الأزمة الاقتصادية حجر عثرة أمام الإصلاح السياسي في الأردن

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يحرص في كل لقاءاته مع القوى النيابية والحزبية على التأكيد على أهمية إنجاز الإصلاح السياسي، بيد أن هناك عوامل تجعل السير في هذا المسار صعبا، لعل في مقدمتها غياب وجود أحزاب قوية فضلا عن الأزمة الاقتصادية، والأهم غياب الإرادة السياسية.
عمان - أعاد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، تسليط الضوء على الإصلاح السياسي الذي لم يتحقق منه الشيء الكثير رغم مرور قرابة عقد على إطلاقه، في ظل تركيز الحكومات المتعاقبة على أولوية الإصلاح الاقتصادي، فضلا عن سلبية بعض القوى النافذة في التعاطي مع هذا الملف، باعتباره يهدد مصالحها.
وأكد الملك عبدالله الثاني الأربعاء، على أن العامين 2019 و2020 سيكونان مفصليين لجهة تحقيق تقدم في مسار الإصلاح السياسي بتعديل قانوني الأحزاب والانتخابات.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده مع كتلة “وطن” التي تضم رئيس مجلس النواب الحالي عاطف الطراونة، في سياق سلسلة لقاءات بدأها مع الكتل النيابية منذ فترة للاستماع إلى مشاغل النواب ومقترحاتهم حيث كان له قبل أيام اجتماع مع كتلة مبادرة.
وقال الملك عبدالله الثاني خلال لقائه مع رئيس وأعضاء كتلة “وطن” إن تطوير الحياة السياسية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن يكونا في مقدمة أولويات وبرامج الكتل النيابية، مشددا على أن “أن أهم شيء بالنسبة له هو خدمة الأردنيين وتحسين أوضاعهم المعيشية”.
الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأردن منذ سنوات ساهمت في إعلاء مسار الإصلاح الاقتصادي على حساب السياسي
وكشف النائب زيد الشوابكة أهم ما جاء باللقاء الذي حضره 14 نائبا من “وطن” حيث أوضح العاهل الأردني أن العامين 2019 و2020 سيكونان عامي الإصلاح السياسي من خلال العمل على تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب وإصلاح المنظومة السياسية.
وركز الملك عبدالله على أهمية الكتل النيابية في تطوير الحياة السياسية والتعامل مع التحديات التي تواجه الأردن، مؤكدا “على ضرورة وجود خطط مدروسة قابلة للتطبيق من شأنها تعزيز الثقة بعمل الكتل والنواب، إذا أردنا أن نمضي في عملية الإصلاح السياسي بثقة وقوة وسرعة”.
وكان العاهل الأردني قد أطلق في العام 2011 عملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي وذلك في ما بدا محاولة لاحتواء الحراك الشعبي الذي شهدته عدة مناطق أردنية في تماه مع موجة “الربيع العربي” التي عرفتها آنذاك عدة دول عربية ومنطلقها تونس.
وكان مطلب الإصلاح السياسي أحد عناوين التحرّكات الاحتجاجية في الأردن ومثّلت استجابة الملك عبدالله السريعة له، أحد العوامل المؤثرة في تراجع الحراك وفسح المجال أمام بدء مرحلة جديدة، لطالما انتظرتها الأحزاب والقوى المدنية لبناء نظام يقوم على التعددية السياسية ويفتح الباب أمام حكومات منتخبة وليس معيّنة
كما هو واقع الحال، وينهي حالة الجمود القائمة.
وإنجاز إصلاح سياسي في الأردن ليس وليد الحراك الاحتجاجي بل يعود لعقود خلت وقد مهد لتطبيقه الملك الراحل حسين بن طلال حينما أوقف العمل بقوانين الطوارئ، وفتح المجال أمام إجراء أول انتخابات برلمانية في العام 1989 شاركت فيها جلّ الأحزاب السياسية التي لم تكن تملك ترخيصا آنذاك في ظل غياب قانون للأحزاب الذي لم يصدر إلا بعد ثلاث سنوات من تلك الانتخابات، وهو ما عد أول خطوة فعلية في مسار الإصلاح السياسي.
ورغم وجود إرادة ملكية آنذاك للسير قُدما في تحقيق الإصلاح المنشود والوصول إلى حكومات برلمانية، بيد أن “قوى الشد العكسي” حالت دون استمرارية هذا المسار، وساعد ضعف الأحزاب تلك القوى في تبرير هذا الانسداد، ليعيد حراك 2011 المسار إلى الواجهة مجددا.

وأبدت الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الماضية حرصا على تجسيد هذا الشعار على ارض الواقع، خاصة وأن الملك عبدالله الثاني أكد مرارا على وجوب إطلاق ورشة عمل ضخمة لتغيير قوانين الانتخاب والأحزاب بما يتلاءم والوصول إلى الهدف المنشود، بيد أن تلك الحكومات بما فيها حكومة عمر الرزاز الحالية لم تظهر على أرض الواقع أي إرادة حقيقية في السير قُدما في عملية الإصلاح السياسي.
وساهمت الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأردن منذ سنوات في إعلاء مسار الإصلاح الاقتصادي على حساب السياسي، وسط غياب قوة دفع حقيقية لفرض تلازم المسارين.
ويعاني الاقتصاد الأردني أزمات هيكلية لها علاقة بالفساد والتهرب الضريبي ازدادت وطأتها في السنوات الأخيرة نتيجة الصراعات في الجوار والتي اضطر معها الأردن إلى استقبال مئات الآلاف من النازحين فضلا عن إغلاق المعابر الحدودية مع كل من العراق وسوريا (تم فتحها قبل أشهر) الأمر الذي أضرّ كثيرا بالتبادل التجاري للمملكة وأدى إلى كساد مع حالة تضخم كبيرة.
ولم يعد المواطن الأردني مهتما بتحقيق الإصلاح السياسي بقدر تركيزه على ضرورة إنجاز إصلاح اقتصادي يراعي وضعه المعيشي المتدهور، وهو ما بدا واضحا في التحركات الاحتجاجية التي شهدتها المملكة في مايو وديسمبر الماضيين والتي رفعت شعار “معناش” كرد على قانون الضريبة على الدخل، وسط دعوات إلى ضرورة إعادة النظر في كامل المنظومة الضريبية.
ويرى مراقبون أن عودة الملك عبدالله الثاني إلى التركيز على ضرورة السير قُدما في مسار الإصلاح السياسي ينمّ عن إدراك منه بأن المنظومة السياسية القائمة تحتاج إلى إعادة نظر، ذلك أن الحكومات المعينة تتعامل بمنطق “إذا أصبت لك أجران وإذا لم تصب فلك أجر واحد”، بالمحصلة فهي تدرك أنه ليس لديها إرث سياسي تخشى من فقدانه بالمقابل فإن الحكومات البرلمانية ستكون أكثر ديناميكية وحيوية لأنها ستكون ورافعتها السياسية في مواجهة مباشرة مع الشارع في حال حصول أي تقصير أو فشل. ويرجح المراقبون ألاّ تجد دعوات العاهل الأردني الاستجابة المطلوبة في ظل وجود شق من المحافظين من صالحه الإبقاء على المشهد السياسي القائم.