الأزمة المالية الحادّة تُجرّع الكويت كأس التقشّف المرّة

الركض لتدارك الأزمة بعد رفض السير المتدرج في طريق الإصلاح.
الجمعة 2020/09/11
التعود على الرفاه يضاعف من وقع الأزمة

مشكلة الكويت لا تتلخّص فقط في مواجهتها أزمة مالية حادّة تعاضدت في صنعها عدّة ظروف على رأسها انخفاض أسعار النفط وضغوط جائحة كورونا على الاقتصاد، ولكنّها تتعدّى ذلك إلى محدودية خيارات الحكومة لتجاوزها، في ظلّ اعتراض البرلمان على بعض الحلول المقترحة، وخصوصا منها ما يمسّ برفاه المواطن الذي اعتاد على مرّ السنوات على سخاء الدولة وكرمها في تقديم الهبات والخدمات بالمجان.

الكويت - تبدو الكويت اليوم وهي تواجه الأزمة المالية الحادّة وتعمل على تطويق تداعياتها، مضطرّة إلى الركض بعد سنوات من التلكّؤ في بدء السير بتؤدة وتدرّج في طريق إصلاح اقتصادها وتنويع موارده للحدّ من ارتهانه الشديد للنفط.

وعقد مجلس الأمّة الكويتي (البرلمان) في وقت سابق هذا الأسبوع جلسة سرّية لمناقشة الحالة المالية للدولة بناء على طلب الحكومة الكويتية، التي قالت مصادر إنّها تتجّنّب إثارة الفزع في المجتمع بشأن سوء الحالة المالية وتحاول قدر المستطاع التكتّم على خلافاتها الحادّة مع البرلمان حول الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة.

وعلى الرغم من ذلك طفت تلك الخلافات إلى السطح عندما هاجم نواب في المجلس طريقة حكومة الشيخ صباح الخالد في التعامل مع الوضع المالي الصّعب، متّهمين إياها بـ”ترويع المواطنين” عبر التلويح بالعجز عن دفع رواتبهم.

ومع وصول الأزمة المالية حدّ التشكيك في إمكانية قدرة الدولة على دفع رواتب موظفيها لشهر أكتوبر القادم، لم يعد ثمّة من خيار أمام الحكومة الكويتية سوى اللجوء إلى حلول هي بمثابة أدوية مرّة لا تناسب الدولة المعروفة بثرائها ورفاه مجتمعها.

وطرح اللجوء إلى تخفيض الإنفاق العام والاستدانة ووضع قيود على تمويل صندوق الأجيال كحلول عاجلة لسد العجز المتفاقم في ميزانية الدولة والذي بلغ في أحدث التقديرات 45.68 مليار دولار خلال العام المالي الجاري الذي ينتهي في مارس المقبل مرتفعا من 25.12 مليار دولار مطلع العام.

ويجري طرح هذه الخيارات في ظل حالة من عدم الوفاق بين الحكومة ومجلس الأمّة (البرلمان) المعترض خصوصا على مراكمة الدين الخارجي معتبرا الأزمة ناتجة عن الهدر وسوء التسيير أكثر ممّا هي ناجمة عن تراجع الموارد وشحّها.

لكنّ أكبر “المحرّمات” لدى نواب مقدمين في نوفمبر القادم على انتخابات برلمانية، هو المساس برفاه المواطنين وطرح حلول من قبيل فرض ضرائب على غرار ما أقدمت عليه دول خليجية أخرى ضمن حزم إصلاحاتها لاقتصاداتها وتنويع مصادر دخلها.

وقد برز هذا المعطى بوضوح لدى الإعلان عن خفض حجم النفقات بالميزانية العامة للسنة المالية الحالية 2020-2021 بنحو 3.1 مليار دولار، عندما شدّد عدنان عبدالصمد رئيس لجنة الميزانيات والحساب الختامي في مجلس الأمّة على القول إنّ التخفيضات لن تمس بحقوق الموظفين أو الدعوم أو المنافع الاجتماعية.

