الأزمة الجزائرية - الفرنسية تدخل مرحلة كسر العظم

فرنسا ستطلب من الجزائر مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها، وستمهلها شهرا إلى ستة أسابيع.
الخميس 2025/02/27
سجال اتخذ منحى تصعيديا

الجزائر- دخلت العلاقات الجزائرية – الفرنسية مرحلة كسر العظم، بعدما منحت الحكومة الفرنسية مهلة زمنية لمراجعة جميع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، وذلك في أعقاب السجال الذي اتخذ منحى رسميا بين الطرفين، بإعلان فرنسا رفض دخول جزائريين يحوزون جوازات سفر دبلوماسية إلى ترابها، ورد الخارجية الجزائرية شديد اللهجة عليه.

وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو أن بلاده “ستطلب من الحكومة الجزائرية مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها، وأنه سيمهل الجزائر شهرا إلى ستة أسابيع لذلك، وأنه في هذه الأثناء ستُقدم للحكومة الجزائرية قائمة عاجلة بالأشخاص الذين يجب أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم.”

وذكر أن “تدقيقا وزاريا” سيتم بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل فرنسا، وأن باريس لا ترغب في “تصعيد” مع الجزائر، ما يوحي بأن الأزمة المندلعة منذ عدة أشهر بين البلدين وصلت إلى مرحلة كسر العظم، في ظل التصعيد غير المسبوق والذي طال الشأن الرسمي.

وشكل القرار الانفرادي المفاجئ “إهانة” للجزائر بحسب مصدر حكومي توقع أن يكون الرد “مماثلا”، وعلق عليه بأن السلطة الفرنسية بقيادة اليمين المتطرف تدفع بالعلاقات الثنائية إلى الحضيض، وأن معالجة الخلافات لا تتم بطريقة “العجرفة والتعالي”، وكأن رئيس الوزراء الفرنسي “يتعامل مع مؤسسة تابعة له وليس (مع) دولة مستقلة.”

فرنسوا بايرو: تدقيق وزاري سيتم بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل فرنسا
فرنسوا بايرو: تدقيق وزاري سيتم بشأن سياسة إصدار التأشيرات من قبل فرنسا

وجاء القرار الفرنسي الجديد تتويجا للقاء جمع رئيس الوزراء الفرنسي الأربعاء مع عدد من أعضاء حكومته، خصص لموضوع الهجرة في ظل الأزمة التي أحدثها هجوم في شرق فرنسا، وتناول الاجتماع بشكل خاص “ضبط تدفق الهجرة، ووسائل تعزيز الرقابة الوطنية والأوروبية والدبلوماسية.”

وقابلت الجزائر قرار فرنسا القاضي بمنع شخصيات جزائرية حائزة على جواز سفر دبلوماسي أو جواز لمهمة من دخول أراضيها، ببيان شديد اللهجة اتهمت فيه الحكومة الفرنسية بانتهاك اتفاق مبرم بين البلدين، كما أنه لم يتم إعلامها مسبقا بذلك.

كما أعلن مجلس الأمة الجزائري، وهو الغرفة الثانية في البرلمان، “التعليق الفوري” لعلاقاته مع مجلس الشيوخ الفرنسي، تنديدا بزيارة رئيسه جيرار لارشيه إلى الصحراء المغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.

وأعربت الخارجية الجزائرية عن استغرابها ودهشتها مما أسمته بـ”التدابير التقييدية على التنقل ودخول الأراضي الفرنسية،” وأدرجتها في خانة “الاستفزازات” التي تشحنها الدوائر السياسية والإعلامية اليمينية في فرنسا، والتي تريد الانحدار بعلاقات البلدين إلى مستوى اللاعودة.

وقالت في بيان لها إنه “لم يتم إبلاغها به بأيّ شكل من الأشكال مثلما تنص عليه أحكام المادة الثامنة من الاتفاق الجزائري – الفرنسي المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية أو لمهمة.”

واعتبرت القرار “حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الاستفزازات والتهديدات والمضايقات الموجهة ضد الجزائر، وأنه لن يكون لها أيّ تأثير على بلادنا التي لن ترضخ لها بأي شكل من الأشكال.” وكان البلدان قد أبرما عام 2013 اتفاقا يسمح لحاملي جواز السفر الدبلوماسي أو جواز لمهمة من الجزائريين بالولوج إلى التراب الفرنسي وفضاء “شينغن” دون المرور بإجراءات التأشيرة.

