الأموال المتداولة خارج الأطر القانونية هاجس يقلق السلطة الجزائرية

وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إنذارا أخيرا لأصحاب الأموال المخزنة خارج الأطر القانونية، قبل اتخاذ إجراءات ردعية بشأنهم، ويعكس هذا التحذير حجم القلق الذي تثيره تلك الأموال ليس فقط لتأثيرها الاقتصادي بل وأيضا لوجود مخاوف من استثمارها ضد السلطة السياسية القائمة.
الجزائر - تشكل الأموال الموجودة خارج القنوات الرسمية والبنكية مصدر قلق للسلطة الجزائرية، في ظل مخاوف من إمكانية توظيفها في إدارة ثورة مضادة من قبل رافضي التغيير السياسي في البلاد، خاصة وأن ثروات ضخمة مملوكة من طرف رموز المرحلة السابقة مازالت خارج المنظومة الرسمية.
وكشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن توصل المصالح المختصة إلى اكتشاف ثروة نقدية تعادل نحو 35 مليار دولار لدى عائلة واحدة فقط، وذلك خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة عقد لقاء الحكومة والولاة (المحافظون) في الجزائر العاصمة، الأمر الذي يترجم حجم السيولة المالية الناشطة خارج الأطر البنكية.
ووجه الرئيس تبون إنذارا أخيرا لملاك الثروات النقدية، من أجل إيداعها في البنوك والمصارف، مما يوحي بفرضية اتخاذ إجراءات ردعية ضد هؤلاء، قياسا بما تسببه هذه الثروات من اختلالات في المنظومة المالية والاقتصادية للبلاد.
وقال تبون "أوجه آخر نداء للذين قاموا بتكديس الأموال في البيوت لإيداعها في البنوك. الدولة قدمت ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني، وهناك بنوك تتعامل بالصيرفة الإسلامية"، في إشارة إلى الذين يتذرعون بالمعاملات الربوية في البنوك الكلاسيكية.
◙ الرئيس الجزائري يكشف عن توصل المصالح المختصة إلى اكتشاف ثروة نقدية تعادل 35 مليار دولار لدى عائلة واحدة
ولا توجد أرقام رسمية بشأن السيولة المالية الموازية، حيث تتراوح المعلومات المتداولة بين 60 و90 مليار دولار، وقد شرعت الحكومات المتعاقبة في الجزائر منذ عام 2014 في مغازلة ملاك تلك الثروات لإدخالها في القنوات الرسمية للدولة، غير أن العملية لم تحقق الأهداف المنشودة لأسباب متعددة.
واتخذت المسألة أبعادا سياسية بعد سقوط نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في مايو 2019 تحت ضغط احتجاجات الحراك الشعبي؛ حيث كشفت تحقيقات عديدة عن امتلاك رموز المرحلة السابقة، من مسؤولين كبار ورجال أعمال وضباط كبار، ثروات ضخمة مكدسة خارج المسالك القانونية.
وكانت الصفقة التي كُشفت خيوطها في عام 2020 بين رجل الأعمال المسجون علي حداد ومكتب أميركي مقرب من الرئيس السابق دونالد ترامب لتسويق صورة إيجابية له وتخليصه من السجن، والتي قدرت بعشرة ملايين دولار، قد فتحت الباب أمام مخاوف لدى السلطة القائمة من إمكانية توظيف الأموال الموازية لما تصفه بـ"العصابة" في قيادة ثورة ضدها.
وكشفت المصالح المختصة خلال الأسابيع الأخيرة عن كتلة نقدية تعادل 100 مليون دولار، لدى رجل أعمال ينحدر من مدينة سطيف، ومحسوب على المنظومة السياسية السابقة، لينضاف بذلك إلى لائحة واسعة من رجال المال والأعمال الذين اكتنزوا ثروات ضخمة على حساب الاقتصاد المحلي، بسبب مصادرها المشبوهة.
وكان الرئيس الجزائري قد كشف في آخر تصريح لوسائل إعلام محلية، أن الحكومة استعادت ما يعادل العشرين مليار دولار، في إطار الحرب المفتوحة على الفساد، واستعادت ما تقول إنه “أموال الشعب”، فيما لا يزال الغموض يكتنف مصير الأموال التي هرّبت إلى الخارج، بسبب غياب البيانات الدقيقة والوجهة ومسارات استرجاعها، ولو أن الرجل الأول في الدولة أبدى تفاؤلا بشأنها، قياسا بما أسماه “جهود الحكومة الدبلوماسية والقانونية، ونوايا التعاون التي أبدتها عدة حكومات".
ووجه القضاء الجزائري أمرا لعائلة رجل الأعمال المسجون محي الدين طحكوت، بدفع مبلغ يقدر بنحو مليار دولار، مقابل مغادرة الرجل للسجن عند استنفاذ العقوبة، وهو الأمر الذي ينسحب على عدة رجال أعمال مسجونين، كما هو الشأن بالنسبة إلى رضا كونيناف وأحمد معزوز ومحمد بايري وغيرهم، الذين كانوا يمثلون الذراع المالية والاقتصادية لنظام الرئيس الراحل بوتفليقة.
واستغل الرئيس تبون فرصة انعقاد لقاء الحكومة والولاة لتقديم حصيلة العمل المنجز والآفاق المرسومة، في إطار خطة "المتابعة الحثيثة لتنفيذ الالتزامات وللقضاء على الممارسات البيروقراطية والطفيلية"، حيث تم في ظرف ثلاثة أشهر رفع القيد عن عدد من المؤسسات الاقتصادية، ما بين 600 أو 700 وِحدة مجهرية وصغيرة ومتوسطة وكبيرة، سمحت بخلق 52 ألف منصب شغل.
◙ الرئيس الجزائري اكتفى بتوجيه رسائل سياسية مبطنة إلى نخب فرنسية غير مرتاحة للتقارب بين باريس والجزائر
وحض الرئيس الجزائري ولاة الجمهورية على عدم انتظار تعليمات السلطة المركزية "واتخاذ المبادرة، ومن حقكم توقيف المتقاعسين وغير الأكفاء من المسؤولين التنفيذيين المحليين"، ووضع "خدمة المواطن والإنصات إليه" مقياسا وحيدا لتقييم أدائهم.
ولفت تبون إلى أن بلاده "قلصت الاستيراد دون أن يشعر المواطن بالتقشف، والحكمة ليست في احتياطي الصرف بل في التحكم بالاقتصاد، وأن الموارد المالية للدولة تمت تقويتها بالإنتاج والتصدير والحكمة في الاستيراد".
وأضاف "احتياطي الصرف فاق الـ60 مليار دولار وصادراتنا خارج المحروقات في حدود 7 مليارات دولار لأول مرة في تاريخ الجمهورية، وأن التضخم بلغ 9 في المئة وهي غير مقبولة رغم أن هذه النسبة هي برقمين في دول أخرى، كما أن نسبة النمو بلغت 4 في المئة وسنعمل على تعزيزات اقتصادية في 2023 التي ستكون سنة سرعة الإنجاز وتقوية المكاسب".
واكتفى الرئيس الجزائري بتوجيه رسائل سياسية مقتضبة ومبطنة إلى نخب فرنسية غير مرتاحة للتقارب بين باريس والجزائر، والتي أثارها الدبلوماسي والسفير السابق لدى الجزائر كزافييه دريانكور، في مقال مثير صدر مؤخرا في صحيفة لوفيغارو بعنوان "الجزائر تنهار.. فهل تجر معها فرنسا"، والذي رد عليه تبون بالقول "الدولة الجزائرية لن تنهار رغم عواء الذئاب الذين يتمنون ذلك".