الأسد حاكم هادئ لم تغيره قساوة الحرب

بيروت – وراء صورة رجل هادئ الطباع ومبتسم غالبا تلطقتها كاميرات الصحافيين للرئيس السوري بشار الأسد الذي يستعد للفوز بولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات، يكمن حاكم غامض وقاس قاد حرباً بلا هوادة على مدى عشر سنوات داخل بلاده تسببت في دمارها واستنزاف مقدراتها.
في اجتماعاته الرسمية وخلال استقباله ضيوفا، في المقابلات أو حتى أثناء تفقّده الجبهات خلال أشد سنوات النزاع، يبدو بشار الأسد واحدا: يتكلّم بصوت خافت وبابتسامة باردة غالبا، ويكرّر ما قاله منذ السنة الأولى من الحرب، بأن بلاده ستخرج “منتصرة” في مواجهة ما يقول إنه “مؤامرة” نسجتها قوى خارجية ضد سوريا.
بعد عقد من نزاع مدمر يتخذ الأسد، طبيب العيون السابق البالغ من العمر 55 عاماً، شعار “الأمل بالعمل” لحملته الانتخابية، ويروّج لنفسه، وفق محللين، كـ”عرّاب” مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاجها سوريا بشدة، بعدما تمكن بدعم من حلفائه من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد كانت قواته خسرتها خلال سنوات الحرب الأولى.
ويقول صحافي ممن التقوه قبل الحرب وخلالها، في تصريحات صحافية، “بشار الأسد شخصية فريدة ومركّبة… في كل مرة التقيته كان هادئاً وغير متوتر. حتى في أشد لحظات الحرب الحرجة والقاسية، وهذه تماما صفات والده” حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاما.
ويضيف “استطاع أن يكون الرجل الذي لا يستطيع أن يستغني أحد عنه”، موضحاً “قد يكون من السهل ترتيب الأوراق، لكن في السياسة يجب أن تعرف كيف تخلط الأوراق.. وبشار الأسد أتقن لعبة خلط الأوراق”.
وورث الأسد الابن عن والده الراحل، كما يكرر عارفوه، الطباع الباردة والشخصية الغامضة. تتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دوراً أساسياً في “صموده” في وجه “الثورة” التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها، ثم “العزلة” العربية والدولية.
وتبدّلت حياة الأسد بشكل جذري عام 1994، إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفاً لوالده، في حادث سير قرب دمشق.
واضطر إلى العودة من لندن حيث كان يتخصّص في طب العيون، وحيث تعرّف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل في بنك “جي بي مورغان” في حي المال والأعمال في لندن.
في سوريا تدرّج الأسد في السلك العسكري قبل أن يتتلمذ في الملفات السياسية على يد والده الذي وصل إلى سدة الحكم عام 1970، وتحوّل رقماً صعباً في سياسة الشرق الأوسط والصراع العربي – الإسرائيلي. وبعد وفاة والده عام 2000 خلفه وهو في الرابعة والثلاثين من العمر.
في بدايات عهده ضخّ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع. لكنّ هذه الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أقفلت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عُرف وقتها بـ”ربيع دمشق”.
قبل اندلاع النزاع اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع يقود سيارته بنفسه، ويرتاد المطاعم مع زوجته. وحتى الآن يعلّق العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صورا شخصية لهم يظهرون فيها مع الأسد أثناء زياراته.
في عام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، أمر بقمع المتظاهرين السلميين، وأصبحت الاحتجاجات نزاعاً داميا سرعان ما تعددت جبهاته والضالعون فيها.

ورغم الانشقاقات الكثيرة عن الأجهزة الأمنية التي سجلت في بداية النزاع بقي الجيش، والأسد قائده الأعلى، وفيا له. وأودى النزاع بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض، لكن الأسد بقي متصلّبا في رؤيته للأمور. وتمكن، وفق ما يقول باحث سوري تحفّظ عن كشف اسمه، “من حصر القرارات كافة بيده وجعل الجيش معه بشكل كامل”. ولم يسمح بأن تفرز بنية النظام أو المعارضة شخصيات قيادية يمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في مواجهته.
على المستوى الشخصي يؤكد عارفو الأسد، وهو أب لابنين وابنة، أنه لم يغيّر عاداته اليومية كثيرا خلال الحرب وبعدها. ويقول الصحافي الذي التقاه مرات عدة إنه “يتابع أحياناً دروس أولاده بنفسه، ويصرّ على أن تكون العلاقة مباشرة معهم دون الاستعانة بمربّية أو من يخدمهم”.
وباستثناء صور قليلة بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند النقاط أو الحواجز الأمنية يظهر الأسد دائماً، بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، ببزات رسمية وربطة عنق.
وقبل أيام من موعد الاستحقاق الانتخابي نشر حساب حملته الانتخابية صوراً حديثة له يظهر في إحداها مرتدياً بزة أنيقة وربطة عنق ويسير حاملاً حقيبته في طريقه إلى مكتبه على الأرجح داخل “قصر الشعب” الرئاسي الذي بني في عهد والده على تلّة مشرفة على دمشق. ويظهر في صورة أخرى وهو يرتّب أوراقاً على مكتبه أو يقرأ وهو جالس على كرسي.
كذلك نشرت الحملة صوراً من نشاطات سابقة: يعاين خارطة مع عسكريين، ويشارك في حملة تشجير ويتحدث إلى عمال داخل ورشة.
ويقول المحلل نيكولاس هيراس في تصريحات صحافية “بشار الأسد على وشك أن يكون الرئيس السابق والمقبل لسوريا، وهو يبذل مع حلفائه قصارى جهدهم لدفع هذه الحقيقة في وجه خصومه المحليين والأجانب” الذين طالبوا في بداية النزاع برحيله.