الأمراض تغزو قطاع غزة في ظل الانشغال بالحرب

رام الله - قال وزير الصحة الفلسطيني ماجد أبورمضان، السبت، إن “تأكيد وجود إصابة واحدة بمرض شلل أطفال في قطاع غزة، يعني وجود مئات الحالات غير المكتشفة”. وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي بمقر وزارة الصحة بمدينة رام الله، إثر تأكيد وجود حالة شلل أطفال في غزة، الجمعة. وأضاف أبورمضان “وجود حالة موجبة واحدة يعني أنه ربما كان هناك مئات الحالات الأخرى غير المكتشفة”.
وأوضح “معروف علميا أنه من معدل 200 إصابة بالفايروس حالة واحدة تظهر عليها أعراض شلل الأطفال المتطابقة، في ما قد تكون أعراض باقي الحالات على شكل رشح أو حمى بسيطة”. والجمعة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية تسجيل أول إصابة مؤكدة بمرض شلل الأطفال في قطاع غزة. وذكرت أن الحالة “في مدينة دير البلح (جنوبي القطاع) لطفل يبلغ من العمر 10 شهور لم يتلق أيّ جرعة تحصين ضد شلل الأطفال”.
وأشار أبورمضان إلى وجود “خطة شاملة متكاملة لتنفيذ حملة تطعيم موسعة ضد شلل الأطفال في قطاع غزة تستهدف الأطفال دون 10 سنوات”. وأوضح أن الحملة ستتم “بالتعاون مع كافة المؤسسات الدولية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) ومنظمة الصحة العالمية”.
وأضاف “تم توفير مليون و200 ألف جرعة من طعم شلل الأطفال، النوع الثاني، بالتنسيق مع منظمة اليونيسف، وجارى توفير 400 ألف جرعة أخرى”. ودعا أبورمضان المنظمات والهيئات الدولية إلى “العمل الفوري لتوفير بيئة آمنة وتسهيل وصول عمل الفرق الصحية الميدانية إلى مراكز التطعيم، وإعادة بناء أنظمة مياه الشرب والصرف الصحي والتخلص من النفايات الطبية والصلبة”.
كما دعا أيضا إلى “العمل على إدخال الوقود لضخ المياه العذبة النقية، والسماح غير المشروط لدخول الإمدادات الطبية والأدوية والمواد الخاصة التي تستعمل للنظافة الشخصية”. وقال أبورمضان إن “آلاف العاملين الصحيين سيشاركون في حملة التطعيم من خلال أكثر من 400 مركز”، داعيا إلى ضمان سلامتهم وسلامة الطعوم (اللقاحات) والمتطعمين”.
ورجّح وزير الصحة أن يكون المرض وصل إلى القطاع “من الخارج، وغالبا من الجيش الإسرائيلي أو من أتى معه، أو من بلدان مجاورة”، داعيا الجميع إلى تحمل “مسؤولياتهم في توفير الحماية والأمن للطواقم الصحية والطبية”. ولفت إلى أن “اللقاحات ستأتي من شرق آسيا (دون ذكر دولة بعينها)، وأن وصولها تأخر بسبب الحالة الأمنية وإغلاق المطارات، لكنها ستصل خلال أيام”.
والجمعة، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحفي إلى “هدنة فورية” لتسهيل حملة تطعيم كبرى لمكافحة شلل الأطفال، محذرا من “الانهيار الإنساني” في غزة. وأعلن غوتيريش للصحافة “أناشد جميع الأطراف تقديم ضمانات ملموسة على الفور تضمن وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية من أجل القيام بحملة” التلقيح.
وأكد أنه “من المستحيل القيام بحملة تطعيم ضد شلل الأطفال والحرب مستعرة في كل مكان”، مشددا على أن “وقفا (لإطلاق النار من أجل التلقيح ضد) شلل الأطفال أمر لا بدّ منه”. وجاء نداء غوتيريش بعدما طالبت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قبل ساعات بـ”هدنتين إنسانيتين في قطاع غزة لمدة سبعة أيام للسماح بتنفيذ حملتي تطعيم”.
وأوضحت المنظمتان في بيان أن حملتي التلقيح “ينبغي إطلاقهما في أواخر أغسطس وخلال سبتمبر 2024 في مجمل قطاع غزة لمنع انتشار المتحور المنتشر حاليا” والمعروف بالمتحور CVDPV2. وأوضحت الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية مارغاريت هاريس أن المنظمتين تطالبان بسبعة أيام لكل حملة. وذكرت المنظمتان أنه تم رصد فايروس شلل الأطفال في يوليو في عينات من مياه الصرف الصحي جمعت في أواخر يونيو في خان يونس ودير البلح.
وجاء في البيان أنه “في تطور مقلق، أشير منذ ذلك الحين في قطاع غزة إلى ثلاثة أطفال يظهرون مؤشرات شلل رخو حاد، وهو من الأعراض الشائعة لشلل الأطفال”، وأرسلت عينات من براز هؤلاء إلى المختبر الوطني الأردني لشلل الأطفال لتحليلها. ولفتت المنظمتان إلى أن “قطاع غزة بقي خاليا من شلل الأطفال على مدى السنوات الـ25 الأخيرة”.
وأوضحتا أن “ظهوره مجددا، وهو أمر حذّر منه المجتمع الإنساني على مدى الأشهر العشرة الأخيرة، يمثّل تهديدا آخر للأطفال في قطاع غزة والبلدان المجاورة. ووقف إطلاق النار هو الطريقة الوحيدة لضمان أمن الصحة العامة في قطاع غزة والمنطقة”. وتأمل المنظمتان أن تتمكنا من تلقيح أكثر من 640 ألف طفل دون العاشرة. ومن المقرر بحسب البيان نقل أكثر من 1.6 مليون جرعة من اللقاح الخاص بشلل الأطفال من النوع 2 عبر مطار بن غوريون “بحلول نهاية أغسطس”.
وسيتولى بعد ذلك 708 فرق عمليات التلقيح بما في ذلك في المستشفيات والمستوصفات في كل بلدية من قطاع غزة. وشددت الأمم المتحدة على أن التغطية باللقاح يجب أن تكون بنسبة 95 في المئة على الأقل لكل جولة تحصين لمنع انتشار شلل الأطفال وتقليص خطر عودة ظهوره “بالنظر إلى الوضع المتردي للرعاية الصحية وأنظمة المياه والصرف الصحي في غزة”.
ومن أجل نجاح عمليات التلقيح، طالب غوتيريش بتوفير “الوقود للفرق الصحية” و”خدمات فعالة للتواصل عبر الإنترنت والهاتف بهدف إعلام السكان بالحملة” و”زيادة المبالغ النقدية المسموح بإدخالها إلى غزة لدفع أجور العاملين الصحيين”، فضلا عن السماح بـ”دخول خبراء شلل الأطفال إلى غزة”. وشلل الأطفال مرض شديد العدوى كان منتشرا قبل أربعين عاما في العالم، غير أن خطره زال بفضل اللقاح.
لكن هناك نسخة أخرى من الفايروس يمكنها الانتشار، وهو فايروس شلل الأطفال الذي تحور من المصدر الموجود أصلاً في لقاح شلل الأطفال الفموي (OPV)، وهذا المتحور هو الذي رصد في غزة. ولفت غوتيريش إلى أن “فايروس شلل الأطفال لا يهتم بالخطوط الفاصلة ولا يعرف الانتظار”، محذرا من أنه “إذا تُرك دون رادع، سيكون له تأثير كارثي ليس فقط على الأطفال الفلسطينيين في غزة، ولكن أيضا في البلدان المجاورة والمنطقة”.