الأيديولوجيات الدينية المتطرفة في العالم العربي

السبت 2014/04/19

قالت السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة: “لن يكلّفنا غزو العرب شيئا بعد اليوم. إنهم سيقتلون أنفسهم بأيديهم”. ودون أي شك أن ما قالته هذا يثير غضب كل عربي، لكن تمهل قبل أن تغضب فعليك أن تتمعن مليا في الأسباب الحقيقية التي جعلتها واثقة من أن العرب سيقتلون أنفسهم بأيديهم. فسبب وصولنا إلى حالة التردي هذه التي نعيشها اليوم، هي أن الإرهاب والتطرف والطائفية أصبحت من السمات التي نُعرف بها على مستوى الكون سواء شئنا أم أبينا ذلك، وهي ظواهر لم تكن معروفة حتى خمسينات وستينات القرن المنصرم.

إن الأمة العربية عانت من إحباطات وصراعات قاتلة ومدمّرة للهويتين القومية العربية والإسلامية أدت إلى كل ذلك، فبعد انهيار القومية العربية ظهرت الحركات الإسلامية والأيديولوجيات الدينية المتطرفة لملء الفراغ في الساحة العربية. إن خطورة هذه الحركات الدينية تتمثل في الانتفاضات العربية الأخيرة أو ما سمي استخفافا بعقولنا “الربيع العربي”.

لقد تمكنت هذه المجموعات المتطرفة من السطو على الحكم في دول الانتفاضات العربية، ولكن لحسن الطالع سرعان ما انكشفت عوراتها بأنها ليست جديرة بأن تحكم دولا وشعوبا بعقليات بالية. إن هذا الوجه القبيح المتمثل في الإخوان المسلمين في مصر وما يقومون به الآن مستمد من شعارهم الذي يقول «إما أحكمك أإما أقتلك». هذه الشجرة الخبيثة لها فروع في العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال في الوقت الراهن، فضلا عما كان مبيّتا له أن يحدث في دول الخليج العربي، وهذا ما لم تدركه قطر.

إن هذا يحتم على شعوب المنطقة ودولها الوقوف بجدية للتصدي لهذه المجموعات ودراسة أيديولوجياتها لوضع الخطط الكفيلة لمحاربتها واجتثاثها. إن التطلع إلى الديمقراطية في وجود هذه المجموعات يعتبر ضربا من الخيال، لأن وجود هذه المجموعات سيؤدي بنا حتما إلى نظام ديكتاتوري وانعدام للحريات، وسنعيش في ظل فكر تكفيري تدميري سيحطم المنطقة بأسرها.

إن الفكر الإسلامي السائد على الساحة العربية اليوم هو الفكر السلفي الذي يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بمفهوم سلف الأمة ويشدد على الابتعاد عن كل المدخلات الغربية عن روح الإسلام وتعاليمه، وقد تبنى هذا الفكر الكثير من العلماء مثل ابن تيمية (1263 - 1328) وبعد ذلك من قبل جماعة الإخوان التي أسسها حسن البنا (1906 - 1949). الفكر السلفي يلتقي مع الفكر الإخواني في أن كليهما لا يؤمن بالتعددية واحترام حقوق غير المسلمين ولا يؤمن بحقوق المرأة، ولكن الاختلاف هو أن الإخوان مسيّسون أكثر من السلفيين.

أما الفكر الإسلامي الفلسفي النقدي فهو أشبه بالمنقرض الآن وقد تبنى هذا الفكر علماء مثل جمال الدين الأفغاني (1838 - 1897)، والإمام محمد عبده (1849 - 1905)، والشيخ الأزهري علي عبدالرازق (1888 - 1966) وغيرهم من الذين يفضلون الاستفادة من الإنجازات الثقافية الغربية مع الحفاظ على العقيدة الإسلامية.

فقد كتب محمد أركون (1928 - 2010)، المفكر والباحث الأكاديمي والمؤرخ الجزائري، في كتابه “نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية”، أن سبب هزيمة الفكر الفلسفي النقدي أمام الأفكار الأصولية التكفيرية يرجع إلى سببين: غياب دور العواصم الثقافية مثل القاهرة وبغداد عن مراكز الفكر العربي، وغياب الطبقة البرجوازية التي من شأنها دعم الفكر النقدي. أيضا الفكر الفلسفي النقدي لم يحصل على الدعم المادي الذي يساعد على الانتشار والتأثير مثل ما حصل عليه الفكر السلفي والإخواني.

