الإجماع على إنهاء ملف السجناء يضع الحكومة المصرية أمام اختبار صعب

إعلان رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني عن وجود توافق على حل أزمة الحبس الاحتياطي والحريات يعكس وجود ضوء أخضر من مؤسسة الرئاسة بأنها لا تمانع في ذلك.
الخميس 2023/01/19
خيبة أمل للمعارضة

القاهرة- كشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الحوار الوطني فيمصر سوف ينطلق رسميا مطلع فبراير المقبل بـ”تكليف رئاسي”، على أن يتم عقد جلسات المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتوازي بشكل أسبوعي، وإتاحة الفرصة لوسائل الإعلام بتغطية الجلسات وإطلاع الشارع تفصيليا بمستجداته.

وتشعر قوى معارضة في مصر بخيبة أمل جراء “المماطلة” في الإعلان عن بدء جلسات الحوار الوطني رسميا أمام ارتفاع منسوب الغضب في الشارع وتوجيه اتهامات للأحزاب والمعارضة بأنها أصبحت بلا أنياب تُجبر الحكومة على تصحيح المسارات الخاطئة واستمرارها في اتخاذ قرارات مستفزة مع التسويف الحاصل في الإفراج عن المحبوسين والمعتقلين في قضايا واهية.

وأعلنت لجنة العفو الرئاسي الثلاثاء الإفراج عن دفعة جديدة شملت 31 من المحبوسين احتياطيا، مؤكدة استمرارها في جمع الطلبات التي تصلها والتنسيق مع الأجهزة المعنية للمزيد من الإفراجات في الفترة المقبلة، لكن الأرقام الهزيلة التي يتم إطلاق سراحها على فترات لا ترضي طموحات المعارضة وتعتبرها مجرد مسكنات للقوى السياسية بدلا من تحرك الحكومة لحسم هذا الملف بشكل جذري.

نجاد البرعي: ملف المحبوسين أولوية سياسية وهذا ما اتفقت عليه القوى
نجاد البرعي: ملف المحبوسين أولوية سياسية وهذا ما اتفقت عليه القوى

وأكد رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان أن هناك إجماعا على تعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحريات وقواعد التعويض عنهما والتحفظ على الأموال والمنع من السفر.

وأكد عمادالدين حسين رئيس تحرير صحيفة “الشروق” وعضو مجلس الشيوخ أن نجاح الحوار الوطني في الملف السياسي بداية انفراج المحورين الاقتصادي والاجتماعي.

ورصدت “العرب” تركيزا مفاجئا من وسائل إعلام حكومية على الحوار الوطني، وأتاحت لأصوات معارضة فرصة للإدلاء برأيها في موضوعات يجب أن تحتل أولوية قصوى، مثل ملف السجناء، وفٌهم الأمر على أنه توجيه رسمي بإعادة الأمل إلى الشارع والقوى السياسية وسط حالة يأس تسيطر على الشارع بسبب الأزمة الاقتصادية.

وتتبقى جلسة واحدة لمجلس الأمناء لاختيار الأسماء النهائية التي تشارك في الحوار من القوى السياسية والنقابية والمجتمع الأهلي والشخصيات العامة، وبعدها يتم إعلان مواعيد الانطلاق الرسمي.

وقالت المصادر المصرية ذاتها لـ”العرب” إنا هناك إجماعا من المشاركين في مجلس أمناء الحوار الوطني على تسريع وتيرة الإنجاز في المحور السياسي لكسب ثقة الشارع، بإقرار وتعديل تشريعات ملحة تعيد الحيوية في الفضاء العام.

وذكر نجاد البرعي المحامي الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أن الأولوية تقضي بإنهاء ملف السجناء، لأنه أحد الأساسيات التي يتم من خلالها بناء حوار وطني متزن، وهذا يستدعي بدء النقاشات الفعلية بالمحور السياسي، بما يتضمنه من قضايا مرتبطة بالانتخابات والأحزاب والحريات العامة والعمل الأهلي، لكنّ ملف المحبوسين أولوية سياسية وهذا ما اتفقت عليه غالبية القوى المشاركة.

