"الأميركيون الآخرون" أسئلة جريئة عن الهجرة والهوية والانتماء

لم يسبق لكاتب مغربي أن نال حظوة على الساحة الأدبية الأميركية كما هو الحال بالنسبة إلى الروائية ليلى العلمي التي ظلت وفية لاختيار تسليط الضوء على شخوص مغربية من الهامش، مما مكنها من الظفر بالعديد من الجوائز والترشح لجوائز عالمية مرموقة، حيث تقدم في جل أعمالها على غرار روايتها الأخيرة “الأميركيون الآخرون” نظرة مختلفة لواقع الهجرة والانتماء والمشاعر الإنسانية المتناقضة.
الرباط- قدمت الكاتبة المغربية الأميركية ليلى العلمي مساء الاثنين بالرباط روايتها “الأميركيون الآخرون”، وهي عمل يسترجع المصير المرير لعائلة من أصل مغربي تعيش في الولايات المتحدة بحثا عن الحلم الأميركي.
هذه الرواية، التي ترجمت إلى الفرنسية من قبل “منشورات بوركوا” ثم أعيد إصدارها ونشرها من طرف دار النشر (الفنك) في عام 2020، تم تقديمها في لقاء أدبي نظمته مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بحضور مؤلفة هذا العمل الأدبي.
مسرح متوتر
تروي “الأميركيون الآخرون” قصة عائلة من أصل مغربي تعيش في كاليفورنيا مفجوعة بوفاة رب الأسرة إدريس الغراوي، بعد أن دهسته سيارة بوحشية ولاذت بالفرار، وتؤدي هذه المأساة إلى فتح تحقيق من طرف الشرطة مما يفتح الطريق أمام أسئلة حول مواضيع مثل الهجرة والهوية والانتماء.

رواية تفكر في البعد الشخصي والبعد السياسي وتقوم بدمج الاثنين في حوار
وتنطلق أحداث الرواية مباشرة بعد وفاة رب العائلة المغربية إدريس إثر حادث سير تعرّض له في ساعة متأخّرة من الليل، بينما كان عائدا من عمله في مطعمه.
وفي البداية، يظنّ الجميع، والقارئ معهم، بأنه لا شهود عيان على هذا الحادث، قبل أن يتبين لاحقا أن ثمة شاهدا واحدا، هو إيفرين، الذي يمتنع عن الإدلاء بشهادته، ويقاوم الضغوط التي تمارسها زوجته عليه للقيام بواجبه، لسبب بسيط؛ الخوف من طرده من الولايات المتحدة، حيث يقيم بطريقة غير شرعية.
بطلة الرواية، نورا، هي ابنة إدريس، ومع أنها كانت على خلاف مع والديها؛ بسبب عدم رضوخها لما كانا ينتظرانه منها، وتكريس وقتها لشغفها بموسيقى الجاز، إلا أنها تقرر حل اللغز الذي يحيط بمقتل والدها، وأثناء اضطلاعها بهذه المهمة، تقع في غرام واحد من أصدقاء طفولتها للتتشابك الأحدث والقصص في رحلة البحث عن الحقيقة.
وفي مداخلة لها خلال اللقاء، أعربت العلمي عن سعادتها بتقديم هذه الرواية التي تعطي “نظرة شاملة للمجتمع الأميركي”، مع “ربطها بحياة مغاربة المهجر”. وقالت إن “الصفحة الأولى من هذا الكتاب تطرح مسألة ما إذا كانت هذه الوفاة نتيجة حادث أو جريمة قتل”، موضحة تفاصيل المراحل الرئيسية في كتابة هذا العمل الذي بدأ في عام 2014 ورأى النور في الولايات المتحدة في عام 2019.
وأضافت أن “الأميركيون الآخرون” تفكر في البعد الشخصي والبعد السياسي وتقوم بدمج الاثنين في حوار، مشيرة إلى مختلف أبطال الرواية الذين يتناوبون على الحديث لحكي قصصهم. وتتحد هذه الأصوات وتتناقض مع بعضها البعض لتروي تفاصيل حياتها اليومية في الولايات المتحدة الحالية، وتجعل مدينة كاليفورنيا، حيث تجري الأحداث، مسرحا لتوترات هويتها الأكثر دفنا. وأشارت العلمي إلى أنه “في كل إبداع يوجد جزء من المؤلف وجزء من الخيال”، وهو ما يعكس الإلهام في روايتها.