فبعد محاربة جمال عبدالناصر وحلفائه في دمشق للإخوان اضطروا للهجرة إلى السعودية ودول الخليج العربي، حيث عمل معظم أعضاء الجماعة في مجال التعليم ووسائل الإعلام. فنجد أن بعضا من الشخصيات المعروفة من الجماعة، قد ساهمت في إعادة تشكيل المناهج الدينية في الجامعات والمدارس في السعودية، وقد لعب الإخوان دورا مماثلا في دول الخليج واخترقوا قطاع التعليم من خلال صياغة المناهج والسيطرة على الأنشطة الطلابية. أيضا شكلوا العديد من اللجان في الكويت وقطر والإمارات، كما أن التابعين للجماعة في هذه الدول غالبا ما كانوا يجمعون الأموال للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

ومن العوامل التي ساعدت على نشر الأفكار الأصولية أيضا الثورة الإيرانية عام 1979، على الرغم من أنها حدثت في دولة غير عربية، إلا أنها عززت فكر الإسلام السياسي الأصولي المتطرف في المنطقة. إن نظام الخميني لا يكف عن استغلاله للتمييز الذي يمارس على الأقليات الشيعية في أغلب الدول ذات الأغلبية السنية لصالح تحقيق أهدافه السياسية. فالنظام لم يخف للحظة أمنيته بأن يسيء للنظام السعودي وغيره من الأنظمة عبر قنواته الإعلامية المرئية والمسموعة مثل راديو طهران وقناة العالم الإيرانية الناطقة بالعربية. وردا على هذه الإساءة، بدأت السعودية وغيرها من الدول العربية بردود الفعل بطرق عدة كظهور حركة الصحوة وتأليّف الكثير من الكتب التي تهاجم الشيعة لكي تجابه خطر نظام الخميني. ونظرا لهذا التوتر والصراع فقد تعززت الطائفية في المنطقة وأيضا بسبب ظروف العراق الصعبة هُزم الفكر الشيعي المعتدل التنويري الموجود في مؤلفات محمد باقر الصدر (1935 - 1980) وأبو القاسم الخوئي (1899 - 1992) وغيرهم أمام الفكر التكفيري الخميني الذي يظهر كل من يجابهه كأنه وحش إنساني من خلال مصطلحات مثل الشيطان الأكبر والأصغر.

ولضمان تطبيق الديمقراطية في مجتمعات طبيعية خالية من الأفكار الأصولية التكفيرية أرى ضرورة الأخذ بالنقاط التالية:

أولا: تعديل المناهج في المدارس والجامعات وإدخال مناهج العلوم الإنسانية ومقارنة الأديان، والفلسفة. فائدة دراسة مقارنة الأديان (الإسلام، المسيحية، اليهودية) أنها تخلق روح التسامح والتعددية لتجنّب الوقوع في أعمال عنف ضد الأقليات المسيحية، كما حدث في العراق وسوريا ومصر. ويجب أيضا أن تدرس كتب جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبدالخالق وغيرهم من التنويريين. كما ينبغي السماح للشيعة بدراسة كتب علمائهم المعتدلين مثل محمد باقر الصدر وأبو القاسم الخوئي، الذين يفضلون فصل الدين عن الدولة. وهذا قد يساعد على حماية الشيعة العرب من الاستغلال من قبل النظام الإيراني.

ثانيا: تفعيل دور الهيئة العالمية للفقه الإسلامي خصوصا فيما يتعلق بالفتاوى.

ثالثا: وضع قوانين صارمة لرجال الدين الذين يحرضون على الأعمال الإرهابية أو نشر الأفكار المتطرفة.

رابعا: إعطاء الفرص للنساء المؤهلات علميا بالمشاركة في إصدار كل الفتاوى المتعلقة بالنساء خاصة أمثال الدكتورة سهلية زين العابدين ومن هن بمستواها العلمي والفكري.

إذا لم يتم القضاء على هذه الأفكار التكفيرية الأصولية في هذه المنطقة، فلن يكون هناك إسلام معتدل ولا تنمية أو ديمقراطية، وسيتحقق ما ذكرته هيلاري كلينتون، بأن العرب سيقضون على أنفسهم بأيديهم.


أكاديمية إعلامية سعودية

8