الأسواق الناشئة أمام خطر تعثر أكبر في سداد الديون

أطلق خبراء تحذيرات صادمة ممزوجة بالقلق من أن استمرار الأزمة الراهنة التي يتسم بها الاقتصاد العالمي سيزيد الضغوط على الاقتصادات الناشئة التي ستجد نفسها أمام أخطار تعثر أكبر في سداد الديون، نتيجة الزيادات المتواترة في أسعار الفائدة.
واشنطن- أعطت تقييمات أحد كبار المسؤولين في البنك الدولي صورة متشائمة بشأن مدى التعقيدات، التي ستواجهها بعض حكومات الدول النامية في تجنب التخلف عن سداد قروضها في موعدها.
وحذرت كارمن رينهارت كبيرة الاقتصاديين في البنك من أن قائمة دول الأسواق الناشئة التي تواجه مخاطر التعثر في سداد الديون تطول بسرعة كبيرة في ظل موجة رفع أسعار الفائدة عالمياً.
وقالت في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الثلاثاء إن “مخاطر التعثر في سداد الديون وأزمات الاستدانة في الدول منخفضة الدخل ليست افتراضية”. وأضافت “نواجه هذا الواقع حاليا بالفعل وبكل تأكيد”.
وشددت رينهارت على أنه يجب حل أزمات الديون من خلال تقليصها بشكل مؤثر وأنه لو لم يحدث ذلك فسيكون أي حل آخر مجرد مسكنات من النوع الذي يزول مفعوله بسرعة.

كارمن رينهارت: قائمة الدول المتعثرة تطول في ظل موجة رفع الفائدة
وهذا الموقف يأتي في أعقاب تحذير مماثل من بنك غولدمان ساكس حول دخول الدول الناشئة في دورة جديدة من التخلف عن السداد. وستكون سريلانكا على الأرجح الأولى في الوقوع بالتعثر ضمن قائمة طويلة من الدول التي تواجه المصير ذاته على المدى المنظور.
والاثنين الماضي تخلفت روسيا عن سداد ديونها السيادية لأول مرة خلال قرن، في ذروة العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد موسكو، والتي أغلقت الباب أمام وصول المدفوعات الروسية إلى الدائنين الأجانب.
وأكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني الثلاثاء أن روسيا لم تتمكن من دفع ما عليها من قروض مستحقة هذا الشهر بعد تأكيد عدم تلقي أصحاب السندات دفعات فوائد قدرها مئة مليون دولار.
وخسرت موسكو آخر طريقة لتسديد قروضها بالعملات الأجنبية بعد أن ألغت الولايات المتحدة في الشهر الماضي استثناء كان يسمح للمستثمرين الأميركيين بتلقي دفعات من موسكو.
وقالت موديز “لم يحصل أصحاب الديون السيادية الروسية على قسائم مدفوعات لسندات باليورو بقيمة 100 مليون دولار بحلول انقضاء فترة الإعفاء البالغة 30 يوما، وهو ما نعتبره تخلّفا عن السداد بموجب تعريفنا”.
وقالت الوكالة في بيانها الصادر مساء الاثنين الماضي “يرجح أن يتم التخلف بشكل إضافي عن سداد قسائم مدفوعات مستقبلية”. وشددت روسيا على أنه “لا أساس لوصف هذا الوضع بأنه تخلف عن السداد، إذ أن الدفعات لم تصل إلى الدائنين نتيجة أفعال قامت بها أطراف ثالثة”.
ويعود تاريخ آخر تخلف روسي عن سداد الديون الخارجية إلى العام 1918 حينما قرر الزعيم البلشفي فلاديمير لينين عدم الاعتراف بالقروض، التي أخذها النظام القيصري السابق.
ويتوقع محللون من بينهم بنك غولدمان ساكس زيادة معدلات الفائدة سبع مرات هذا العام، ليصل المعدل إلى 1.75 في المئة على فرض أن المركزي الأميركي سيرفع المعدل بربع نقطة في كل اجتماع.
ويعني ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية زيادة في تكاليف إعادة تمويل ديون عدد من البلدان الناشئة المستحقة بالدولار، بيد أن هذه البلدان متخلفة أيضا عن ركب الانتعاش الاقتصادي وبالتالي فهي أقل قدرة على تحمل هذه التكاليف الإضافية.

