الأملاك الدبلوماسية والمطلوبون يغذون الأزمة بين الجزائر وفرنسا

استمرار لعبة تصفية الحسابات يدفع إلى قطيعة نهائية بين البلدين.
الجمعة 2025/05/02
سجال سياسي بالأساس

الجزائر- اتخذت الأزمة المحتدمة بين الجزائر وفرنسا بعدا جديدا، في ظل توجه سلطات البلدين إلى المساس بالأملاك الدبلوماسية في العاصمتين، حيث تبادل الطرفان خطوات مستجدة في هذا الشأن، تتصل بمراجعة وضعية مبان وأملاك السفارتين، وذلك بالتوازي مع تأجيل القضاء الفرنسي النظر في قضية القيادي في حركة “ماك” الانفصالية أكسيل بلعباسي، المطلوب للقضاء الجزائري بتهم الإرهاب.

وأفادت معلومات متداولة في الجزائر بأن سلطات البلاد بصدد مراجعة المساحة التي تشغلها سفارة وإقامة السفير الفرنسي، عبر تقليص مساحتيهما من أربعة هكتارات إلى هكتار واحد بالنسبة إلى الأولى، ومن 14 هكتارا إلى هكتارين بالنسبة إلى الثانية، وذلك ردا على خطوات مشابهة قامت بها السلطات الفرنسية، حيث أغلقت مرآب سيارات كانت تستغله السفارة الجزائرية بباريس لركن سياراتها، وإلزامها بدفع نحو 12 ألف يورو سنويا مقابل منصة حراسة.

وتوقعت أن تلجأ السلطات الجزائرية إلى مراجعة سعر إيجار مقر البعثة الدبلوماسية الفرنسية وفق الأسعار المعمول بها، خاصة وأن المبنى يقع في أرقى أحياء العاصمة، الذي يفوق فيه سعر العقار السعر المتعارف عليه في بعض المدن والعواصم العالمية.

وتأتي هذه الخطوات المتبادلة لتزيد من حدة الاحتقان القائم بين البلدين، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما يجهض أي محاولة لاحتواء الأزمة أو القبول بوساطة رجح أن يبادر بها الاتحاد الأوروبي، أو إحدى البلدان الأوروبية التي تحتفظ بنفس المسافة والعلاقة مع الطرفين.

ومنذ أن تبادل البلدان طرد الدبلوماسيين المعتمدين في العاصمتين الجزائر وباريس، وقيام فرنسا بسحب سفيرها، دخلت علاقات الطرفين حالة من الجمود غير المسبوق، وجاء إدراج الأملاك الدبلوماسية وملف المطلوبين ضمن التوتر القائم ليزيد من حدة الاحتقان والذهاب إلى قطيعة نهائية.

وقررت محكمة الاستئناف بباريس، الخميس، تأجيل النظر في قضية طلب تسليم أكسيل بلعباسي القيادي البارز في حركة “ماك” الانفصالية، التي تدرجها الجزائر ضمن الكيانات الإرهابية منذ صائفة عام 2021، وهو ما اعتبرته دوائر جزائرية تمهيدا لرفض الطلب الجزائري، ما سيعيد مسألة اتفاقية تبادل المطلوبين بين البلدين إلى الواجهة، ويجعلها فتيلا مهما يذكي الأزمة المركبة القائمة بين البلدين.

ويتخذ أعضاء التنظيم المذكور، إلى جانب وجوه سياسية ونضالية معارضة، من فرنسا مقرا لهم، حيث يحظون بحرية الحركة والتعبير وحرية مناهضة النظام السياسي، ما جعل الجزائر ممتعضة دائما من تعامل السلطات الفرنسية معهم، كما حصل بعضهم على صفة اللاجئ السياسي، على غرار المدون أمير بوخرص (أمير دي زاد)، والإعلامي عبدالرحمن سمار (عبدو سمار).

