الأزمات الكبرى تختبر عمق العلاقات بين مصر والسعودية

زيارة عبدالفتاح السيسي إلى الرياض تعكس رغبة البلدين في تنسيق المواقف المشتركة حيال الأزمة الأوكرانية.
الجمعة 2022/03/11
تنسيق على مستوى عال

الرياض/القاهرة - تعبر زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الرياض الثلاثاء عن رغبة البلدين في تنسيق المواقف المشتركة حيال التأثيرات المتوقعة لعملية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على المنطقة العربية، حيث يمكن أن تتغير العديد من المعادلات الراهنة في ظل تشابكات مختلفة تربط القاهرة والرياض بمعسكري الأزمة.

وأشاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عند استقباله الرئيس السيسي بدور مصر في دعم أمن الدول العربية واستقرارها وجهودها لتعزيز العمل المشترك، مؤكداً تطلع بلاده لمواصلة دفع العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين في مختلف المجالات.

وأكد الرئيس السيسي اعتزاز مصر بالروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، وتقدير القاهرة على المستويين الرسمي والشعبي لمواقف الرياض الداعمة لإرادة الشعب المصري وجهوده التنموية.

وتطرقت المباحثات إلى تطورات عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتم تأكيد أهمية تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات المختلفة التي تشهدها المنطقة وتكثيف التشاور وتنسيق المواقف بشكل مستمر في ضوء تعدد وخطورة الأزمات التي تشهدها بعض الدول في المنطقة.

حسين هريدي: زيارة السيسي إلى الرياض مرتبطة بالأزمة الروسية - الأوكرانية

وتمثل الأزمات الكبرى اختبارا قويا لمتانة العلاقات المشتركة ويميل الجانبان إلى زيادة وتيرة التعاون والتنسيق فيها، الأمر الذي ثبتت فعاليته في مناسبات متعددة أبرزها حرب أكتوبر 1973 التي لعب فيها سلاح النفط السعودي دورا سياسيا مهما لصالح مصر في معركتها ضد إسرائيل.

ويعيد ذهاب السيسي المفاجئ إلى الرياض تصحيح بعض الانطباعات التي تولدت عن وجود خلافات في آليات التعاطي مع تفاصيل بعض القضايا الإقليمية لأن ارتدادات الأزمة في أوكرانيا قد تكون لها تبعات كبيرة على بلدين يحرص كل منهما على وجود توازن في العلاقات مع كل من روسيا والولايات المتحدة.

وبثت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية تقريرا حول زيارة السيسي أشادت فيه بأهمية العلاقات بين البلدين ومتانتها، واختتمته بالقول “ستبقى متميزة وراسخة لأنها مستمدة من تاريخ طويل جمع البلدين والشعبين الشقيقين عبر سلسلة من الأحداث والوقائع التي يمكنها أن تحصن العلاقات من أي خلافات تشوبها أو تعترضها مستقبلا”.

وحاولت زيارة السيسي وضع الكثير من الأمور السياسية في نصابها، فأزمة أوكرانيا مفتوحة على احتمالات مختلفة ربما تصيب شراراتها البلدين إذا تبنى كل منهما توجها مناقضا للآخر، وتبدو جملة المواقف حاليا منصبة على التزام الحياد ما يؤدي إلى هزة في العلاقة مع واشنطن التي تكثف جهودها لاستقطاب القاهرة والرياض.

ولدى كل دولة أدوات لها علاقة بالأزمة، فالرياض يمكنها التأثير على أسعار النفط العالمية مع الزيادة الكبيرة فيها، والقاهرة معها مفاتيح قناة السويس إذا احتدمت الحرب وخرجت عن نطاق السيطرة، وكل منهما في حلقة مرارات سياسية مع واشنطن.

وتحتاج مصر من السعودية دعما ماليا ونفطيا عاجلا في أجواء يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع في البلاد وتؤدي إلى غضب شعبي، بينما تحتاج الثانية موقفا حاسما لدعم التحالف العربي في اليمن وألا تحصر دورها في المهام البحرية.

وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي أن زيارة السيسي مرتبطة بالأزمة الروسية - الأوكرانية، لأن لها تداعيات اقتصادية وسياسية بالغة الصعوبة، والتشاور بينهما يرمي لمعرفة كيف تقف الرياض إلى جانب الدول العربية غير المنتجة للنفط كي لا يتزعزع استقرارها جراء الأزمة العالمية الخاصة بالطاقة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن العلاقات بين القاهرة والرياض ليست في حاجة إلى اختبارات لتثبت كم هي قوية لأنها بالفعل كذلك بحكم المصير المشترك، فالولايات المتحدة تتحدث عن إمكانية عقد اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، ما يرفع عنها عقوبات بالمليارات من الدولارات قد توجه جزءا منها لدعم الميليشيات الحوثية في اليمن.

السيسي يحظى باستقبال مهيب
السيسي يحظى باستقبال مهيب

وأشار إلى أنه “لا يمكن لدولة واحدة سواء مصر أو السعودية تأمين سواحل البحر الأحمر، ولذلك فالزيارة تتضمن تنسيقا عسكريا على مستوى عال، كرسالة ردع شديدة اللهجة موجهة إلى أي قوى تسعى للتدخل في شؤون البلدين أو تهدد أمنهما.

ومنح تردد مصر عن المشاركة بفاعلية في الهموم الأمنية لدول الخليج فرصة لدول أخرى لتقديم مقاربات على حسابها، فتركيا لا تقتصر علاقتها على قطر ويمكن أن يؤدي التحسن الحاصل مع كل من السعودية والإمارات إلى تعظيم مكانة أنقرة في المنطقة، كذلك الحال مع إسرائيل التي تشارك الخليج هواجسه في تمدد إيران.

وكرر الرئيس المصري خلال زيارته إلى الرياض أن الأمن القومي لدول الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، مشددا على أهمية ضمان أمن البحر الأحمر، باعتباره ركيزة أساسية في حركة التجارة الإقليمية والدولية، بما يتطلبه من تضافر جهود الدول المشاطئة لضمان حرية وأمن الملاحة فيه.

ويقول مراقبون إن هناك فرصة لحدوث استدارة مصرية - سعودية كبيرة إذا تمكن الطرفان من تنسيق المواقف على أساس المصالح الحقيقية، فهذه لحظة تاريخية يمكن أن يطوى بموجبها أي تباين سياسي سابق وتصفى فيها الحسابات المعلقة الخاصة بأمن الخليج وحرب اليمن وذيول التباعد في الأزمة السورية.

ويضيف المراقبون أن تقارب المواقف في التعامل مع كل من قطر وتركيا كان تجربة جيدة لم يتم البناء عليها بين القاهرة والرياض وفاتت فرصة لم تكتمل للتعاون والتنسيق في المواقف الإقليمية، وجاءت الفرصة في أزمة أوكرانيا الضخمة، والتي يمكن استثمارها في تأكيد أن الأزمات الكبرى تظهر معدن العلاقات بين البلدين.

2