فيليب إنغلر: التأثير سيكون حميدا بالنسبة إلى متوسط الأسواق الصاعدة
ويقول صندوق النقد الدولي إنه “بينما ظلت تكاليف الاقتراض بالدولار منخفضة بالنسبة إلى الكثيرين، فإن المخاوف بشأن التضخم المحلي ستدفع العديد من الأسواق الناشئة، بما في ذلك البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا والصين إلى رفع أسعار الفائدة لمواكبة هذا الوضع”.
وكان خبراء الصندوق قد أكدوا في مدونة نشروها خلال يناير الماضي أنه يتعين على الاقتصادات الناشئة الاستعداد “لفترات من الاضطراب الاقتصادي” مع قيام الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة وتباطؤ النمو العالمي.
وأشاروا إلى أن احتمال بروز زيادات متسارعة في أسعار الفائدة الأميركية هذا العام قد يؤدي إلى “زعزعة الأسواق المالية وتشديد الشروط المالية عالميا”.
وتتمثل المخاطر بشكل أساسي في حدوث تباطؤ في الطلب والتجارة في الولايات المتحدة بالإضافة إلى تسرب رأس المال وانخفاض قيمة العملة في الأسواق الناشئة.
ويقول فيليب إنغلر الخبير بقسم الرقابة متعددة الأطراف في إدارة البحوث بصندوق النقد إن التأثير الكلي لخطوة الاحتياطي الأميركي سيكون حميدا بالنسبة إلى متوسط الأسواق الصاعدة.لكنه أشار إلى أن البلدان التي تُصدّر أقل للولايات المتحدة وتعتمد أكثر على الاقتراض الخارجي يمكن أن تشعر بضغوط في الأسواق المالية.
وفعليا أدت الأزمة العالمية المرتبطة بما يحدث في شرق أوروبا وتبعاتها المنجرة عنها عبر إقدام البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة إلى إبطاء دورة نمو سوق الديون في الأسواق الناشئة بشكل مفاجئ.
وأظهرت بيانات جمعتها بلومبرغ أن مبيعات القروض في تلك الأسواق تراجعت في أبريل الماضي لأدنى مستوى لها منذ عشر سنوات تقريبا.
وبحسب الأرقام جمعت حكومات وشركات الدول النامية حوالي 30.6 مليار دولار من السندات المقومة بالدولار أو اليورو في تراجع بنسبة 48 في المئة على أساس سنوي.
وفي مواجهة التأثير على المعنويات من الحرب في أوكرانيا وتبني البنوك المركزية لموقف أكثر تشددا أثناء محاولاتها ترويض التضخم، بات المقترضون في الأسواق النامية أكثر تخوفا.
ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية يعني زيادة في تكاليف إعادة تمويل ديون عدد من البلدان الناشئة المستحقة بالدولار
وتجاوز متوسط العائد على الديون الدولارية نحو 6.3 في المئة، وهو أعلى مستوى في عامين، مما جعل تكلفة الاقتراض متعذرة على المصدرين من التصنيف دون الدرجة الاستثمارية من الأسواق الناشئة.
ولكن البعض يرى أن الأسواق الناشئة اليوم في وضع يمكنها من تحمل ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية أفضل مما كانت عليه خلال ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية بفعل سياسة الاحتياطي الاتحادي في 2013.
ويشير لوك دوغ رئيس قسم أدوات الدخل الثابت بالأسواق الناشئة لدى “فونتوبل أسيت مانجمنت” إلى أن هوامش سندات الأسواق الناشئة عالية العائد تمثل في التداول أعلى فارق بالمقارنة مع أسواق العالم المتقدم منذ 15 عاما.