الأزهر يسعى لإثبات قدسيته عبر مقاضاة الصحافيين المنتقدين له

تتسع الهوة بين المثقفين والصحافيين ومؤسسة الأزهر التي ترفض أي نقد يوجه لسلطتها الدينية في المجتمع، ويأتي الحكم على الصحافي أحمد الخطيب بسبب سلسلة مقالاته الناقدة، ليثبت أن الأزهر بات يشكل عبئا ثقيلا على الأدب والسينما وحرية التعبير في مصر.
الجمعة 2017/09/08
خطاب من وراء حجاب

القاهرة – دخل الخلاف بين الصحافيين ومؤسسة الأزهر مرحلة جديدة من التوتر بعد الحكم على الصحافي أحمد الخطيب بالسجن 4 سنوات غيابيًا؛ إثر إدانته بـ”إهانة الأزهر، ونشر أخبار كاذبة عنه”، الأمر الذي لاقى استهجانا واستنكارا في الوسط الإعلامي المصري.

وقال مصدر قضائي إن “محكمة جنايات الجيزة غرب القاهرة، قضت مساء الأربعاء، بحبس أحمد الخطيب، نائب رئيس تحرير صحيفة الوطن السابق، غيابيًا، لمدة 4 سنوات، بتهمة إهانة الأزهر ونشر أخبار كاذبة، وسب وإهانة محمد عبدالسلام مستشار شيخ الأزهر”.

كما قضت المحكمة، بتغريم الخطيب بـ20 ألف جنيه (نحو 1100 دولار أميركي تقريبًا)، في الاتهامات المذكورة، ومحمود مسلم رئيس تحرير صحيفة الوطن بـ10 آلاف جنيه (نحو 550 دولارًا تقريبًا)، بتهمة “السماح بنشر أخبار ووقائع كاذبة عن الأزهر”.

وكان الخطيب قد نشر خلال الفترة من 20 أبريل 2016، حتى 13 أغسطس من العام ذاته، سلسلة مقالات تحت عنوان “فساد الأزهر”، ما دعا مؤسسة الأزهر وقتها، إلى التقدم ببلاغ للنيابة العامة ضده. وقال الأزهر في بيان له حينها، ردًا على مقالات الخطيب، إنها “محض افتراء واختلاق لادعاءات كاذبة ومضللة، تستهدف الإساءة للأزهر ورجاله”.

وقال الخطيب في تصريحات صحافية عقب الإعلان عن الحكم، إنه لم يحضر أي جلسة من جلسات المحاكمة، وإنه لا يرغب في التعليق على الحكم القضائي.

ويرى متابعون للقضية أن الأزهر يتحول شيئا فشيئا إلى خصم للصحافيين والإعلاميين، إذ يعتبر نفسه مؤسسة ذات قدسية لا يجب أن تطالها الأقلام الناقدة أو المشككة في مصداقية مشايخها أو نزاهتهم بأي حال من الأحوال، حيث يواجه الخطيب على ما يبدو ثأرا مبيتا من مسؤولين نافذين في هيئة كبار العلماء بالأزهر.

وكثيرا ما هاجم الخطيب بشكل خاص محمد عبدالسلام الذي يشغل منصب المستشار القانوني لشيخ الأزهر، واتهمه بدعم تنظيم الإخوان المسلمين.

الأزهر يتحول شيئا فشيئا إلى خصم للصحافيين والإعلاميين، إذ يعتبر نفسه مؤسسة لا يجب أن تطالها الأقلام الناقدة

وقال الخطيب في أحد مقالاته “لماذا لا يتحرك عبدالسلام ضد إساءات (الشيخ يوسف) القرضاوي للدين الإسلامي أو لمصر أو للجيش و(للرئيس عبدالفتاح) السيسي، أو حتى إساءاته لمشيخة الأزهر وشيخه طوال 4 سنوات؟ ولماذا لم يعترض على ضم شيخ الفتنة لهيئة كبار العلماء بعد ثورة يناير وهو الذي كان صاحب الاقتراح الأول لضمه إلى الهيئة؟”.

