الأمهات هدف حملات تسويق جشعة لحليب الأطفال عبر الشبكات الاجتماعية

كشف تقرير جديد لمنظمة الصحة العالمية أن شركات الحليب الصناعي تستخدم تقنيات تسويق أكثر قوة ومكرا لزيادة مبيعاتها، ما أدى إلى زيادة مشتريات بدائل حليب الأمهات وثنيهن عن الرضاعة الطبيعية على النحو الذي توصي به المنظمة، كما كشف التقرير أن التسويق المضلل يعزز الخرافات حول الرضاعة الطبيعية.
مدريد – دقت المنظمات المتخصصة في مجال الصحة والأطفال في العالم جرس الإنذار بشأن ما تصنفه على أنه حيل تسويقية “مروعة وماكرة واستغلالية وعدوانية ومضللة ومنتشرة” حول حليب الأطفال بهدف وحيد هو زيادة أرباح مرتفعة بالفعل.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية في نهاية أبريل من هذا العام أن شركات الحليب الصناعي تدفع لمنصات التواصل الاجتماعي والمؤثرين للوصول المباشر إلى النساء الحوامل والأمهات في بعض أكثر اللحظات ضعفا في حياتهن.
وتستهدف صناعة الحليب الصناعي العالمية، التي تقدر قيمتها بحوالي 55 مليار دولار، الأمهات الجدد بمحتوى وسائط اجتماعية شخصي لا يمكن التعرف عليه غالبا على أنه إعلان.
وحدد تقرير منظمة الصحة العالمية الجديد بعنوان نطاق وتأثير استراتيجيات التسويق الرقمي للترويج لبدائل حليب الأم تقنيات التسويق الرقمي المصممة للتأثير على القرارات التي تتخذها الأسر الجديدة بشأن كيفية إطعام أطفالها.
شركات الحليب الصناعي تنشر المحتوى على وسائل التواصل حوالي 90 مرة في اليوم، لتصل إلى 229 مليون مستخدم
ويمكن أن تشتري شركات الحليب الصناعي المعلومات الشخصية أو تجمعها من خلال أدوات مثل التطبيقات ومجموعات الدعم الافتراضية والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي والعروض الترويجية والمسابقات والمنتديات أو الخدمات الاستشارية وإرسال عروض ترويجية مخصصة للنساء الحوامل والأمهات الجدد.
ويلخص التقرير نتائج البحث الجديد الذي حلل عينات جُمعت من 4 ملايين منشور على وسائل التواصل الاجتماعي حول تغذية الرضع نُشرت بين يناير ويونيو 2021 باستخدام منصة استماع اجتماعية تجارية. ووصلت هذه المنشورات إلى 2.47 مليار شخص وحققت أكثر من 12 مليون إعجاب أو مشاركة أو تعليق.
وتنشر شركات الحليب الصناعي المحتوى على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي حوالي 90 مرة في اليوم، لتصل إلى 229 مليون مستخدم، أي ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين تصلهم المنشورات الإعلامية حول الرضاعة الطبيعية من الحسابات غير التجارية.
ويؤدي هذا التسويق المنتشر إلى زيادة مشتريات بدائل حليب الأم وثني الأمهات عن الرضاعة الطبيعية على النحو الذي توصي به منظمة الصحة العالمية. وقال الدكتور فرانشيسكو برانكا مدير إدارة التغذية وسلامة الأغذية بمنظمة الصحة العالمية “كان ينبغي إنهاء الترويج لتركيبات الحليب التجارية منذ عقود”. ولا تغتفر حقيقة أن شركات الحليب الصناعي تستخدم الآن تقنيات تسويق أكثر قوة ومكرا لزيادة مبيعاتها، ويجب إيقافها.
وجمع التقرير أدلة من أبحاث الاستماع الاجتماعي حول الاتصالات العامة عبر الإنترنت وتقارير البلدان الفردية عن الأبحاث التي تراقب العروض الترويجية لبدائل حليب الأم، بالإضافة إلى الاعتماد على دراسة حديثة متعددة البلدان لتجارب الأمهات والمهنيين الصحيين في تسويق الحليب الصناعي.

