد المائية، ومن هنا تأتي أهمية العمل معا لمعالجة هذا النقص”.

آلان ميسونييه: الحلول موجودة وعلينا تحديد أولوياتها لتنفيذها بنجاح
آلان ميسونييه: الحلول موجودة وعلينا تحديد أولوياتها لتنفيذها بنجاح

ورغم الوضع المقلق للموارد المائية في حوض المتوسط، قدم ميسونييه ملاحظات مشجعة، وقال إن “الحلول موجودة، دعونا نعرف كيفية تحديد أولوياتها معا لتنفيذها بنجاح”.

ويتجلى الوعي بشكل متزايد في ما يتعلق بهذا الوضع من قبل الشركات والمواطنين من مختلف البلدان.

وأشار ميسونييه إلى أن مشاركة الشباب في حل التحديات المتعلقة بالمياه تعد أيضا عاملا مهما للغاية، لأن الأمر متروك للشباب لتنفيذ الحلول والاستجابات.

ولم يكن المجلس العالمي للمياه أقل تشاؤما مما يحدث. وقال رئيسه لويك فوشون أمام المشاركين إن “المياه تتعرض حاليا للهجوم. وإذا تمت مهاجمة المياه، فإن الكوكب بأكمله سيعاني”.

وأضاف “لقد فصلنا الإنسان عن الطبيعة لسنوات عديدة وانغمسنا في نهب الموارد لفترة طويلة”. وشدد على أن “اليوم أمامنا ثلاث أولويات، وهي إيجاد المياه اللازمة للطبيعة، والمياه اللازمة للصحة، والمياه اللازمة للغذاء”.

وللقيام بذلك، سيكون من الضروري زيادة العرض من خلال العديد من التقنيات، بما في ذلك تحلية المياه وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي وتحسين التحكم في الطلب عبر رقمنة أساليب الإدارة وتطور السلوك وما إلى ذلك.

ويدعو فوشون إلى المعالجة الأفقية للمياه بناء على ثلاث ركائز، وهي الابتكار التكنولوجي، وتمويل البنية التحتية وصيانتها.

وقال “لا ينبغي حرمان أحد من حقه في الحصول على المياه لأنها أمر سياسي اليوم، والأمر متروك للسياسيين لإعطاء الأولوية للمياه وإيجاد الحلول”.

11