الأزمة الاقتصادية تختبر جدية المعارضة المصرية

القاهرة - نشطت بعض أحزاب المعارضة المصرية أخيرا لإعادة تقديم نفسها للمجتمع من جديد مع انزوائها عن ممارسة أدوارها السياسية، طوعا أو كرها، خلال السنوات الماضية، وبدأت تتخذ من الأزمة الاقتصادية نقطة انطلاق لتصل من خلالها إلى مساحات مشتركة مع هموم المواطنين الذين عزفوا عن السياسة ويشغلهم كثيرا الوضع الاقتصادي وتجلياته مع تفاقم الأزمات المعيشية.
وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة بالحركة المدنية الديمقراطية، وتضم ثمانية أحزاب وشخصيات معارضة، أنها تنوي عقد مؤتمر صحفي في الثامن عشر من الشهر الجاري للإعلان عن رؤية أقطاب المعارضة للتعامل مع الأزمة الراهنة، ستقدم فيه حلولا علنية للحكومة للضغط عليها وإلزامها بمناقشتها صراحة.
واشتبك بيان صدر عما يسمى بـ”حكومة ظل” شكلها حزب المحافظين الليبرالي المعارض، الأربعاء، مع الأزمة الاقتصادية الحالية، شدد فيه على ضرورة تحمل الدولة مسؤولياتها تجاه فشل الحكومة في القيام بمهام عملها، وأن المعارضة في طريقها لإعادة صياغة خطابها وتجديده بما يتماشى مع التطورات، وبما يُعيدها إلى بؤرة المشهد السياسي مرة أخرى.
وحمل البيان كلمات رصينة وقوية في الوقت ذاته، حيث عبر الحزب عن أن المجتمع المصري أصابته حالة من الإحباط نتيجة اعتقاد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن أصوات الشعب غير مسؤولة أو منظمة وأن عبارة “بطلوا هري (كلام غير دقيق)”، أثارت جدلا واسعا وجرى استخدامها من قبل في ما يخص أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وقال الحزب “الحكومة والأحزاب في الأصل صنوان قويان بينهما رابطة أساسية وهى الحاجة الملحة على التعاون لتذليل الصعاب التي يواجهها المواطن، ليس في تحقيق الأحلام الوطنية الكبرى فحسب، إنما في ما يواجهه من أزمات تمس دورة حياته اليومية في أدق تفاصيلها، مثل الأكل والشرب والعلاج، كما هو حاصل الآن”.
وأكدت الرسائل التي بعث بها حزب المحافظين على قناعته بضرورة أن تقوم مؤسسات الدولة بمعالجة الاختلالات التي تقع فيها الحكومة، وإشراك المواطنين في القضايا التي تخصهم، والأحزاب طرف أصيل لا يمكن تجاوزه، وأنها لا تختلف في التوجهات العامة للدولة وأزمتها في قناعاتها وتعاملها مع المشكلات.
ويعد حزب المحافظين من أكثر الأحزاب حضورا، ويقوم بدور تنسيقي بين القوى المشاركة في “الحركة المدنية الديمقراطية” ويستضيف اجتماعاتها، ولأعضائه نشاط في فعاليات سياسية عدة، وينظم صالونا أسبوعيا يناقش فيه قضايا تهم الوطن.
وأوضح رئيس حكومة الظل في حزب المحافظين باسل عادل أن ما يصدر عن حكومة الظل يُعبر عن الهيئة العامة للحزب التي تعد الحكومة أحد أفرعها، ويستهدف الحزب من خلالها تقديم سياسات بديلة وبلغة مختلفة في كل الملفات والوزارات تجاه قضايا تشغل المواطنين، وما ينبثق عن الحكومة من تشريعات لها ديباجة سياسية ويعقد الحزب وأعضاء الحكومة ورش عمل قبل اتخاذها، ما يمنح القرارات جدية كبيرة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن احتدام الأزمة الاقتصادية تطلب أن يكون هناك خطاب جاد يحظى باحترام الرأي العام ويليق بتاريخ الأحزاب المصرية التي كانت لديها خطابات وصفت الأوضاع التي مرت بها الدولة وقدمت حلولا لها، أصابت هدفها دون مواربة أو استخدام عبارات تقليدية لا تحظى بقبول واسع في المجتمع.
