الأسواق تراقب بقلق ارتدادات تصاعد التوتر في الشرق الأوسط

يحبس محللو الأسواق أنفاسهم وسط هجمة الأخبار العاجلة بشأن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط مع دخول الولايات المتحدة الحربَ الإسرائيلية على إيران، والتي ستؤثر على أسعار النفط خلال المرحلة المقبلة مع بروز سباق بين المستثمرين إلى الملاذات الآمنة واحتمالات انتعاش الدولار أكثر.
نيويورك – أكد مستثمرون أن الهجوم الأميركي على المواقع النووية الإيرانية قد يرفع أسعار النفط إلى قمم جديدة ويدفع المستثمرين إلى التهافت على أصول الملاذ الآمن بينما يقيمون تداعيات أحدث تصعيد في الصراع على الاقتصاد العالمي.
وأشارت ردود الفعل في بورصات الشرق الأوسط الأحد إلى أن المستثمرين كانوا لا يتوقعون الأسوأ، حتى مع تكثيف إيران هجماتها الصاروخية على إسرائيل ردا على القصف الأميركي المفاجئ وتورط الولايات المتحدة بشدة في الصراع.
ووصف الرئيس دونالد ترامب الهجوم بأنه “نجاح عسكري مذهل” في كلمة بثها التلفزيون. وقال إن “المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية لتخصيب اليورانيوم انمحت تماما،” محذرا من قصف الجيش الأميركي أهدافا أخرى في إيران إذا لم ترض بالسلام.
وكالعادة في مثل هذه المواقف أكدت إيران، التي تخوض حربا مباشرة مع إسرائيل منذ قرابة أسبوعين، أنها تحتفظ بجميع الخيارات للدفاع عن نفسها، وحذرت من “عواقب وخيمة”.
وتوقع المستثمرون أن يحفز التدخل الأميركي عمليات بيع في الأسهم وربما إقبالا على الدولار وأصول الملاذ الآمن الأخرى عند استئناف التداول، لكنهم قالوا أيضا إن مسار الصراع لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض.
وقال مارك سبيندل كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بوتوماك ريفر كابيتال “أعتقد أن الأسواق ستشعر بالقلق في البداية، وأن النفط سيبدأ التداول على ارتفاع.”
وأضاف لرويترز “ليس لدينا أي تقييم للأضرار وسيستغرق ذلك بعض الوقت. وعلى الرغم من أنه (ترامب) قال إن الأمر انتهى، فإننا مرتبطون به. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟”
ويعتقد سيبندل أن “حالة عدم اليقين ستخيم على الأسواق إذ سيتأثر الأميركيون في كل مكان الآن. سيزيد ذلك الضبابية والتقلبات، لاسيما في قطاع النفط.”
ومن بين المؤشرات على كيفية تفاعل الأسواق في تداولات الأسبوع الجديد سعر الإيثر، ثاني أكبر عملة مشفرة والمقياس الجديد لمعنويات المستثمرين الأفراد بعد بتكوين، والتي تشتريها الآن المؤسسات بشكل أساسي.
وانخفض سعر الإيثر خمسة في المئة الأحد لتزيد خسائرها التي تتكبدها إلى 13 في المئة منذ بدء الضربات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو الجاري.
ومع ذلك بدت أغلب أسواق الأسهم الخليجية غير متأثرة بالهجمات التي وقعت في وقت مبكر من صباح الأحد إذ ارتفعت المؤشرات الرئيسية في قطر والسعودية والكويت ارتفاعا طفيفا، بينما بلغ المؤشر الرئيسي في تل أبيب أعلى مستوياته على الإطلاق.
وسيتمحور القلق الرئيسي للأسواق حول التأثير المحتمل لتطورات الشرق الأوسط على أسعار النفط، وبالتالي على التضخم. وقد يضعف ارتفاع التضخم ثقة المستهلكين ويقلل فرص خفض أسعار الفائدة في الأجل القريب.
