الأطفال في لبنان، من المدرسة إلى سوق العمل الشاق

كشف تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن حقوق الأطفال في لبنان تُنتهَك بالتزامن مع استمرار الأزمة الخانقة التي يعيشها البلد. وأضاف التقرير أن الأزمة حرمت الكثير من الأطفال من التعلم وأجبرتهم على التوجه إلى العمل لمساعدة أفراد أسرهم على مجابهة الظروف القاسية التي يعيشونها. وما زاد الأمور سوءًا إغلاق العشرات من المدارس أبوابها في جنوب لبنان.
بيروت - يشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً متواصلاً باتت خلاله غالبية السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن "الأزمات المتواصلة المتفاقمة في لبنان تؤثر على الأطفال بشكل مدمّر في مختلف أنحاء البلاد، وتحرمهم بشكلٍ متزايد من التعلم وتجبر الكثيرين على التوجه إلى العمل، في محاولة بائسة من أجل الصمود وسط التحديات الشديدة والتناقص المستمرّ للموارد والأساسّيات".
وأضافت أن ما زاد الأمور سوءاً هو "إغلاق العشرات من المدارس في جنوب لبنان أبوابها منذ أكتوبر بسبب الاعتداءات، ما أثّر على أكثر من 6 آلاف طالب”. وأعلنت المنظمة الأممية أن الأزمات المتفاقمة في لبنان لها تأثير "مدمّر" على الأطفال وتعليمهم، محذرة من ضغوط إضافية مع امتداد الحرب بين إسرائيل وحماس إلى البلاد.
وقالت إن أكثر من ربع الأسر (أي ما نسبته 26 في المئة) التي استُطلعت آراؤها في نوفمبر الماضي أكدت عدم ذهاب الأطفال الذين هم في عمر الدراسة إلى المدرسة، بنسبة ارتفعت عن آخر تقييم مماثل أجرته يونيسيف في أبريل 2023 حين كانت 18 في المئة. أما بالنسبة إلى اللاجئين السوريين، فارتفعت النسبة إلى أكثر من النصف (52 في المئة)، وأشارت المنظمة إلى أن السبب الأبرز لذلك، بحسب التقييم، “يكمن في ارتفاع تكلفة المواد التعلمية".
وتشهد المنطقة الحدودية في جنوب لبنان تصعيداً عسكرياً متفاقماً بين إسرائيل وحزب الله منذ شنت حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي هجوماً مباغتاً غير مسبوق على إسرائيل التي تردّ بقصف مدمّر وعملية برية في قطاع غزة المحاصر.
ويثير التصعيد الحدودي مخاوف من توسّع الصراع، ما أدّى إلى نزوح الآلاف من القرى الحدودية. وأظهر تقرير يونيسيف “ارتفاع عدد الأسر التي ترسل أطفالا (تحت سن الثامنة عشرة) إلى العمل للتمكن من الصمود، إلى نسبة صادمة بلغت 16 في المئة مقارنة مع 11 في المئة في أبريل الماضي". وأضافت أن "أسرة واحدة من بين كل ثلاث أسر من اللاجئين السوريين قالت إنها أرسلت أطفالا للعمل من أجل توفر الموارد الأساسية”. كما أن أكثر من 8 من كل 10 أسر (أي 84 في المئة منها) اضطرت إلى اقتراض المال أو الشراء بالدين للحصول على المواد الغذائية الأساسية.
وحذرت يونيسيف أيضاً من التأثير العاطفي للأزمات، قائلة إنه بسبب “الحرمان المتزايد والآفاق المقفلة جاع الأطفال في لبنان وعانون قلقاً واكتئاباً”. وأشارت إلى أن ما نسبته 38 في المئة من الأسر التي شملها الاستطلاع، تحدثت عن معاناة الأطفال من القلق، و24 في المئة وصلوا إلى حد الاكتئاب.
وفي جنوب لبنان، تفيد 46 في المئة من الأسر أن الأطفال يشعرون بالقلق و29 في المئة عانوا من الاكتئاب. ولفت التقرير أيضاً إلى أن الاستطلاع أظهر أن 34 في المئة من الأطفال في لبنان يعتقدون أن حياتهم ستكون أسوأ بعد عام من الآن. وحضّت يونيسيف السلطات اللبنانية على "اتخاذ إجراءات حازمة وصارمة لضمان دعم وحماية جميع الأطفال في لبنان، وضمان حصولهم على الخدمات الأساسية".
وحذر ممثل يونيسيف في لبنان إدوارد بيجبيدر من أن "الأزمة الشديدة تدمّر أحلام الصغار وتنتهك طفولتهم وتسلبهم حقّهم في التعليم وسعادتهم ومستقبلهم”. والعام الماضي، كشف تقرير أعدته يونيسيف بعنوان "طفولة محرومة وأحلام مسلوبة، الأطفال في لبنان فقدوا حتى الثقة في الوالدين" عمق الأذى الذي تسببت به ثلاث سنوات عصيبة، على حياة الأطفال في لبنان المنهك من ثقل الأزمات.