وأشار عادل إلى أن الحزب يرى أنه لا بد أن يتسم بالشجاعة الكافية لمواجهة الأزمة الحالية والتعبير بصورة قوية عما لا يقبله، حيث اعتمد الحزب سابقا على مبدأ تقديم النصائح وإرسال إشارات للحكومة بلا استجابة منها، ودون اعتبار للقوى السياسية وما تقدمه من رؤى، ويطمح الحزب ليكون على رأس الأحزاب الليبرالية ويطرح نفسه كبديل جاد للعثرات التي أصابتها الفترة الماضية.
وتحولت غالبية الأحزاب المصرية إلى مقار فارغة وتضاءل عدد المنخرطين في أنشطتها، ولم يتخط المشاركون في الانتخابات الداخلية التي نظمتها بضع مئات من الناخبين، ما كشف الضعف الذي أصابها، ودائما ما تصطدم بانتقادات شعبية ترى أن قياداتها يبحثون عن المناصب فقط وتفتت العدد الكبير منها أو ترهل سياسيا، وأدت الإجراءات الحكومية التي ضيقت حركتها في الشارع إلى إصابتها بالمزيد من الشلل.
واستعادت بعض الأحزاب نشاطها مع إتاحة مساحات للتحرك أمامها، وأثبت نواب الحزب الديمقراطي الاجتماعي (معارض) في البرلمان حضورهم في مواجهة تصورات حكومية مرفوضة من قبلهم، من دون تأثير ملموس على التوجهات العامة.
واعتمد حزب الإصلاح والتنمية على خبرات رئيسه البرلماني محمد أنور السادات، والذي اعتاد إلقاء الحجارة في المياه السياسية الراكدة، بينها حديثه عن مستقبل الحكم السياسي في البلاد مع إجراء انتخابات الرئاسة العام 2024، وإن كان الحزب يعاني من مشكلات الأحزاب الأخرى وترتبط باعتماده على صوت أحادي في مواقفه.
ويتفق مراقبون على أن انطلاق الحوار الوطني والإعداد له استغرقا وقتا طويلا، ما دفع الأحزاب لتصعيد خطابها مستفيدة من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها مواطنون كثيرون، وإنقاذ نفسها من الانتقادات التي واجهتها عقب تقديمها تنازلات للسلطة دون أن تحصل على مكاسب سياسية.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي إن الأحزاب تستمد قوتها من اختياراتها الاقتصادية ومواقفها المختلفة من الأزمات التي تواجهها المجتمعات التي تتواجد فيها، ما يفسر اهتمام الأحزاب المصرية مؤخرا بالقضايا ذات الأبعاد الاقتصادية، والتي تحظى باهتمام المواطنين، ما يساعدها على إعادة تشكيل قواعدها في الشارع.
وتوقع في تصريح لـ”العرب” أن يتصاعد حضور أحزاب المعارضة إذا حافظت على تقديم توجه إصلاحي وابتكار بدائل قابلة للتطبيق وعدم الاكتفاء برفض السياسات الحالية، ومن الصعب تقييم جهودها الآن فمازالت في أولى خطواتها بعد انفراجة تشهدها الحياة السياسية في البلاد، والفرصة متاحة أمامها لتطوير خطابها وتصحيح تصوراتها الخاطئة، والأهم أن تجد المناخ الذي يدعم قوتها على الأرض.
ولدى البعض من قادة الأحزاب قناعة بأنه لا يجب الانتظار إلى ما تقدمه الحكومة من مكاسب للأحزاب والبحث عن أطر للتحرك تضمن تقديم خطاب موضوعي للرأي العام يمكن أن يُعيد ثقة المواطنين فيها ويمنحها ثقلا سياسيا تستطيع من خلاله الضغط على مؤسسات الدولة لمنحها مساحة أكبر للحركة السياسية.