الأزمات الاقتصادية تقوض صناعة الطاقة الصاعدة في مصر

جولة جديدة من عمليات زيادة الإنتاج في حقول الغاز البحرية.
الأربعاء 2023/03/15
التمشيط مستمر والاستكشافات لن تتوقف

يحذر محللون من أن تراكم الأزمات الاقتصادية في مصر قد يعرقل صناعة الطاقة الصاعدة والتي تراهن عليها القاهرة للتحول إلى مركز حيوي للطاقة، رغم وجود دلائل على طفرة في هذا المجال بفضل تتالي تدفق الاستثمارات الأجنبية وبدء عمليات الإنتاج في حقول جديدة.

القاهرة- يتواصل التفاؤل حول مستقبل مصر كمركز إقليمي وعالمي للطاقة حيث تتمتع منطقة شرق المتوسط باحتياطيات وفيرة من الغاز الطبيعي، وتستمر الاكتشافات الجديدة فيها بشكل متسارع.

وبنت الحرب بين روسيا وأوكرانيا المستمرة منذ أكثر من عام، في ظل مخاوف أمن الطاقة في أوروبا، مزيدا من التعاون بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان لاستغلال تلك الاحتياطيات.

وارتفع الطلب على صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر بشكل مفاجئ ومن المتوقع أن يتواصل نموه مع زيادة حاجيات أوروبا.

سيريل ويديرشوفن: استثمار مصر في النفط والغاز لا يزال قويا رغم المشاكل
سيريل ويديرشوفن: استثمار مصر في النفط والغاز لا يزال قويا رغم المشاكل

ويقول سيريل ويديرشوفن الكاتب في منصة “أوبل برايس” الأميركية إن “هذه العوامل الخارجية توحي بأن مستقبل مصر مشرق”، لكنه يرى أن أكبر اقتصاد في شمال أفريقيا وصل إلى الحضيض مع استمرار ارتفاع التضخم والاضطرابات الداخلية التي تشكل تهديدا كبيرا.

ومع ذلك تحرز مصر تقدما في إنتاج الغاز الجديد. وذكرت شركة الطاقة البريطانية إنرجين هذا الأسبوع أنها بدأت إنتاج الغاز الطبيعي من امتيازات شمال العامرية وشمال إدكو في البحر المتوسط.

وكانت الشركة قد وقّعت مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية في 2021، وكان من المتوقع أن يكون تدفق الغاز الأول في غضون 26 شهرا. وانطلق إنتاج الغاز الأول على مستوى بئر أن.إي.أي 26، بينما سيبدأ تشغيل ثلاثة آبار أخرى خلال 2023.

ويشمل مشروع تطوير هذه الآبار حوالي 39 مليون برميل نفط مكافئ من إجمالي الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة مع صافي حصة إنتاج قد تصل إلى ذروتها عند 15 و20 ألف برميل من المكافئ النفطي يوميا في 2024.

ويتضمن الاتفاق مع شركة إنرجين إنشاء أربعة آبار تحت سطح البحر بالإضافة إلى ربط الآبار بالبنية التحتية لمحطة المعالجة الحالية لشركة أبوقير للبترول.

وبحسب بيانات وزارة البترول، أنتجت مصر العام الماضي نحو 50.6 مليون طن من الغاز الطبيعي وحققت رقما قياسيا في صادراته لتصل إلى 8 ملايين طن بقيمة 8.4 مليار دولار مقارنة بنحو سبعة ملايين طن قبل عام بقيمة 3.5 مليار دولار فقط.

وأكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريح لصحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية الخميس الماضي اهتمام بلاده بتزويد إيطاليا بالغاز الطبيعي. وسبقت تصريحاته زيارته إلى روما التي ستشمل محادثات أخرى حول التعاون الاقتصادي الثنائي.

ووقّعت مصر وإسرائيل بالفعل اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022 لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي المسال.

كما وقّعت إسرائيل اتفاقا آخر مع شركة توتال إنرجيز الفرنسية العملاقة للنفط والغاز وشركة إيني الإيطالية، مما يمكّنهما من البدء في التنقيب عن الغاز الطبيعي في إطار صفقة حدودية بحرية تاريخية مع لبنان.

وستُربط صادرات الغاز الإسرائيلية الرئيسية أو ستتدفق عبر البنية التحتية ومصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر.

