الأهازيج سجل فني لتاريخ وثقافة أمة

كتاب "الأهازيج الشعبية في الخليج والجزيرة العربية" يسعى إلى تسليط الضوء على فن الأهازيج بالتعريف والشرح الدقيق لنشأته وأنواعه.
السبت 2020/12/05
فن شعبي مثّل جميع الحالات الإنسانية

القاهرة- تمثل منطقة الخليج والجزيرة العربية بيئة متجانسة ومتشابهة في عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الشعبية. ويتجلى هذا التجانس والتشابه في أكثر من مظهر، منها على سبيل المثال لا الحصر اللهجات المحلية، والأشعار والأمثال والألعاب الشعبية. ومن مظاهر التجانس والتشابه ما نجده في الأهازيج الشعبية التي يعبرون بها عن همومهم وأحزانهم وأفراحهم وابتهاجهم.

وقد عرف العرب في منطقة الخليج والجزيرة العربية الأهازيج، مثلهم مثل بقية شعوب الأرض، وقد تنوعت الأهازيج الشعبية ومثلت جميع الحالات الإنسانية بكل تنوعاتها وتقلباتها؛ فقد عبر الإنسان في الخليج والجزيرة العربية عن مشاعر الحب والفرح والغضب والحزن والسعادة والشكوى، بالأهازيج التي ينظمها ويرددها في المناسبات المختلفة، وظلت تتناقلها الأجيال بعد ذلك وتضيف إليها من تجاربها وخبرتها ما يغذيها ويدعمها.

الأهازيج فن شعبي قديم قدم الإنسان العربي، يعبر عن مشاعر الناس من أفراح وأحزان، وهو سجل لعاداتهم وتقاليدهم

وفي محاولة لرصد ملامح هذا الفن العريق يأتي كتاب الباحث الإماراتي عبدالحكيم الزبيدي “الأهازيج الشعبية في الخليج والجزيرة العربية”، حيث يسعى إلى تسليط الضوء على فن الأهازيج وإلى التعرف عن قُرب على اهتمامات الإنسان العربي في هذه البُقعة الجغرافية من الوطن العربي الكبير، وللتدليل من خلالها على تجانس وتشابه هذه الموروثات الشعبية، مما يؤكد التلاحم ووشائج القربى بين أبناء هذه المنطقة المهمة في الخارطة السياسية.

ويؤكد الزبيدي في كتابه، الصادر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام، على أن  العرب في هذه المنطقة عرفوا الأهازيج، مثلهم مثل بقية شعوب الأرض ويتناول الأهازيج بالتعريف والشرح الدقيق لنشأتها وأنواعها.

قسم المؤلف الكتاب إلى تمهيد وفصلين وخاتمة؛ خصص التمهيد لشرح مصطلح الأهازيج، وبين أصلها اللغوي، كما استعرض تاريخ الأهزوجة في التراث العربي وأسماءها المختلفة، مع التمثيل للأشكال الشعرية التي عرفها العرب والتي يمكن أن تندرج تحت ما يُعرف اليوم بالأهازيج.

ويبيّن الزبيدي أن الأهزوجة هي نشيد شعبي في لغة العامة من الناس ينشده القرويون في مناسبات كثيرة ومتنوعة، مثل الحروب، وعند الوفاة، والاستعراض (العراضة) والأعراس، والاستقبال والتوديع.

صورة متكاملة وإن كانت مختصرة عن هذا الفن الشعبي الأصيل
صورة متكاملة وإن كانت مختصرة عن هذا الفن الشعبي الأصيل

ولعل الأهزوجة مأخوذة من “الهزج” وهو، كما يعرفه الفيروز أبادي في القاموس المحيط من مادة “(هـ – ز- ج) والهزجُ، محركة: من الأغاني وفيه ترنم. وقد هزج كفرح: إذا تغنى”.

وتناول الزبيدي في الفصل الأول من الكتاب الذي يقع في 140 صفحة، الأنماط الشعرية التي استُخدمت في الأهازيج الشعبية ومثل لها ببعض النماذج. وفي الفصل الثاني عرض

لأنواع الأهازيج الشعبية وقسمها إلى قسمين: الأهازيج البحرية، والأهازيج البرية ؛ ثم شرح سمات كل نوع ممثلا لذلك ببعض النماذج.

