الأفلام لها علاقة وثيقة بعلم النفس

القاهرة – يتعامل عالم النفس الأميريكي سكيب داين يونغ مع الأفلام السينمائية على أنها رموز ذات معنى، يخلقها صُنَّاع الأفلام، ويستقبلها الجمهور، “فالمخرجون، والكتَّاب، والممثِّلون، والفنَّانون الآخرون يتعاونون معًا لإنتاج الكيانات الرمزية التي تظهر على الشاشة”.
وفي كتابه “السينما وعلم النفس: علاقة لا تنتهي”، يرى يونغ أن “الأفلام السينمائية جميعها تنبض بالحياة من الناحية النفسية، وتتفجر بالدراما الإنسانية التي يمكن رؤيتها من زوايا عديدة مختلفة، في الأفلام ذاتها، وفيمن يصنعونها، وفيمن يشاهدونها”.
ووفق ما جاء في الكتاب، الصادر مؤخرا عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة بالقاهرة، بترجمة سامح سمير فرج، فإن الأفلام نوافذ تطل على عالَم السلوك البشري أو مرايا عاكسة له، فيمكن عبر الاندماج في الأفلام، رؤية التطور الفردي أثناء حدوثها، أي عمل الآليات الدفاعية اللاواعية، والعمليات الاجتماعية النفسية، وغيرها.
هنا يُصبِح الفيلم مسرحًا تُعرَض عليه الكينونات النفسية، وانطلاقا من ذلك يسعى الباحث إلى تفسير الأفلام بوصفها نصوصًا، أي أوعية رمزية يمكن تفريغها والكشف عما تحويه من معنى.
الأفلام، كما يرى يونغ، لا تدور فقط حول الناس، بل تُصنع أيضًا بواسطتهم، وصناع الأفلام بحسب الكتاب “أناس لامعون، متمركزون حول ذواتهم، ذوو عاطفة جياشة، وربما يكونون مجانين بعض الشيء”، لذلك ينتقل الكاتب من تفسير الأفلام إلى تناول الكيفية التي تنعكس فيها خبرات صناعها، وشخصياتهم، وقِيَمهم، ودوافعهم اللاواعية، على أعمالهم، فيؤكد مثلا وجود صلة قوية بين عُقَد هيتشكوك النفسية وشخصيته المتناقضة من جانب، وأفلامه من جانب آخَر، “فأفلام هيتشكوك هي دفاتر ملاحظات ويوميات، وكان تكتمه الذي يُشارف حدَّ الهَوَس وسيلة متعمدة لصرف الأنظار بعيدًا عن حقيقة تلك الأفلام، إلا أنها وثائق شخصية على نحو مذهل”.
كذلك يرى أن معرفة السيرة النفسية لنجوم السينما تستكشف الطريقة التي تتداخل بها أدوارُ ممثِّل ما، والشخصية العامة التي يملكها.
من جهة أخرى يرى يونغ أن عقولنا تعمل بنشاط كبير ونحن نشاهد الأفلام، وعلى المستوى الأعمق، ندرك حسيًّا ما يتضمَّنه الفيلم من صور وأصوات، وعندما نشاهد الأفلام، فإننا نتابع خيط القصة ونغدو مندمجين مع شخوصها. ويحدث أحيانًا أن فيلمًا ما يمكث معنا، ونظل نفكِّر فيه مليًّا، لساعة، أو لأسبوع، أو لسَنَة، أو لبقية عمرنا، وتظل قصته وصوره تشغل أذهاننا، ونربط بينَه وبين بقية العالم من حولنا، ويتحوَّل فهمنا لقصته وشخوصه إلى خارطة نسترشد بها.
وعن الاستمتاع بأفلام الرعب يعود الكاتب إلى فرويد، فبحسبه تكون الميول التدميرية الفطرية عُرضة للعقاب في المجتمعات المتحضِّرة عند التعبير عنها بطريقة مكشوفة، ولذا فإنها تُزاح إلى دائرة اللاوعي. لكنها تظل تثير فينا توترات داخلية، ويثير الاستمتاع بالأفلام الحزينة مفارقة شبيهة بمفارقة الاستمتاع بأفلام الرعب.