◙ منذ أن تبادلت فرنسا والجزائر طرد الدبلوماسيين في عاصمتيهما، دخلت علاقات الطرفين حالة من الجمود غير المسبوق

وتشتبه السلطات الجزائرية في تورط الرجل الثاني في حركة “ماك” أكسيل بلعباسي في “الحرائق المهولة التي شهدتها منطقة القبائل في أوت 2021، والتي أسفرت عن مقتل نحو 90 شخصًا وخسائر مادية جسيمة، فضلا عن ضلوعه في التحريض على قتل الناشط جمال بن سماعيل، الذي قتل حرقا وطعنا بعد اتهامه بإشعال النيران.”

وتوجه النيابة العامة الجزائرية 14 تهمة جنائية لبلعباسي، وأصدر القضاء بحقه حكما غيابيا بالسجن المؤبد في الجزائر عام 2022، غير أن القضاء الفرنسي أجل النظر في الطلب الرسمي الجزائري لاستلامه مرتين، ودعم الملف بمستجدات ومذكرة توقيف دولية، لكن حالة التوتر بين البلدين زادت من تعطيل ملف المطلوبين.

وكانت محكمة فرنسية قد قررت عدم تسليم الوزير السابق في حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، للصناعة والمناجم عبدالسلام بوشوارب، بدعوى الطابع السياسي للملف، وللأخطار التي تهدد حياته ومعايير المحاكمة العادلة، لاسيما وأن الرجل صدرت بحقه أربعة أحكام بالسجن النافذ مجموعها 100 عام.

وذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية في فبراير الماضي أن “محكمة الاستئناف بباريس حددت الثاني من أبريل المقبل (المنقضي) موعدا لإصدار قرارها بشأن طلب الجزائر تسليم المعارض الجزائري أكسيل بلعباسي، وأن المعني البالغ من العمر 42 عاما يواجه تهما خطيرة في الجزائر يصل بعضها إلى حكم الإعدام.”

ووصفت وسائل إعلام فرنسية الملف بـ”المعقد”، مشيرة إلى أن “القضية تحمل أبعادا سياسية وقانونية،” ما يطرح تساؤلات حول مستقبل التعاون القضائي بين البلدين، كما يبرز حجم الخلاف الذي يثيره الملف بين البلدين، خاصة وأن هؤلاء الناشطين قد تحولوا إلى ورقة تلوح بها باريس للضغط على الجزائر.

وعلى صعيد آخر رفض القضاء الفرنسي أيضا طلب الإفراج المؤقت عن الموظف القنصلي الجزائري، المتواجد رهن الحبس المؤقت رفقة شخصين آخرين، منذ منتصف الشهر الماضي على ذمة التحقيق، بسبب ادعاءات حول محاولة الاختطاف، رفعها المدون المعارض أمير بوخرص ضده. ورغم مرور نحو عام على حادثة الاختطاف، التي قد يكون المدون المذكور تعرض لها، إلا أن القضاء اختار أن يحرك الدعوى العمومية من جديد، ما أثار اللبس حول تزامن ذلك مع أطوار الأزمة التي تعيشها العلاقات بين البلدين.

وجاء سجن الموظف بعد انفراج نسبي للأزمة، على إثر مكالمة بين رئيسي البلدين في نهاية شهر مارس الماضي، واتفاقهما على خارطة طريق، بدأت بزيارة وزير الخارجية الفرنسي، بعد يومين من الاتصال، قبل أن تنهار الأرضية بمتابعة القضاء الفرنسي الدبلوماسي الجزائري.

ويعود أصل الأزمة بين البلدين إلى نحو ثمانية أشهر، عندما قررت باريس دعم المقاربة المغربية لقضية الصحراء المغربية المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو، ثم توقيف الجزائر للكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال منذ شهر نوفمبر الماضي، وإحالته إلى المحاكمة التي قضت بإصدار قرار سجن نافذ لمدة خمسة أعوام، وهو الحكم الذي وصف بـ”الناعم” قياسا بالتهم الموجهة له، وهو ما اعتبر تمهيدا لإطلاق سراحه عبر إصدار عفو رئاسي، قبل أن تنهار العلاقات مجددا وتعود إلى مربع الصفر، ويستمر معها الطرفان في لعبة تصفية الحسابات.

4