ويضيف الباحث إلى التعريف اللغوي السابق أن الهزج فن قديم عرفه العرب منذ الجاهلية ولكنهم أطلقوا عليه مسميات مختلفة. فمن ذلك ما يعرف بترقيص الأطفال، ومنه الرجز الذي كانوا يتناشدونه في الحروب، ومنه الحُداء الذي كانوا يحثون به الإبل على السير.

وفي منطقة الخليج والجزيرة العربية تطلق على الهزج مسميات مختلفة، حسب نوعها والغرض الذي تُنشد فيه. فأهازيج البحارة تُعرف بـ“النَّهمة” بفتح وتشديد النون وإسكان الهاء، وتعني الطرب البحري، ويسمى المطرب البحري: النهام والجمع النهامة، بتشديد النون والهاء. وفي اللغة النهام هو الأسد بصوته، والناهم الصارخ. والظاهر من معنى النهمة أنه “الحداء”. وهناك أهازيج أخرى مثل العرضة والرزفة والشلة وغيرها.

 ومن الأهازيج الشعبية المعروفة باليمن ما يُعرف بـ“الزامل” وجمعها “زوامل”. وكلمة زامل هي مرادف لكلمة أهزوجة والزوامل هي الأهازيج. قال الزمخشري “زملت القوسُ، ولها أزْملٌ: صوتٌ. والسقاة يزْملون، ولهم زملٌ وهو الرجز، وتزاملوا: تراجزوا”.

وقد عرف العرب الأهازيج منذ الجاهلية، ورددوها في مناسبات مختلفة، وإن لم يطلقوا عليها هذا الاسم. ومن الأشعار التي كان العرب ينظمونها ويمكن أن تندرج تحت ما يعرف اليوم بالأهازيج الشعبية تلك الأشعار التي كان الآباء والأمهات يرددونها عند ترقيص أبنائهم، وتلك التي كان الرجال يرتجزونها في الحروب وأثناء ممارسة الأعمال، والحُداء الذي كانوا يغنونه للإبل لتسرع في المسير. وهو ما يعرض له الزبيدي بشيء من التفصيل في الكتاب.

الأهزوجة هي نشيد شعبي في لغة العامة من الناس ينشده القرويون في مناسبات كثيرة ومتنوعة، مثل الحروب، وعند الوفاة، والاستعراض (العراضة) والأعراس، والاستقبال والتوديع

 ثم لخص في الخاتمة نتائج البحث، حيث تبين له من خلال هذا البحث أن الأهازيج فن شعبي قديم قدم الإنسان العربي، وأنه سجل حافل لتاريخ الأمة يعبر عن مشاعرها من أفراح وأحزان، وهو سجل لعاداتها وتقاليدها ودينها. وهو مصدر غني لدراسة الحياة الاجتماعية للإنسان العربي في منطقة الخليج والجزيرة العربية.

ويأمل الباحث أن يكون قد وفق في تقديم صورة متكاملة، وإن كانت مختصرة، عن هذا الفن الشعبي الأصيل، فن الأهازيج الشعبية، وأن يكون قد أصاب في استنتاجاته واستدلالاته، وأنه قد قدَّم خدمة لتراث والثقافة الخليجيين. وأتبع ذلك بثبيت للمراجع والمصادر.

يُذكر أن عبدالحكيم الزبيدي يحمل شهادة الدكتوراه في الإدارة من جامعة أبردين بالمملكة المتحدة، حصل على جوائز، منها: جائزة راشد بن حميد النعيمي للثقافة والعلوم (1995)، وجائزة سلطان بن زايد لأفضل بحث أدبي (2011)، وجائزة الشارقة للتأليف المسرحي (2013) من مؤلفاته “اعترافات متأخرة” (شعر)، و“التناص في الشعر المعاصر في الإمارات” (دراسة)، “النكوص الإبداعي في أدب علي أحمد باكثير” (دراسة).

13