أكبر "المحرّمات" لدى نواب مقدمين في نوفمبر القادم على انتخابات برلمانية، هو المساس برفاه المواطنين

وفي نقده للحكومة أشار عبدالصمد إلى وجود مآخذ كثيرة على التعاقدات الحكومية التي أبرمت خلال أزمة كورونا دون وجود آلية واضحة لذلك.

وأضاف أن الفوائض المالية الفعلية المحققة خلال السنوات من 1999 وإلى غاية 2019، بلغت 163.8 مليار دولار، موضّحا أنّ هذه المبالغ تم ترحيلها إلى الاحتياطي العام، إلاّ أنها استنفدت نتيجة غياب النهج الحصيف في ما يتعلق بمصروفات الدولة.

وتعيش الكويت واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية بسبب تأثيرات كورونا وانخفاض أسعار النفط. وكان وزير المالية برّاك الشيتان قد أكّد الشهر الماضي، أن السيولة المتوفرة تكفي لتغطية الرواتب لشهر نوفمبر المقبل.

ويرفض البرلمان الكويتي مشروع قانون الميزانية للعام الجديد بسبب عدم قبول تمويل عجز الميزانية الحكومية عبر الاستدانة.

وأظهر التقرير الشهري للبنك المركزي الكويتي انخفاض الأصول الاحتياطية الأجنبية للدولة بنسبة واحد في المئة على أساس شهري.

ووفقا لبيانات البنك فقد انخفضت الأصول الاحتياطية للكويت إلى 45.1 مليار دولار في يوليو 2020، مقابل 45.6 مليار دولار في يونيو.

ويعتمد اقتصاد الكويت على الصناعة النفطية وتشكل أكثر من تسعين في المئة من الإيرادات الحكومية، وكان يبلغ إنتاج البلد من النفط 2.8 مليون برميل يوميا قبل أن ينخفض إلى نحو 2.2 مليون برميل بسبب الالتزام بتخفيضات تحالف أوبك+ الهادفة إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط العالمية.

واعترض النواب الكويتيون في وقت سابق على مشروع قانون للدين العام يتضمّن السماح للحكومة باقتراض 66 مليار دولار خلال ثلاثين عاما.

وطرح من ضمن الحلول لمعالجة الأزمة اللجوء إلى صندوق الأجيال، وهو عبارة عن صندوق سيادي يدير أصولا تفوق 533 مليار دولار. ويشمل الخيار المتعلّق بالصندوق الذي يمنع القانون الكويتي السحب منه وقف تمويله إلا في حال تحقيق فائض في الحساب الختامي السنوي للدولة.

وهاجم نواب في البرلمان وخبراء اقتصاديون تعاطي الحكومة الكويتية مع الأزمة المالية معتبرين أنّها تتعمّد التخويف من قضية الرواتب لتمرير مشروعها للدين العام.

ونقلت صحيفة “القبس” المحلّية عن النائب رياض العدساني مطالبته للحكومة بعدم التفكير في المسّ بجيب المواطن، فيما توعّد النائب خليل الصالح بالتصدّي “لأي قرارات تهدّد الوضع المعيشي للمواطن”. أما الخبير الاقتصادي علي رشيد البدر، فقال إنّ حصر الحلول في الدَّين العام هو حديث العاجز.

وكثيرا ما تتعرّض الحكومات الكويتية المتعاقبة لاتهامات بالتراخي في تنفيذ إصلاحات شاملة للاقتصاد، وكذلك بالمسؤولية عن ظاهرة انتشار الفساد في الهياكل الحكومية والإدارية.

وفي مظهر على سوء التسيير، وفي خضم الحديث عن الأزمة المالية المتفاقمة والحاجة إلى الاستدانة لسدّ العجز أثار وزير المالية قضية عجز الحكومة عن تعبئة مواردها للخروج من الأزمة، حيث قال الوزير براك الشيتان إنّ الدولة لم تتمكّن من استيفاء مبالغ متراكمة لدى كلّ من مؤسسة البترول ومؤسسة الموانئ الكويتية يصل مجموعها إلى 21.7 مليار دولار.

3