الأزمة المالية تفاقم محن التونسيين مع فقدان الأدوية

اختفاء أصناف كثيرة من الصيدليات نتيجة شح مخصصات التوريد.
السبت 2023/06/03
وجع إضافي لمشاكل مزمنة!

تنذر أزمة اختفاء أصناف من الأدوية من رفوف الصيدليات في تونس منذ شهور طويلة بسبب الأزمة المالية الخانقة بمفاقمة محن التونسيين، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة الذين يكابدون للحصول على مبتغاهم دون بروز حلول عملية في الأفق.

تونس - تجمع أوساط الصحة وحتى المواطنون العاديون في تونس على أن شيوع فقدان الأدوية دخل منعطفا مقلقا، وقد يتحول إلى نقطة سوداء في نظام الرعاية الصحية باعتباره أحد انعكاسات الأزمة المالية التي لا يعلم أحد متى تنتهي.

وتلقي الكوادر الطبية وأصحاب الصيدليات باللوم على السلطات في وصول البلد إلى هذه المرحلة الحرجة من سوء إدارة الوضع، بعد أن أثبتت فشلها في تطويق الأزمة في مجال يعاني أصلا من الفساد الذي ينخر معظم مفاصل الدولة منذ سنوات.

ويخوض المرضى صراعا يوميا محموما للعثور على الدواء مع عجز الدولة التي تعاني من ضائقة مالية شديدة عن توفير كل وارداتها من الأدوية، وهو أمر يعقد مهمة الأطباء في غياب الأدوية البديلة أحيانا ويدفع المرضى إلى البحث عن طرق بديلة للتداوي.

واختفت المئات من الأدوية من أرفف الصيدليات في أرجاء البلاد منذ أشهر، بما في ذلك علاجات لأمراض مزمنة مثل القلب والسرطان والسكري.

نوفل عميرة: الموردون قيدوا مبيعاتهم لتونس لعدم سدادها مستحقاتهم
نوفل عميرة: الموردون قيدوا مبيعاتهم لتونس لعدم سدادها مستحقاتهم

وتقول الدكتورة ضحى معاوي فوراتي، وهي طبيبة تونسية متخصصة في أمراض الكلى وضغط الدم، لرويترز إن “موضوع فقدان الأدوية أصبح صعبا للغاية على المرضى”. وأضافت “لدينا مشكلة حقيقية مع بعض الأدوية التي لا تتوفر لها أدوية جنيسة (بديلة)”.

وكان على فوراتي أن تطلب من بعض المرضى أحيانا محاولة الحصول على أدوية من أوروبا، بما في ذلك تلك المستخدمة للسيطرة على عدم انتظام ضربات القلب، وتخثر الدم، والتي تقول إنه لا يوجد بديل جيد لها في تونس.

وتُظهر الصعوبات التي تواجهها هذه الطبيبة وغيرها تأثير المشاكل المالية المتفاقمة على الناس العاديين، الذين تتزايد مشاعر الغضب لديهم من دولة قادرة بالكاد على الحفاظ  حتى على الخدمات الأساسية.

وتجد تونس صعوبات منذ العام الماضي في تأمين مدفوعات سلع أخرى تُباع بأسعار مدعومة، مما تسبب في نقص دوري في الخبز ومنتجات الألبان وزيت الطهي والسكر والأزر.

ويتزامن ذلك مع انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى 21.6 مليار دينار (6.98 مليار دولار) في مايو الماضي، أي ما يعادل 93 يوم توريد، مقارنة مع 7.6 مليار دولار على أساس سنوي.

وتريد تونس خطة إنقاذ مالي بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والتي حذرت وكالات التصنيف من أنه بدونها قد يتخلف البلد عن سداد ديونها السيادية، لكن الرئيس قيس سعيد رفض الشروط الرئيسية للاتفاق. ويقول مانحون غربيون إن المحادثات تعثرت.

وتستورد تونس الأدوية عبر الصيدلية المركزية المملوكة للدولة، والتي توفر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد.

ويقول رئيس نقابة الصيدليات التونسية نوفل عميرة لرويترز إن المئات من الأدوية لم تعد متوفرة، بما في ذلك أدوية السكري والتخدير وعلاج السرطان.

وأكد أن الصيدلية المركزية مدينة بمبالغ كبيرة لموردين أجانب، مما دفعهم إلى فرض قيود على مبيعاتهم لتونس. وأضاف “المشكلة مالية بالدرجة الأولى”.