واعتمد التقرير تقييماً سريعاً يُركّز على الطفل، وقدّم لمحة عامة عن وضع الأطفال في هذا البلد لمعرفة أثر الأزمة على جوانب مختلفة من حياة هؤلاء الأطفال، وتحديد برامج جديدة للاستجابة لهذه الأزمة.
وخلال حديث ممثلة يونيسيف بالإنابة في لبنان، إيتي هيغينز، قالت "إن نتائج التقرير تبيّن أن الأطفال يدركون تماما تأثير الأزمة على حياتهم وتطلعاتهم"، وتشير إلى أن "التقرير يوضح الأثر السلبي للأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات وتزامنها مع جائحة كوفيد - 19 على صحة الأطفال ورفاههم وتعليمهم، وما آلت إليه بما في ذلك تدمير أحلام هؤلاء الأطفال وزعزعة العلاقات الأسرية".
وبحسب التقرير "أدى تضافر مختلف أنواع الحرمان وأشكاله، والتعرّض المستمرّ لتأثيرات الأزمة الاقتصادية الشديدة وفقدان الأمل، إلى التأثير بقوّة على صحّة الأطفال النفسية الذين أصبحوا يعجزون، في معظم الحالات، عن الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها".
في موازاة ذلك، يشعر الأطفال بالإحباط، بعدما فقدوا الثقة في الوالدين لعدم قدرتهما على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التوترات داخل العائلات. وأصبحت العلاقات التقليدية بين الطفل ووالديه، مع تزايد إرسال الأطفال إلى العمل وبطالة الأهل المتمادية، في خطر. فالعلاقات التقليدية بين الجهتين أصبحت هشّة ومعرضة للدمار.
◙ يونيسيف حذرت من التأثير العاطفي للأزمات، قائلة إنه بسبب الحرمان المتزايد والآفاق المقفلة عانى الأطفال في لبنان قلقا
وأضافت هيغينز أن "المعنيين في المنظمة تحدثوا إلى المئات من العائلات في لبنان، وسجلوا قصص عائلات لم يعد بإمكانها معالجة أبنائها في المستشفيات في حال تعرضهم لكسور، وأن المئات من الآباء يصطحبون أطفالهم إلى العمل، وغالبيتهم يعملون في مهن شاقة أو في الحقول".
وتوضح "بعض الأطفال الذين يعملون في ظروف خطرة، كالمرائب أو جمع القمامة، يتعرضون لإصابات متنوعة، وفي بعض الحالات يُقتلون أثناء القيام بعملهم، وكل ذلك فقط للبقاء على قيد الحياة". ويشهد لبنان أزمةً اقتصادية تتفاقمُ تدريجيًا منذ عام 2019، وقد أدّت حالة الركود الحادّ، والتي طال أمدها، إلى تعزيز مشاعر اليأس المستمرّ في جميع أنحاء البلد.
وفي دراسة نوعية جديدة بعنوان “الطفولة المحرومة”، سلطت يونيسيف الضوء على هذا المسار المتغيّر من الهشاشة والاغتراب في البلد، من خلال تصوير الجانب الإنساني للفقر المتزايد الذي يُعانيه الأطفال في لبنان بمختلف أبعاده. وبدلًا من الاعتماد على الإحصائيات، تنقل الدراسة الواقع المُقلِق الذي يعيشه الناس اليوم، فتوضح الصورة المرسومة الحاجةَ المُلِحَّة إلى اتّخاذ إجراءات تصحيحية من جانب جميع الجهات المعنيّة التي تتقاعس عن العمل من أجل وقف تفاقُم الأزمة وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لضمان التعافي المستدام والشامل.
وخلصت الدراسة إلى ثلاث نتائج أساسية: أوّلًا، تُنتهَك كلّ الحقوق الأساسية للأطفال في لبنان كما حدّدتها اتّفاقية الأمم المتّحدة لحقوق الطفل، أي حقّهم في الصحّة والرفاه والحماية والتعليم والحقّ في اللعب، بعبارة أخرى، حقُّهم الأساسي في أن يكونوا أطفالًا. ثانيًا، إنَّ الانتهاك المضاعَف لهذه الحقوق الأساسية يؤثّر إلى حدّ كبير على الصحّة النفسية للأطفال، ولاسيما في المراحل الأساسية التي يكتمل فيها نموّهم. ووجدَت الدراسة أنَّ الأطفال يُظهِرون فهمًا عميقًا للأزمة الشديدة والأوضاع المتدهورة في البلد، ويُطاردهم القلق الدائم.