الأموال الساخنة تهرب من تحولات الأسواق الأميركية

لندن – تقلب الحرب التجارية العالمية التاريخية، وخطة مالية أوروبية مقترحة بقيمة 1.2 تريليون دولار، وظهور الصين كزعيمة لسباق التكنولوجيا، تدفقات الأموال العالمية، وتمثل نقطة تحول محتملة لرأس المال المستثمر بعيدا عن الولايات المتحدة.
وأطلقت الصين المزيد من التحفيز الأربعاء ووعدت ببذل جهود أكبر لتخفيف تأثير الحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة. وقبل ساعات، وافقت الحكومة الألمانية المقبلة على أكبر إصلاح للسياسة المالية منذ إعادة توحيد البلاد.
وردا على ذلك، انهارت السندات الألمانية في أكبر موجة بيع دراماتيكية منذ عقود، إذ ارتفعت عائدات 30 عاما بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الأربعاء، مع دخول موجة البيع يومها الثاني يوم الخميس.
وفي غضون ذلك، تشير البيانات الاقتصادية الأميركية إلى ضعف، والحرب التجارية التي أطلقتها التعريفات الجمركية الأميركية التي بدأت هذا الأسبوع تضر بالمعنويات داخل وخارج أكبر اقتصاد في العالم.
وخلال معظم السنوات الثلاث الماضية، راهن المستثمرون على “استثنائية الولايات المتحدة”، مع تقدم البلاد على غيرها في النمو الاقتصادي وأسعار الأسهم والذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى.
وقال تيم غراف، رئيس إستراتيجية الاقتصاد الكلي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في ستيت ستريت غلوبال ماركتس، “يرى العالم الآن أن نموذج الولايات المتحدة يتغير.” وأضاف لرويترز “نحن بحاجة إلى التكيف مع ذلك، لم تعد الولايات المتحدة موثوقة كشريك تجاري، علينا أن نعتني باحتياجاتنا الخاصة في مجال الدفاع”.
وأدى التغيير في المشاعر إلى تباعد نادر في أسواق الأسهم العالمية. وفي حين انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم بنسبة 1.8 في المئة هذا العام، ارتفعت الأسهم الأوروبية بنحو 9 في المئة عند مستوى قياسي مرتفع، وارتفعت أسهم التكنولوجيا في هونغ كونغ بنحو 30 في المئة.
وارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر فوق 1.07 دولار، وسارع عدد من البنوك إلى التخلي عن دعواتها الأخيرة لخفض سعر صرفه إلى مستوى التكافؤ مقابل الدولار.
وخفض المستثمرون رهاناتهم الصعودية على الدولار إلى النصف إلى حوالي 16 مليار دولار منذ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير الماضي، استنادا إلى البيانات الأسبوعية من لجنة تداول السلع الآجلة.
وقال داريو بيركنز، المدير الإداري للاقتصاد الكلي العالمي في شركة الاستشارات تي.أس لومبارد، “ارجع إلى ديسمبر، كان هناك إجماع ساحق حول استثنائية الولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة المكان الوحيد للاستثمار.”
وأضاف “ما حدث بالفعل هنا هو أن هذا التهديد بالرسوم الجمركية وعدوانية ترامب يجبران الدول الأخرى على إنفاق المزيد.”
وفي أول 44 يوما له في منصبه، مزق ترامب كتاب العلاقات الخارجية المعمول به منذ 1945، وأطلق حربا تجارية عالمية بفرض رسوم جمركية على أكبر شركاء بلاده التجاريين وأجبر القادة الأوروبيين على إعادة التفكير بشكل جذري في كيفية تمويل أمنهم. وتتسبب الرسوم وعدم اليقين التجاري في فقدان الاقتصاد الأميركي لزخمه، وبدأت الشركات الأكثر عرضة للنمو الأبطأ في إظهار الشقوق.
فقد مؤشر البنوك الأميركية 8 في المئة في الشهر الماضي، في حين قفز نظيره الأوروبي بنسبة 15 في المئة، حيث ضخ المستثمرون الأموال في أوروبا لتنويع استثماراتهم بعيدا عن السوق الأميركية.