وأضاف لـ”العرب” أن دوائر صناعة القرار من صالحها أن تغلق أي ثغرة تثير الجدل السياسي وعليها التجاوب مع الحوار الوطني بشأن ملف السجناء، ومطلوب أن يكون لمجلس النواب (البرلمان) دور فاعل في هذا الملف، لأنه يتطلب إجراءات تشريعية فورية، مشيرا إلى أن الاتفاق بين القوى الوطنية على غلق ملف المحبوسين يرتبط بفتح الحريات العامة إعلاميا وسياسيا للمزيد من المصداقية للحوار الوطني.

ولا تزال هناك أصوات معارضة تربط تجاوبها مع الحوار الوطني بإنجاز الحكومة تقدما ملموسا في ملف المسجونين، لأن الإفراجات المتتالية من لجنة العفو الرئاسي لن تحل الأزمة، ولا بديل عن وجود إرادة سياسية لدى النظام والإعلان صراحة عن عدم ممانعته تعديل نصوص قوانين الحبس الاحتياطي وعدم التعامل مع كل صوت معارض على أنه خائن أو متآمر ويجب حبسه دون اتهامات ثابتة.

ويعتقد مراقبون أن إعلان رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني عن وجود توافق على حل أزمة الحبس الاحتياطي والحريات يعكس وجود ضوء أخضر من مؤسسة الرئاسة بأنها لا تمانع في ذلك، خاصة أن هناك قوى معارضة تربط استمرارها في الحوار بوجود تحرك إيجابي من السلطة في ملف المعتقلين، والتعامل معه كأولوية، ولا ترغب الحكومة في نسف الحوار قبل بدايته.

عمادالدين حسين: نجاح الحوار السياسي بداية انفراج للملفين الاقتصادي والاجتماعي
عمادالدين حسين: نجاح الحوار السياسي بداية انفراج للملفين الاقتصادي والاجتماعي

وتتمسك المعارضة بعدم الاتجاه نحو تعديل النصوص القانونية الخاصة بالحبس الاحتياطي ليكون قاصرا على النشطاء والسياسيين وسجناء الرأي، ويتم تطبيقه على كل من تتم محاكمتهم في تهم مختلفة دون انتقائية أو إقصاء، لكن المعضلة القائمة مرتبطة بمدى تجاوب الحكومة وتحجيم نفوذ الأجهزة الأمنية في الملف الحقوقي لأسباب مرتبطة بتثبيت الاستقرار.

وأصبحت هناك أصوات مقربة من السلطة وشريكة في مجلس أمناء الحوار الوطني مقتنعة بأن أيّ زخم سياسي تريد الدولة تحقيقه يرتبط بمدى الاستجابة للقوى المدنية في المسائل التي لن تؤثر على الأمن القومي، وعلى رأسها السجناء، فالكثير منهم يخرج ولا يثير أزمة أمنية ويصعب إحراز أيّ تقدم في الملفين الاقتصادي والاجتماعي دون البداية بملف سياسي محوري، مثل الحبس الاحتياطي.

وأوضح البرعي لـ”العرب” أن عودة الزخم السياسي يبدأ من التعاطي الجاد مع ملف الحريات والحبس الاحتياطي وأوضاع السجون ومراكز الاحتجاز وحرية الإعلام، لأن التسريع من وتيرة إغلاق هذه الثغرات يخفف من وطأة التحديات ويجعل الجميع يتوافقون على أرضية وطنية دون تخوين أو مطاردة، لافتا إلى أن الكثير من الشواهد تصب في صالح اقتناع الدولة بأهداف القوى السياسية.

وتعهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقت إطلاق الحوار الوطني في أبريل الماضي بالاستجابة للمطالب التي تصل إليه ويكون عليها توافق، ولن يقف في طريق تحقيق طموحات القوى الوطنية طالما أنها تستهدف المصلحة العامة.

وترتبط عدم ممانعة الحكومة للوقوف ضد حسم ملف السجناء برغبتها في وضع حد للأرقام المغلوطة عن المحتجزين قسريا والمعتقلين على ذمة قضايا دون محاكمات، وهو أمر يستغله العديد من المنظمات الحقوقية لتوجيه انتقادات للسلطة وتحريض حكومات غربية على ممارسة ضغوط سياسية على القاهرة تصل حد الابتزاز، كما حدث في قمة المناخ التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية في 2022.

وأظهرت قمة المناخ إلى أي درجة صار عليها التحرك سريعا لحل أزمات حقوق الإنسان، وتحديدا الحبس الاحتياطي، بعدما شنت منظمات ومؤسسات حقوقية هجوما عنيفا ضد الحكومة بسبب المعتقلين وسجناء الرأي.

2