وتظهر الدراسات كيف يعزز التسويق المضلل الخرافات حول الرضاعة الطبيعية وحليب الأم ويقوض ثقة المرأة في قدرتها على الرضاعة بنجاح. وينتهك انتشار التسويق الرقمي العالمي للحليب الصناعي بشكل صارخ “المدونة الدولية لتسويق بدائل لبن الأم”، التي اعتمدتها منظمة الصحة العالمية سنة 1981.
وكانت اتفاقية مصممة لحماية عامة الناس والأمهات من ممارسات التسويق الشرسة التي تمارسها صناعة أغذية الأطفال والتي تؤثر سلبا على ممارسات الرضاعة الطبيعية.
ورغم الأدلة الواضحة على أن الرضاعة الطبيعية المستمرة تساهم في تحسين الصحة مدى الحياة، فإن عددا قليلا جدا من الرضع يتمتعون بها على النحو الموصى به. وقد تستمر هذه النسبة في الانخفاض أكثر إذا استمرت استراتيجيات تسويق الحليب الصناعي الحالية، مما يعزز أرباح الشركات.
ودعت منظمة الصحة العالمية صناعة أغذية الأطفال إلى إنهاء التسويق الاستغلالي للحليب الصناعي، ودعت الحكومات إلى حماية الأطفال والأسر الجديدة من خلال سن القوانين لإنهاء جميع الإعلانات أو غيرها من وسائل الترويج لمنتجات الرضع ورصد إنفاذها.
دوائر صناعة مستحضرات تغذية الأطفال سعت للتقرب من عدد كبير من العاملين الصحّيين في جميع البلدان للتأثير على توصياتهم المقدمة إلى الأمهات الجدد
وكانت هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها منظمة الصحة العالمية منصة تراقب وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين نظرة دقيقة حول الممارسات التسويقية لمصنعي الحليب وموزعيه متعددي الجنسيات.
وتراقب المنصة وسائل التواصل الاجتماعي بحثا عن كلمات أو عبارات رئيسية محددة، ثم تجمعها وتنظمها وتحللها. وتستمع إلى المليارات من التبادلات والمحادثات اليومية بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم وعلى المنصات الرقمية الأخرى، مثل مواقع الويب والمنتديات.
وجمع هذا التحقيق التفاعلات الرقمية التي حدثت بين الأول من يناير والثلاثين من يونيو 2021، وأشار إلى تغذية الرضع عبر 11 لغة و17 دولة تمثل مجتمعة 61 في المئة من سكان العالم وتغطي جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية الستة.
وتتعرض الأمهات والنساء الحوامل على مستوى العالم للتسويق المكثف لحليب الأطفال، وفقا لتقرير أطلقته وكالتان تابعتان للأمم المتحدة في فبراير الماضي.
ويعتمد تقرير “كيف تؤثر ممارسات تسويق الحليب الصناعي على قراراتنا بشأن تغذية الرضع” الصادر عن منظّمة الصحّة العالميّة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) على مقابلات أجريت مع الآباء والأمهات والحوامل والعاملين الصحّيين في ثمانية بلدان، ويفضح استراتيجيات التسويق المنهجية وغير الأخلاقية التي يتبعها قطاع صناعة الحليب الصناعي للتأثير على قرارات الآباء والأمهات بشأن تغذية الرضّع.
وأفاد أكثر من نصف الآباء والأمهات والحوامل (51 في المئة) المشمولين بالمسح بأن شركات الحليب الصناعي استهدفتهم بممارسات تسويق تنتهك في معظمها المعايير الدولية المتعلّقة بممارسات تغذية الرضّع.
وتؤكد اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية أن صناعة الحليب الصناعي تستخدم استراتيجيات تسويق منهجية وغير أخلاقية للتأثير على قرارات الوالدين بشأن تغذية الرضع وممارسات استغلالية تعرض تغذية الطفل للخطر وتنتهك الالتزامات الدولية.

وقال تيدروس غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “يبيّن هذا التقرير بوضوح تام أن ممارسات تسويق مستحضرات الحليب الصناعي مازالت منتشرة ومضلّلة وشرسة بشكل غير مقبول، ولا بد من التعجيل باعتماد وإنفاذ لوائح بشأن مكافحة ممارسات التسويق الاستغلالية لحماية صحّة الأطفال”.
ووجد التقرير أن دوائر صناعة مستحضرات تغذية الأطفال سعت للتقرب من عدد كبير من العاملين الصحّيين في جميع البلدان للتأثير على توصياتهم المقدمة إلى الأمهات الجدد، وذلك من خلال الهدايا الترويجية والعينات المجانية وتمويل البحوث ودفع مصاريف الاجتماعات والفعاليات والمؤتمرات، ودفع عمولات على المبيعات، ممّا يؤثر على خيارات الآباء والأمهات بشأن تغذية أطفالهم.
هل يفاجئك هذا؟ لا ينبغي لأحد أن يجد هذا غريبا، الآن بعد الدفعة الشرسة لتحقيق المزيد من الأرباح وتجميع المزيد من الأموال مما يعوّض كل ما هو طبيعي.