وقال سول كافونيتش كبير محللي الطاقة لدى أم.أس.تي ماركي في سيدني إن “السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن ترد إيران باستهداف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بما في ذلك البنية التحتية النفطية الخليجية في دول مثل العراق، أو التضييق على السفن العابرة لمضيق هرمز.”
ويقع مضيق هرمز بين سلطنة عُمان وإيران، وهو طريق التصدير الرئيسي لمنتجي النفط في منطقة الخليج العربي وهم السعودية والإمارات والعراق والكويت.
وأضاف كافونيتش “يعتمد الكثير على كيفية رد إيران في الساعات والأيام المقبلة، لكن هذا قد يضعنا على مسار 100 دولار للبرميل إذا ردت إيران كما هددت سابقا.”
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 18 في المئة منذ 10 يونيو لتبلغ أعلى مستوى لها في 5 أشهر تقريبا عند 79.04 دولار الخميس، إلا أن المؤشر ستاندرد آند بورز 500 لم يشهد تغيرا يذكر بعد انخفاضه في بداية الهجمات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو.
وفي تعليقاته بعد إعلان التدخل الأميركي، رجح جيمي كوكس الشريك الإداري في مجموعة هاريس المالية أيضا صعود أسعار النفط بسبب هذه الأنباء.
لكن كوكس يتوقع استقرار الأسعار على الأرجح في غضون أيام قليلة لأن الهجمات قد تدفع إيران إلى إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وقال لرويترز “مع هذا الاستعراض للقوة والإبادة الكاملة لقدراتهم (الإيرانيين) النووية، فقدوا كل نفوذهم ومن المحتمل أن يستسلموا ويوافقوا على اتفاق للسلام.”
ويحذر الاقتصاديون من أن ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط قد يضر بالاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من ضغوط بسبب رسوم ترامب الجمركية.
ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن أي تراجع في الأسهم قد يكون عابرا، ولن يحدث الكثير من الضرر على الشركات وخاصة الشركات الكبرى التي تتمتع بمتانة مالية قوية.
وخلال الأحداث البارزة السابقة التي أدت إلى أوضاع ملتهبة في الشرق الأوسط، مثل غزو العراق عام 2003 والهجمات على منشآت النفط السعودية في عام 2019، تراجعت الأسهم في البداية لكنها سرعان ما تعافت لترتفع في الأشهر التالية.
وأظهرت بيانات ويدبوش سيكوريتيز وكاب آي.كيو برو أن المؤشر ستاندرد آند بورز 500 تراجع في المتوسط بواقع 0.3 في المئة في الأسابيع الثلاثة التي أعقبت بدء الصراع، لكنه عاود الصعود 2.3 في المئة في المتوسط بعد شهرين من اندلاع الصراع.
وفي خضم ذلك يسود على نطاق واسع اعتقاد أنه يمكن أن تكون للتصعيد آثار متباينة على الدولار، الذي تراجع هذا العام وسط مخاوف من تضاؤل التفوق الأميركي.
ويرى محللون أن تورط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب الإيرانية – الإسرائيلية قد يفيد الدولار في البداية بفضل الطلب على الملاذ الآمن.
وقال ستيف سوسنيك كبير محللي السوق في شركة آي.بي.كي.آر، ومقرها ولاية كونيتيكت الأميركية، “هل نشهد توجها نحو الملاذ الآمن؟ هذا سيعني انخفاض عوائد السندات وارتفاع الدولار.”
وأضاف “من الصعب تصور عدم تأثر الأسهم سلبا، والسؤال هو: إلى أي مدى؟ سيعتمد الأمر على رد الفعل الإيراني وما إذا كانت أسعار النفط سترتفع.”
ورجح تييري ويزمان، محلل العملات الأجنبية وأسعار الفائدة العالمية في مجموعة ماكواري، في مذكرة أن يقلق المتعاملون أكثر من التآكل الضمني لشروط التجارة الخاصة بأوروبا والمملكة المتحدة واليابان، وليس الصدمة الاقتصادية للولايات المتحدة.
وقال “نتذكر ضعف قيمة الدولار بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وخلال التواجد الأميركي في أفغانستان والعراق الذي استمر لعقد من الزمن.”