الأمهات يواجهن صعوبة في توجيه أبنائهن وفق نوع وظائفهن

تجربة الأمومة تدفع النساء العاملات إلى أن يكن أكثر رحمة، فيما تخضع ضوابط العلاقة بالأبناء لطبيعة الوظيفة.
الاثنين 2020/01/13
الواقع يختلف عن النظري

تأمل الأمهات في مختلف دول العالم أن يكون أبناؤهن مثاليين وأن تكون سلوكاتهم منضبطة، ويخضع تحديد ضوابط علاقتهن بأطفالهن وتنشئتهم لتخصصهن الوظيفي في الكثير من الأحيان، فكيف تتعامل الطبيبة النفسية مع أطفالها؟ وهل تسمح الأم التي تعمل أخصائية تغذية مثلا بأن يتناول أبناؤها جميع الأغذية التي تمنعها عن مرضاها؟ وهل تحظر طبيبة الأسنان الحلوى على أبنائها.

لندن - تؤكد الكثير من الأمهات أن وظائفهن تؤثر بشكل أو بآخر على سلوكهن تجاه أبنائهن، وفي المقابل تساعد الأمومة النساء العاملات على أن يكن أفضل في عملهن.

وقالت سيلينا وارلو عالمة نفس الطفل “وظيفتي هي الأسوأ والأفضل بالنسبة إلى كوني أمًّا. فمن ناحية أنا محظوظة جدا لأن البحوث والنظريات المتعلقة بعلم نفس الأطفال في متناول يدي. ولكن، من ناحية أخرى، يضاعف ذلك قلقي تجاه أطفالي”.

وتابعت “عندما كان طفلي الأول صغيرا جدا، كنت أعتني بأطفال يعانون من اضطراب طيف التوحد، وعندما عدت إلى المنزل وشاهدت طفلي يتحرك بنشاط وحيوية، وجدت نفسي أفعل ما أنصح الزبائن بالقيام به: إنشاء يوميات وتصويرها وبناء قصة تطور الطفل. وفي الواقع، كان مجرد طفل عادي، ولكن لأن النظرية مسجلة في مخيلتي، فقد شرعت في تطبيقها”.

وكطبيب يمكنك تقديم جميع أنواع النصائح للمرضى، ولكن عليك أن تكون حريصا على القيام بذلك في إطار عملك، وعلى الفصل بين وظيفتك وأطفالك، وبذلك عليك أن تنسّق هذه النصائح في سياق الأسرة. وأفادت الخبيرة البريطانية بقولها “أتذكر جيدا عندما كنت أرضع طفلي الثاني طبيعيا وأستخدم بعض البسكويت للحفاظ على هدوء طفلي الآخر. هذه هي حقائق الأمومة”.

وأضافت “أسوأ ما أخشاه هو مقابلة أحد الزبائن في السوبر ماركت مع طفليَّ، من المؤكد أنهما سيتصرفان بحرية ولن أستطيع السيطرة عليهما”.

وصرحت شارلوت وايت، التي تترأس لجنة خدمات طب الأسنان المجتمعية التابعة للجمعية البريطانية لطب الأسنان في إنجلترا، بقولها “أنا أعمل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ يتم تحويلهم إليّ لأنهم قد يجدون صعوبة في رؤية طبيب أسنان بسبب القلق أو الإعاقة”.

وتضيف “جعلتني بنتاي اللتان في عمر التاسعة والحادية عشرة، طبيبة أسنان أفضل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتواصل، ليس فقط مع مرضاي، ولكن أيضًا مع آبائهم وأمهاتهم. في بعض الأحيان يكون الوالدان قلقين، وأستطيع أن أحدس علاقة واضحة بين قلقهما ومشاكل أطفالهما. جعلني ذلك واعية بإسقاط مخاوفي الخاصة على أطفالي”.

من الخطأ التظاهر بأنك خبير في أي جانب من جوانب حياتك، من المهم دائما أن تبقى منفتحا على كل المحيطين بك

وتابعت وايت “أشرف كل يوم على بنتيَّ أثناء تنظيف أسنانهما. أنا سعيدة لأنهما يتناولان الحلويات والأطعمة الحلوة، ولكن فقط في أوقات الوجبات، وجميع المشروبات الغازية محظورة. لا أحب أن تتناولا الأشياء الحامضة كثيرا، كما أن المصاصات وحبات الحلوى مروعة، لأن الإكثار من استهلاك السكر يمثل مشكلة حقيقية للأسنان”.

كما قالت “أنا مهووسة بالأطفال الذين يسقطون ويكسرون أسنانهم. وحين يسقط أحد أبنائي أكتفي بالقول ‘حسنا، كدمة صغيرة، أرني أسنانك!” أتحدث من منطلق تجربتي الخاصة؛ لقد سقطت وكسرت أسناني الأمامية عندما كان عمري 11 عاما. كان الأمر صادما وله تأثير في اختياري الوظيفي لأنه جعلني أدرك كم هو مهم أن يتلقى الأطفال رعاية جيدة لأسنانهم الحساسة”.

