الأنثوية السينمائية المنسية تقود وتنافس وتتفوّق

الخروج على النمطية السائدة هو علامة أخرى في تجسيد صورة الأنثى في الدراما السينمائية، وهو ليس إنصافا للمرأة في حد ذاته واستجابة لدعوات المساواة، بل إنه شكل فيلمي ونمط إنتاجي أملته التطورات التي طرأت على عمليات الإنتاج السينمائي التجاري في حد ذاتها.
فالأمر يتعدى الاستجابات الآنية والمتسرعة إلى ما هو أبعد من ذلك بحسب ما تتطلبه الماكنة الإنتاجية الهائلة لصناعة الترفيه، والتي مر عليها زمن ظلت فيه الأنثوية السينمائية مهما كانت أهميتها ضمن الهامش، وحتى في البواكير الأولى التي شهدت ظهور العديد من القدرات في مجالات التمثيل والإخارج وغيرها من مفاصل الإنتاج السينمائي.
وفي هذا الصدد يمكن النظر جديّا إلى العديد من الدراسات والقراءات النقدية للظاهرة الأنثوية – السينمائية، ومنها مثلا دراسة الباحثة سيسيل ستار التي حملت عنوان “النساء غير المرئيات: كيف محا تاريخ السينما أسماء المخرجات السينمائيات”، وهي شهادة بالغة الأهمية على عقلية سينمائية قاربت الأنثوية بطريقة متحيّزة وأفضت إلى نوع من التناسي الجائر.
والقصة من وجهة نظر هذه الناقدة تتعدى مسألة إسناد الأدوار مثلا أو تحمّل المسؤوليات، بل تذهب بعيدا في التجاهل ومنها مثلا ما وقع مع المخرجة والمنتجة دوروثي أرزنر التي تم تجاهل منجزها سواء من خلال المقالات النقدية أو الأعمال التوثيقية للأفلام المنتجة في حقبتي الثلاثينات والأربعينات على سبيل المثال، وإن ذكرت فإنها تذكر في صيغة هامش المقال أو التوثيق أو العمل الأرشيفي أو بين قوسين، كانت مخرجة أو منتجة.
وظلت صيغة الهامش وبين قوسين تلاحق السينمائيات زمنا طويلا وكانت هنالك العديد من الذرائع التي كانت تدفع باتجاه هذا النوع من التعامل مع سينما المرأة.
مؤرخ وكاتب سيناريو مرموق مثل باسيل رايت في كتابه “نظرة طويلة” الصادر في العام 1974 مثلا يتناسى كثيرا من الأسماء النسائية وخاصة في مجال الإخراج ولا يشير إلى منجزهن، وتذكر الباحثة سيسيل ستار أن رايت تعرض إلى تساؤلات من هذا النوع ولماذا تم تجاهل قائمة من المخرجات والمنتجات والمساعدات في الإنتاج وغير ذلك وكان من المستغرب أن إجابته لم تتعدّ قوله “حقّا لا أدري كيف حصل ذلك”.
ومثال آخر لا يقل أهمية عن مثال المخرجة دوروثي أرزنر والمتعلق بالمخرجة ماري ايبشتين والتي كانت قد شاركت المخرج الفرنسي جان بينوا ليفي في كتابة سيناريو وإخراج العديد من الأفلام ومنها فيلم “الحاضنة” الذي نال شهرة جيدة في حينه، لكن الملاحظ على سبيل المثال أن كتابا مهما مثل “فن الصور المتحركة” الذي يعد كتابا موسوعيا شاملا لم يشر إلى ماري ايبتشين إلا في الهامش، وفي إشارة إلى مقولة المخرج جان بينوا ليفي أن ايبشتين هي شريكته في إبداع العديد من الأفلام سواء في مجال السيناريو أو الإخراج، وأنه لا ينسى مكانتها ودورها بينما تم تجاهلها نقديا وفي الكتب الأرشيفية.
وينطبق الأمر كذلك على جين بلاشيه وهي مخرجة وممثلة فرنسية وربما تكون هي مثال مكمل لتلك السلسلة التي تحدثت عنها سيسيل ستار باستفاضة.
هذه الأمثلة وغيرها المزيد تكشف عن تلك الأنثوية السينمائية التي كانت منسية أو في الواقع يتم تناسيها مع أنها كانت تقود وتتنافس وتتفوق، وفي ذلك إشكالية تتعلق بجوانب متعددة مركبة، إذ من السهل اتهام الآخر بتكريس نوع من الذكورية السينمائية والاستهانة بالمرأة وهي تتواجد في مفاصل مهمة من مفاصل العمل السينمائي، وربما يكون ذلك لأسباب تتعلق بهامش المنافسة، وفي كل الأحوال يبدو أن هنالك تعمدا واضحا في ذلك النوع من التجاهل مع أن المرأة السينمائية تبدع وتتفوق وتنجح ومع ذلك يجري تناسيها بشكل متعمّد.