8.4

مليار دولار عوائد تصدير 8 ملايين طن من الغاز في 2022 مقابل 3.5 مليار دولار قبل عام

وتصدرت مصر عناوين الأخبار في الأسابيع الماضية فيما يخصّ القضايا، التي قد تكون مقلقة للوضع في البلاد وللمستثمرين والمستوردين الأوروبيين للغاز الطبيعي المسال.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 32.9 في المئة خلال فبراير الماضي مقابل 10 في المئة خلال فبراير الماضي.

ومن أسباب مستويات التضخم الحالية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بواقع 61.5 في المئة، وأسعار المساكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنحو 8.1 في المئة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بنحو 16.8 في المئة على أساس سنوي.

كما أفاد جهاز الإحصاء أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين بلغ 161.3 نقطة لشهر فبراير، مسجلا ارتفاعا قدره 7.1 في المئة عن شهر يناير الذي يسبقه.

وأكد أن معدل التضخم الرئيسي السنوي ارتفع إلى 26.5 في المئة في يناير الماضي، مقارنة بنحو 8 في المئة في يناير 2022.

وحذّر المحللون منذ سنوات من عدم توازن التنمية الاقتصادية العامة في مصر ومن كونها لا تركز على القضايا الأساسية الحقيقية التي تقيد النمو الاقتصادي وتضعفه.

وكان الدعم الحكومي المصري يستنزف ميزانية البلاد على مدى عقود. وتراجع هذا الدعم على مدار العامين الماضيين، لكن الضغط على الميزانيات المالية تواصل.

وتشمل القضايا الرئيسية الأخرى ضعف العملة وحقوق الملكية الضعيفة وتدخل الدولة والجيش في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية. وأدى هذا إلى ردع الاستثمارات الدولية والحد من المنافسة.

ههه

ويؤكد ويديرشوفن أن الاستثمار في النفط والغاز بمصر لا يزال قويا رغم التضخم المتفشّي والمشاكل الاقتصادية، لكن الاستثمار الأجنبي المباشر خارج هذا القطاع منخفض. كما لا تزال مصادر الدخل الرئيسية مرتبطة بالتحويلات والسياحة ورسوم عبور قناة السويس.

ومع ذلك يقول ويديرشوفن إن الدفاع المكلف عن الجنيه المصري والافتقار إلى الإصلاحات الهيكلية وانخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر من الأمور التي لها تأثير ضار على اقتصاد البلاد.

وبينما حددت الحكومة توقعات نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 4 و5 في المئة في سنة 2023، فقد يقوّض ارتفاع عدد السكان كل التوقعات.

وتتمثل الأزمة الرئيسية بالنسبة إلى المصريين العاديين في انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار. وقد انخفض بنسبة 50 في المئة تقريبا منذ مارس 2022.

60

في المئة من المصريين البالغ عددهم أكثر من 104 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، مقارنة بنحو 30 في المئة قبل انتشار الوباء

وأدى هذا التطور إلى نقص حاد في الدولار، مما أثر على الواردات وراكم البضائع في الموانئ. وتبرز الإحصائيات أن حوالي 60 في المئة من المصريين البالغ عددهم أكثر من 104 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، مقارنة بنحو 30 في المئة قبل انتشار الوباء.

وطلبت مصر قروضا من دول الخليج العربية وصندوق النقد الدولي. وتزداد شروط القروض شدّة بينما تتدفق المزيد من الأموال الأجنبية إلى البلاد.

وتقدر القاهرة أن مستوى الدين الحكومي سيصل إلى 93 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو رقم تريد خفضه إلى 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026. ولا يعرف أحد كيف تخطط الحكومة لتحقيق ذلك.

وأوضح ويديرشوفن أن الخيارات المنطقية كتقليص المشاريع الكبيرة أو التخفيض في ميزانيات الدفاع تبقى غير واردة في الوقت الحاضر.

ويرجع جزء من الزيادة الحالية في الدين الحكومي إلى برنامج الإنفاق الدفاعي الكبير، الذي دفع مصر لتصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم.

ويمكن أن تزعزع الأزمة الاقتصادية والمالية المتجددة استقرار الحكومة المصرية الحالية وهياكل الدولة، كما قد تعرّض صناعة الغاز الطبيعي المسال المزدهرة إلى الخطر.

ويمكن أن تشكل القرارات أحادية الجانب التي اتخذتها القاهرة لإعادة التركيز على تسييل الاحتياطيات تهديدا محتملا للتماسك الحالي داخل منتدى غاز شرق المتوسط.

10