ومع استعداد أوروبا والصين للإنفاق الكبير، يبدو الدولار أقل جاذبية. وقال مارك داودينج، كبير مسؤولي الاستثمار في فريق الدخل الثابت بلو باي التابع لشركة آر.بي.سي، “كنا نحتفظ بالدولار مقابل اليورو لفترة طويلة وأغلقنا هذا الموقف منذ أكثر من أسبوع.” وأضاف “لقد فقد الزخم.. لقد أدى سلوك ترامب إلى تقليص جاذبية الأصول الأميركية بشكل عام.”
وبعد أن تخلص المستثمرون من الأصول الصينية العام الماضي، مع تباطؤ الاقتصاد وإغلاق المستهلكين الأثرياء لمحافظهم، اتخذت الحكومة عدة خطوات لتشجيع الإنفاق المحلي.
اليورو ارتفع إلى أعلى مستوى في أربعة أشهر فوق 1.07 دولار، وسارع عدد من البنوك إلى التخلي عن دعواتها لخفض سعر صرفه إلى مستوى التكافؤ مقابل الدولار
لكن كثيرين ما زالوا ينظرون إلى الصين باعتبارها غير صالحة للاستثمار في غياب خطة تحفيز ضخمة مع استمرار الضغوط الناجمة عن فقاعة العقارات التي انفجرت، مما أثر على الشركات وأصحاب المساكن. وانعكست التدفقات الخارجة التي كانت شبه متواصلة من الصناديق التي تركز على الصين بعد فوز ترامب في الانتخابات في أوائل فبراير، حيث اجتذبت نحو 3 مليارات دولار منذ ذلك الحين، وفقا لبيانات ليبر.
وكانت أسهم التكنولوجيا العملاقة واحدة من عوامل الجذب الرئيسية لسوق الأسهم الأميركية. وباتت شركة إنفيديا على وجه الخصوص نموذجا لثورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وواحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم. ولم يكن هناك دليل يذكر يشير إلى أي تحد جاد لهيمنة وول ستريت في سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي حتى أواخر يناير، عندما ظهر نموذج صيني منخفض التكلفة للذكاء الاصطناعي لم يكن معروفا من قبل على الساحة.
كما أن ظهور ديب سيك لم يحطم الافتراضات حول تكلفة وكفاءة السباق لبناء الذكاء الاصطناعي فحسب، بل وأيضا حول مدى القرب من الشركات الغربية التي كانت الصين متأخرة عنها حقا. وارتفعت أسهم التكنولوجيا المدرجة في هونغ كونغ بنسبة 24 في المئة منذ السابع والعشرين من يناير، بينما انخفضت سلة من أسهم التكنولوجيا العملاقة الأميركية بنسبة 12 في المئة.
وقال يانغ تينغوو، نائب المدير العام لشركة إدارة الأصول تونغ هينغ إنفستمنت، إن سوق الأسهم الصينية محصنة بالفعل ضد الرسوم الأميركية الأعلى حيث تدعم القوة المتنامية للبلاد الأصول المحلية.
وقال يانغ “إذا نظرت إلى تيك توك أو شياوهونغشو أو ديب سيك، فإن النفوذ التكنولوجي للصين يتوسع.”
وانتقل المستخدمون الأميركيون بسرعة إلى شياوهونغشو، وهي منصة وسائط اجتماعية صينية تُعرف باسم “ريد نوت” باللغة الإنجليزية، ردا على البيع الوشيك لعمليات تيك توك المنافسة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، بالنسبة للبعض، فإن الاقتصاد الأميركي المرن وأسعار الفائدة المرتفعة نسبيا سيجعلان الدولار يحتفظ بجاذبيته بمرور الوقت.
وقال نيت ثوفت، كبير مسؤولي الاستثمار في حلول الأصول المتعددة والأسهم العالمية في مانولايف إنفستمنت مانجمنت، “أعتقد أن هناك تحولا في اللعب.. فنحن ننظر إليه على أنه تحول تكتيكي مقابل تحول علماني كبير.”