كما قال في مقال آخر “عبدالسلام هو من كان وراء اختيار الإخواني حسن الشافعي والإخواني محمد عمارة داخل هيئة كبار العلماء، وهما المعروف عن موقفهما من عزل مرسي باعتباره انقلاباً عسكرياً، وهو الذي اختار عبدالرحمن البر، مفتي تنظيم الإخوان قيادياً في لجنة تطوير قوانين الأزهر بعد أن طلب منه ضرورة الترشّح لقيادة كلية أصول الدين بالمنصورة (مسقط رأس عبدالسلام) وانتخابه عميداً لها، رغم تأكيد الأجهزة الأمنية والرقابية خطورة ترشّح البر”.

ويمثل الأزهر هدفا رئيسيا للإسلاميين، إذ تمكنهم السيطرة عليه من الهيمنة الفكرية والدينية على المجتمع، كما تسمح لهم بالاستحواذ على سلطة معنوية واسعة، باتت تشكل عبئا ثقيلا على الآداب والسينما وحرية التعبير في مصر. ويقول مراقبون أن الحكم يمثل محاولة من الأزهر لتأكيد نفوذه وسلطته في المجتمع المصري.

ويرى هؤلاء أنه لا حل سوى القضم التدريجي من الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الأزهر. هذه الصلاحيات لم تتحول إلى حق مكتسب للمؤسسة في يوم وليلة. استغرق الأمر عقودا وتنازلات سياسية تاريخية. واستعادة هذه الصلاحيات قطعة قطعة هي الطريق الحتمية نحو إعادة الأزهر مرة أخرى إلى مكانه الطبيعي كمرجع ديني “استشاري”.

ويضيف هؤلاء أنه ليس صحيحا أن الأزهر هو الحامي المفترض للدين. فهذه المهمة هي صلب مهام الدولة. منذ عصر الرسالة وصولا إلى النصف الثاني من القرن العشرين، لم يعرف المسلمون هذا الشكل من “الكهنوت” الديني من قبل.

ويعد الحكم أوليًا، وتتم إعادة المحاكمة عقب تسليم المتهم الصادر بحقه حكم غيابي، نفسه للجهات الأمنية أو القبض عليه، وفق القانون المصري.

وبات الأزهر مع الوقت، من المحرمات في وسائل الإعلام المصرية، إذ يتردد الصحافيون في تناول الفساد الإداري داخل المؤسسة، وفي توجيه انتقادات لعراقيل داخله، أصبحت تهدد تجديد الخطاب الديني في مصر.

وأوضح الخطيب في تصريحات سابقة لـ”العرب” إنه واجه “خمس دعاوى قضائية فقط لأنني لامست الحقيقة، وتحدثت عن نفوذ الإخوان المسلمين الواسع في أكبر مؤسسة دينية علمية في العالم الإسلامي”.

ويرى الكثيرون أن الأزهر يعاقب الخطيب على موقفه السياسي المناهض للإسلاميين مستغلا خطابا دينيا شبه رسمي نابع من مؤسسة مازالت تحظى بشعبية وتقدير كبيرين. وأضاف الخطيب، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، “في عام 2013، خلال حكم مرسي، تقدم الإخوان ضدي بـ6 دعاوى قضائية من رئاسة الجمهورية وحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان)، وحزب الوطن الإسلامي المناصر لها”.

وانعكست هيمنة الإسلاميين على المواقع النافذة في المشيخة على تشدد غير مسبوق تجاه باحثين وصحافيين ينتقدون باستمرار غض الطرف من قبل علماء دين على مواجهة أفكار دينية مازالت تشكل حياة الناس العاديين منذ مئات السنين.

وأسفر ذلك عن اتساع نفوذ حركات إسلامية غير تقليدية، مثل تنظيم داعش، نجحت في استقطاب آلاف الشباب المسلمين الغاضبين من جميع أنحاء العالم. ولم يحرك الأزهر ساكنا لمواجهة الظاهرة. وبدلا من ذلك رفع دعوى قضائية ضد الباحث والإعلامي إسلام بحيري، الذي قدم سلسلة حلقات تلفزيونية انتقد فيها الفهم المتشدد للفقه الإسلامي، واتهمه بـ”ازدراء الأديان”.

18