وبينما أفاد مسؤولون من الصيدلية المركزية بأن ديونها لموردين أجانب تقدر بحوالي 800 مليون دينار (258.55 مليون دولار)، لكن عميرة يرى أن الرقم يبلغ مليار دينار (325 مليون دولار).

وقال إن “الدولة كانت تغطي العجز المالي في السنوات الماضية، لكنها لم تعد تفعل ذلك بسبب الأزمة المالية المتفاقمة”، موضحا أن هذا هو السبب في غياب الأدوية.

وتعاني الصيدلية المركزية من أزمة مالية أساسا بسبب عدم حصولها على مستحقاتها من الصندوق الوطني للتأمين على المرضى (كنام) والمستشفيات العامة.

◙ علاج أصبح مفقودا
◙ علاج أصبح مفقودا 

وتشير التقديرات إلى أن ثمة 74 شركة تعمل في السوق المحلية، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار.

وكانت وزارة الصحة قد أقرت بالأزمة المالية التي تمر بها مخابر الأدوية والصيدلية المركزية وأنها ستبدأ الإصلاحات العاجلة على غرار ترخيص الترويج بالسوق الخارجية وإنشاء وكالة للأدوية والعمل على تسوية الديون.

ويقول العسكري المتقاعد نبيل بوكحيلي، الذي فتح نقطة غير رسمية لتبادل الأدوية في غرفة صغيرة فوق سطح منزله في حي الزهور غرب العاصمة تونس بالتنسيق مع أطباء محليين، “لدينا العشرات من الأشخاص الذين يأتون إلى هنا يوميا للحصول على الأدوية مجانا”.

ويحصل بوكحيلي على الأدوية من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج، وكذلك الحبوب المتبقية من الأشخاص الذين أنهوا علاجهم، ويعطيها مجانا للأشخاص الذين يمكنهم تقديم ما يثبت حاجتهم إلى الدواء كوصفة طبية.

◙ 325 مليون دولار ديون الصيدلية المركزية رغم تعهد وزارة الصحة بمعالجة المشكلة منذ أشهر

ومن بين هؤلاء نجية القادري، التي تحتاج إلى تناول الدواء يوميا قبل الإفطار لعلاج مشكلة في الغدة الدرقية. وقالت “لقد ظللت دون هذا الدواء منذ أكثر من أسبوع”، مضيفة أنها “شعرت بأنها غير قادرة على الحركة وتشعر بالدوار باستمرار”.

وفي مكان غير بعيد عن حي الزهور، يجلس عبدالسلام المرواني في منزل والديه بحي الزهروني وبداخله مزيج من الغضب واليأس بسبب عدم توفر دواء يحتاجه بشدة في الصيدليات منذ أشهر.

ويعاني الشاب من جفاف في عينيه اللتين لا تنتجان دموعا ويحتاج قطرات طبية لترطيبهما وتقليل الالتهابات، وهي غير متوفرة، ما يجعله معرضا لخطر الإصابة بالعمى وعاجزا عن التنقل.

وبسبب اختفاء الدواء منذ أكثر من ستة أشهر، تفاقمت مشاكله الصحية، فبعد أن فقد البصر بإحدى عينيه يكافح لإنقاذ عينه الثانية التي تحتاج دواء مستمرا وأصبح لا يرى بها إلا بصعوبة.

وتخلى عبدالسلام عن حلمه بالتخرج من الجامعة وبأن يصبح واحدا من رجال القانون. ويروى بحسرة كيف أنه اضطر منذ بداية هذا العام إلى مغادرة مقاعد الدراسة في كلية الحقوق بسبب تفاقم المرض نتيجة غياب الدواء بشكل مستمر.

ويحتاج الشاب علبتين من الدواء يوميا لممارسة حياته بشكل عادي، لكنه لم يتمكن من العثور عليه لستة أشهر، واضطر إلى طلبه من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج، ودفع مقابل ذلك أكثر بكثير مما كان سيدفعه للصيدليات المحلية.

وقال عبدالسلام، الذي أصبحت عيناه تؤلمانه لمجرد النظر إلى الكمبيوتر أو إلى هاتفه المحمول، إن “هذا البلد (تونس) لم يعد بإمكانه توفير حتى علبة دواء”.

◙ طال الانتظار للحصول على الأدوية
◙ طال الانتظار للحصول على الأدوية 

11