وتحدثت بيني سيرشبابي التي تدير خدمات طب الأطفال والبالغين في مؤسسة “نورث آست لندن فوندايشن”، عن تجربتها قائلة “كنت متأكدة دائما من أن الرضاعة الطبيعية هي الأفضل للطفل، لذلك كنت حريصة على ابنتي أليسا، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات الآن، وعلى إرضاعها طبيعيا، وهو ما فعلته لمدة ستة أشهر، لكنها عانت من الاصفرار، وفقدت 20 بالمئة من وزنها خلال أسبوعها الأول”. وأضافت “بعد ذلك كان الأمر مؤلما بالنسبة إلي، ولم تعجبني الرضاعة الطبيعية، حيث كانت بعيدة عن التجربة السحرية التي توقعتها. وأخيرا، توقفت عن العمل لمدة ثلاثة أشهر تقريبا؛ وفي هذه الأيام، أخبر المرضى بأهمية إرضاع أطفالهم طبيعيا لمدة ستة أشهر على الأقل، لكن الشيء الأكثر أهمية هو الاعتناء بأنفسهم”.

كما أفادت سيرشبابي بقولها “عندما كنت طفلة، لا يُسمح لنا بمغادرة المائدة قبل أن ننهي طعامنا؛ لكننا نعلم الآن أن هذا السلوك يمكن أن يجعل الأطفال يأكلون بصعوبة. ومع ذلك، في بعض الأحيان أقول أشياء صادمة لجعل أطفالي يشعرون بالذنب تجاه تناول الطعام مثل: هناك أطفال في العالم لا يحصلون على الطعام الذي تحصلون عليه!”.

وأوضحت قائلة “فيما يتعلق بالأطفال والطعام من الأنسب للغاية أن تترك قلقك يتولى زمام الأمور. فعلى سبيل المثال، أعرف أن الشيء الصحيح الذي يجب القيام به مع الطفل الذي لا يرغب في تناول الطعام هو تقديم وجبة له، ومنحه وقتا لتناولها، وعدم تقديم بديل إذا رفض تناولها. ولكن كانت هناك أوقات رفضت فيها ابنتي أليسا تناول الطعام وذهبت للبحث عن بدائل. الخطأ الآخر الذي ارتكبته إزاء أليسا هو محاولة تجنب الفوضى عندما تأكل؛ كنت أغطيها بالمنديل المخصص للأطفال وأمسح يديها بمجرد اتساخها بالطعام. لكن الأطفال بحاجة إلى اكتشاف الطعام والتمتع به”.

Thumbnail

ومن جانبها قالت لورا كامبل -تعمل في “ذو سبارك” التي توفر الإرشاد المدرسي في اسكتلندا- “مثل العديد من الأمهات، عادة ما أبدي تعليقات لطفليَّ،  لويس (9 أعوام) وكاري (5 أعوام)، لتحفيزهما على القيام ببعض المهام، وفي وقت لاحق، عندما وجدت نفسي مطالبة بتقديم المشورة، أدركت كم أجبرتهما على تحمل الأشياء التي كنت أكلفهما بها. وفي بعض الأحيان أعود إلى المنزل وأعتذر لهما”.

وأضافت “أخبرني صبي صغير بأنه خائف لأن والدته أخبرته بأنه سيُنقل إذا لم ينضبط، وأدركت أنني أخبرت ابني، وهو في سن مماثلة، بأنه إذا لم يتصرف بشكل جيد، فإن شخصا مخيفا سيأتي للبحث عنه، فمن السهل التقليل من تأثير ما تقوله على الطفل”.

وقالت المختصة موضحة “من السهل أيضا أن تقلق بشأن سلوك طفلك مقارنة بالآخرين فجميع الأمهات يتصرفن تصرفات متشابهة، لكنني أدركت أن الشيء الأهم هو أن تضع طفلك في المرتبة الأولى. لذلك عندما يجري الأطفال اختبارات في المدرسة، لا تسألوا ‘ماذا حدث معهم؟’ لأنكم تبثون فيهم الشعور بأن هناك أشياء مستحيلة متوقعة منهم، وهذا الأمر ضار جدا بالنسبة إليهم. وينتهي بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن أي شيء يفعلونه لن يكون جيدا على الإطلاق، ومن ثمة يترددون في القيام بتجربة أي شيء”.

وأفادت جود فيليب -من مؤسسي منظمة “غرو كومينيكايشن” غير الربحية- بقولها “لقد تغيرت طريقة عملي إلى حد كبير منذ أن أصبحت أمًّا، قبل إنجاب الأطفال، قدمت المشورة للكثير من الآباء والأمهات الذين أحضروا أطفالهم لرؤيتي، لكنني أدركت مدى صعوبة اتباعها عندما أصبحت أما”.

وتابعت “مات طفلي عيدان بعد فترة وجيزة من ولادته، مما ساعدني على أن أكون أكثر رحمة وإنسانية في عملي وفي وظيفتي كأم”. وبينت أن “من السهل جدا أن تتأثر بالأشخاص الذين يخبرونك بما يجب القيام به. أعتقد أنه من الخطأ التظاهر بأنك خبير في أي جانب من جوانب حياتك، من المهم دائمًا أن تبقى منفتحا على كل المحيطين بك. هذا ما استفدته من طفليَّ الآخرين والأشخاص الذين أعمل معهم”.

21