وتشدد الروائية على أن المغاربة الذين تتحدث عنهم في كتاباتها هم أشخاص عبروا الحدود وقصصهم غير موثقة بما فيه الكفاية، ولم يرد ذكرهم في سجلات التاريخ إلا في ما ندر، أو لم يتم ربطهم على نحو جيد بسياقاتهم، لافتة إلى أنها تكتب عن المهمشين والأجانب والمهاجرين والأشخاص الذين غادروا بلادهم. وإلى أن قصص هؤلاء الناس هي التي تريد أن ترويها، مردفة “لقد سئلت بالفعل عما إذا كنت سأكتب عن شخصيات أخرى وكان جوابي بالنفي لأنني، على الأقل في المجال الروائي، أود أن أروي قصص شخصيات مغربية. إنه خياري في الكتابة”.
ويبدو أن هذا الاختيار كان موفقا إلى حد بعيد، حيث كتبت مجلة “تايم” عن رواية “الأميركيون الآخرون” أنها ترسم “صورة قوية للعرق والهجرة في الولايات المتحدة”، مبرزة أن العلمي “تتمتع بموهبة كبيرة في سرد حيوات شخوصها”.
تجربة الهجرة
سلطت الناشرة ليلى الشاوني مديرة دار الفنك، التي أدارت اللقاء، الضوء على خصوصية الرواية التي تتحدى وتعالج بطريقة مختلفة مسألة الهجرة، من خلال تبادل وجهات النظر والمشاعر والشهادات والآراء.
وأوضحت أنها رواية مثيرة للاهتمام من وجهة نظر أدبية لأنها تستكشف عالم عائلة اختارت الاستقرار في الولايات المتحدة وتقدم رؤية متعددة الأصوات للمجتمع الأميركي. وأبرزت فتيحة أملوك الملكفة بقطب الفن والثقافة والاتصال بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، الهوية الأدبية للعلمي، الكاتبة التي تميزت بتجربة الهجرة.
وقالت في تصريح لها إن رواق “ضفاف” المخصص للمبدعين المغاربة والأجانب يستضيف اليوم لقاء أدبيا مع ليلى العلمي حول روايتها “الأميركيون الآخرون”، مبرزة أن هذه الكاتبة “تتميز بتجربتها كمهاجرة وهو ما يظهر جليا في رواياتها الأخرى”. وتميز هذا اللقاء الأدبي بجلسة أسئلة وأجوبة حول الرواية تلتها جلسة توقيع الكتاب.
أبطال الرواية يتناوبون على حكي قصصهم بينما تتحد أصواتهم وتتناقض لتروي تفاصيل الحياة اليومية في الولايات المتحدة الحالية
ويذكر أن ليلى العلمي ولدت سنة 1968 في حي المحيط بالرباط، ودرست في مدرسة سانت مارغريت ماري، ثم في ثانوية دار السلام. وفي سنة 1991 حصلت على شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي بميزة مشرفة، خولت لها الحصول على منحة للدراسة في إنجلترا، حيث حصلت على شهادة التبريز في لسانيات اللغة الإنجليزية.
وبدأت الروائية المغربية الكتابة باللغة الإنجليزية فعليا سنة 1996، حينما باشرت كتابة مقالات أدبية وسياسية وقصص لاقت تنويها وجوائز مهمة. ومن أعمالها مجموعة قصصية بعنوان “الأمل وأبحاث خطرة أخرى”، نشرت سنة 2005 وتمت ترجمتها إلى ست لغات، ورواية “طفل سري” (2009)، التي رشحت للفوز بجائزة اورانج ثم رواية “مارواه المغربي” 2015.
واختيرت العلمي للتنافس ضمن القائمة النهائية للجائزة الوطنية الأميركية للكتاب برسم سنة 2019 عن روايتها «الأميركيون الآخرون» التي يمثل اختيارها في قائمة مصغرة منتقاة من بين 397 عملا روائيا تتويجا في حد ذاته.