 

ويأتي القرار الفرنسي المعلن عنه من طرف وزير الخارجية الفرنسي نويل بارو، لوسائل إعلام محلية، في خطوة تصعيدية، لاعتقاد دوائر القرار الفرنسي أن الضغط على النخب الجزائرية المستفيدة من خدمة الجواز الدبلوماسي سيجبر السلطة الجزائرية على الاستجابة لمطالبها خاصة المتعلقة بإطلاق سراح الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال دون قيد أو شرط.

ويذكر مصدر مطلع أن السلطة الجزائرية خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة حوّلت مزايا الجواز الدبلوماسي أو الجواز لمهمة إلى هدية يستفيد منها الموظفون السامون في الدولة، إلى جانب أفراد عائلاتهم والمحظوظين من أقاربهم، وهو ما تريد السلطة الفرنسية توظيفه كورقة تحرج بها السلطة الحالية بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون.

وكان وزير الخارجية الفرنسي قد أعلن أن بلاده أقرت “قيودا على حركة ودخول الأراضي الوطنية تطال بعض الشخصيات الجزائرية،” دون أن يشير إلى هوية وطبيعة تلك الشخصيات.

وأوضح أنها “إجراءات يمكن التراجع عنها وستنتهي بمجرد استئناف التعاون الذي ندعو إليه، وأنها اتُخذت من أجل تعزيز مصالح الفرنسيين أو الدفاع عنها، وعن قضايا عالقة مثل احتجاز الكاتب بوعلام صنصال المسجون في الجزائر، أو استعادة الجزائريين الموجودين في وضع غير نظامي.”

◙ فرنسا بصدد توظيف نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي في إرغام الجزائر على القبول بمقارباتها في علاقاتهما الثنائية

ولفت إلى أن “بلاده مستعدة لاتخاذ المزيد منها إذا لم يُستأنف التعاون الفرنسي – الجزائري في هذا المجال وأنني سأفعل ذلك عن دراية ومن دون إعلانه بالضرورة،” وهي صيغة تهديد غير مسبوقة في تاريخ الخطاب الرسمي بين البلدين.

وبحسب بيان الخارجية الجزائرية “صارت الجزائر على ما يبدو محطّ مشاحنات سياسية فرنسية – فرنسية يُسمح فيها بكل أنواع المناكفات السياسية القذرة في إطار منافسة يحرض عليها ويوجهها ويأمر بها اليمين المتطرف.”

وأكدت على أن هذه “الحركية التي تستدرج في سياقها ليس فقط القوى السياسية الفرنسية، بل أيضا أعضاء الحكومة الفرنسية، ستكون لها عواقب غير محسوبة على جميع جوانب وأبعاد العلاقات الجزائرية – الفرنسية.”

وانتقد رئيس الوزراء الفرنسي رفض الجزائر استقبال جزائري قال رئيس الوزراء بأن “هذا الجزائري عُرض ترحيله أربع عشرة مرة على السلطات الجزائرية. وأربع عشرة مرة قالت السلطات الجزائرية لا، وهذا أمر غير مقبول.”

وتابع “سأقترح تقليص منح التأشيرات من كل الدول الأوروبية في الوقت نفسه، للدول التي لا تستعيد رعاياها المرحّلين، وفي حال لم تتعاون دولة مع السلطات الفرنسية سأقترح أن تقوم في الوقت نفسه كل الدول الأوروبية بتقييد إصدار التأشيرات.”

وبهذا تظهر نية السلطات الفرنسية التوجه إلى شركائها في الاتحاد الأوروبي، لاتخاذ قرار مماثل تجاه أي دولة ترفض استلام مواطنيها المرحلين، وإن لم تتم الإشارة إلى الجزائر تحديدا، فإن السياق الذي جاء فيه التصريح والأسباب الكامنة وراءه يشيان بأن فرنسا بصدد توظيف نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي في إرغام الجزائر على القبول بمقارباتها في علاقاتهما الثنائية.

1