الأسد يلجأ إلى أدوات محلية في مواجهة أكراد سوريا

ميليشيا مسلحة من قبيلة "البوشعبان" العربية في دير الزور رأس حربة نظام الرئيس بشار الأسد في مواجهة الأكراد.
الخميس 2024/05/09
القلاع الحصينة تؤخذ من الداخل

دير الزور (سوريا) - يعكس إعلان النظام السوري تشكيل ميليشيا مسلحة من قبيلة “البوشعبان” العربية في دير الزور لجوء بشار الأسد إلى أدوات محلية في مواجهة الأكراد شمال شرقي سوريا. واعتبر الصحافي السوري فراس علاوي أن حكومة دمشق تريد مجابهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية شرقي سوريا، من خلال عناصر محلية من خلال دعم وتجنيد موالين لها، كونهم من أبناء المنطقة.

وأشار علاوي إلى أن قائد “قسد” مظلوم عبدي يتخوف من “غضبة عشائرية” جديدة ودخول النظام السوري وحلفائه الإيرانيين عليها واستغلالها، لخلخلة الأوضاع الأمنية في الريف الواقع تحت سيطرة القوات الكردية. وكان أفراد من قبيلة "البوشعبان" أعلنوا عن تشكيل عسكري عشائري جديد في ريف الرقة الشرقي، انضوى ضمن تنظيم "قوات القبائل والعشائر" التابعة لدمشق وإيران، بهدف تنفيذ عمليات ضد "قسد".

واستثمرت إيران جيدا الصراع على النفوذ والحكم المحلي بين قوات سوريا الديمقراطية الكردية والقبائل العربية بما يخدم مصالحها طويلة الأمد في المنطقة الحيوية.  ويرجح محللون أن يتسارع تطوير إيران للميليشيات القبلية العربية في شرق سوريا باستخدام نموذج ميليشيات حلب وبدعم من أجنحة اجتماعية واقتصادية وإدارية جديدة ممولة من الحرس الثوري الإيراني.

وتُعتبر معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال وشمال شرق سوريا مناطق ذات طابع عشائري، مما فرض على “قسد” والإدارة الذاتية الكردية منذ تأسيسهما التعامل على هذا الأساس والتواصل بشكل رئيسي مع الفاعلين المحليين من شيوخ ووجهاء قبائل وعشائر وَفْق سياسات مختلفة بين الاستثمار أو التحالف أو التفكيك أو تغيير مراكز القوى للقبائل والعشائر بالشكل الذي يضمن مصالحهما، لكن الخلافات تصاعدت مؤخرا وتحولت إلى اشتباكات مسلحة بين الحليفين وهي حالة لم تتخلف إيران عن استثمارها لصالحها.

فراس علاوي: حكومة دمشق تريد مجابهة "قسد" شرقي سوريا من خلال عناصر محلية
فراس علاوي: حكومة دمشق تريد مجابهة "قسد" شرقي سوريا من خلال عناصر محلية

وتستثمر إيران الصراعات المتصاعدة بين المكون العربي والكردي في شرق سوريا لتحقيق هدفين أساسيين وهما مواجهة الأكراد والسيطرة على منطقة شرق الفرات الحيوية لمصالحها بهدف إقامة ممر متواصل لانتقال المقاتلين التابعين لها، بين دير الزور وحلب.

وبمرور الوقت، توسع تركيزهم الجغرافي لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد على جبهات متعددة مثل حلب وحمص ودير الزور. ويرى النظام السوري في تصاعد حدة الاشتباكات بين الأكراد والمكون العربي فرصة لاستعادة بقية المناطق غير الخاضعة لسيطرته في شمال شرق سوريا.

ولا يزال التصعيد في شرق سوريا بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية الكردية آخذا في الاحتدام، ما يضع المنطقة أمام تحولات أمنية وعسكرية. وتعكس الاشتباكات بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية حدة الخلافات بين أجنحة القوات الكردية التي تدير الإدارة الذاتية في شرق سوريا، ما يهدد بتفكك أجنحتها.

ويقول مراقبون إن الصراع على النفوذ والموارد المالية شرقي سوريا من شأنه إعادة المنطقة إلى مربع التوتر والانفلات الأمني بما يخدم مصالح الخصوم (النظام السوري وتركيا وإيران).

وقالت شخصيات من العشائر وسكان إن الاضطرابات المتزايدة كشفت عن الغضب العميق تجاه القوة التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على السكان، وأغلبهم من العرب، في المحافظة الغنية بالنفط. ويشكو السكان العرب الذين يعانون من ظروف معيشية متدهورة من أن الإدارة التي يقودها الأكراد لا تمنحهم حصتهم من الثروة النفطية.

ولطالما نفت وحدات حماية الشعب الكردية، التي تزودها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بالأسلحة، ممارسة التمييز ضد العرب، وتقول إنها تسعى إلى رفع الظلم عن الأكراد الذي حرمهم من ثقافتهم قبل بدء الصراع السوري في عام 2011.

وكانت وحدات حماية الشعب هي الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا في طرد تنظيم الدولة الإسلامية من دير الزور وهزيمة الجيش السوري وداعميه الروس للسيطرة على بعض أكبر حقول النفط السورية.

◙ إيران استثمرت جيدا الصراع على النفوذ والحكم المحلي بين قوات سوريا الديمقراطية الكردية والقبائل العربية بما يخدم مصالحها في المنطقة الحيوية

في المقابل، يرى عضو المجلس الوطني الكردي في سوريا علي تمي أن حالة التصعيد في شرق الفرات ستستمر وخاصة في دير الزور، ويرجع ذلك إلى أن “الجهة التي تحكم المنطقة هي خارجها”، في إشارة إلى هيمنة المكون الكردي على قرار “قسد” السياسي والاقتصادي والعسكري.

وعلى مر عقود قبل عام على اندلاع الثورة السورية في 2011، عانى الأكراد من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتلاحقة، لكن نفوذهم تصاعد بعد انسحاب قوات النظام من مناطق تواجدهم بدءا من 2012 مع اتساع رقعة النزاع، وتمكنوا من بناء مؤسسات وتأسيس الإدارة الذاتية الكردية.

وفيما تمكّنت قوات النظام منذ 2015، بدعم من حلفائها، من استعادة غالبية المناطق السورية، تبقى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا خارج سلطتها. وفي العام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم وحدات كردية وعربية، وباتت بمثابة جيش الإدارة الذاتية وأبرز خصوم الجهاديين. وتسيطر هذه القوات اليوم على أكبر حقول النفط السورية وأبرزها في دير الزور شرق البلاد.

ويعتبر دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية أشبه بصمام أمان كونها تشكل هدفا دائما لأنقرة، وإن كانت دمشق حتى الآن لم تعلن حربا مفتوحة عليها، لكنها ترفض بالتأكيد الاعتراف بالإدارة الذاتية.

وبفضل دعم واشنطن التي قادت تحالفا دوليا ضد التنظيم، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في مارس 2019 القضاء على ما يسمى بـ"دولة الخلافة"، التي أعلنها تنظيم داعش المتشدد بعد السيطرة على آخر معاقلها في قرية الباغوز.

لكن الثقة مع الشريك الأميركي اهتزت بعد الهجوم التركي في أكتوبر 2019، الذي حصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مواقع حدودية وإعلان الرئيس دونالد ترامب سحب قوات من سوريا.

2