الأردن يفعّل إنفاذ وثيقة ضبط الجلوة العشائرية

عمان - أعلن وزير الدولة لشؤون المتابعة والتنسيق الحكومي الأردني نواف التل الخميس عن تفعيل إنفاذ وثيقة ضبط الجلوة العشائرية، وهي وثيقة تقطع مع ممارسات اجتماعية أردنية متوارثة يصفها المنتقدون بأنها تقوض تطبيق سيادة القانون والحقوق.
وتقضي الجلوة العشائرية بترحيل أقارب مرتكب جريمة القتل حتى الجد الخامس عن منطقة الواقعة، وتعتبر إحدى التقاليد الاجتماعية الأكثر سلبية على المجتمع باعتبارها تجمّد الحقوق القانونية وتهدرها باسم الأعراف، ما يجعل أبرياء لا علاقة لهم بالجريمة يدفعون ثمن علاقتهم بالجاني اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.

مازن الفراية: الوثيقة خطوة لإنهاء ظواهر الجلوة غير الحضارية
ويعتبر الأردنيون العشائر أداة للضبط الاجتماعي، وعاملاً مهماً في ترسيخ القيم المجتمعية التي تحقق التماسك الذي يرعى المصالح الوطنية، ويحقق أمن الفرد وأمانه ويصون عرضه، تمهيداً لترسيخ السلم المجتمعي. لكن على الرغم من أهمية الدور، ثمة من يعتبر عاداتها بديلاً عن تطبيق سيادة القانون والحقوق.
وتضمنت الوثيقة الجديدة للجلوة العشائرية، التي تفاوضت بشأنها الحكومة الأردنية مع العشائر وقبلت بها، بنوداً مهمة من بينها حصر المشمولين بالجلوة بالقاتل ووالده وأبنائه الذكور، وتحديد مدتها بسنة واحدة قابلة للتجديد بحسب ظروف القضية ومعطياتها التي يقررها الحاكم الإداري والمجلس الأمني التابع للمحافظة.
وتشمل إجراءات الجلوة اختفاء الجد الخامس عن الأنظار في بداية ما يعرف “بفورة الدم بعد جريمة قتل”، وذهاب الجد الرابع إلى منطقة تحددها مجموعة عشائر من المنطقة ذاتها. وأما الجد الثالث فيغادر المنطقة ولا يعود إلا بموافقة أهل المجني عليه، فيما يرحّل الجدان الأول والثاني لفترة يحددها اتفاق عشائري.
ومنذ بدء تطبيق بنود وثيقة ضبط الجلوة العشائرية في الأردن في سبتمبر، وتنفيذ الخطوات الحكومية الجديدة، عاد حوالي 4300 شخص إلى منازلهم، وفق الأرقام والمعلومات الصادرة عن وزارة الداخلية، فيما تُبذَل الجهود لإعادة ما بين 500 إلى 700 شخص ما زالوا متضررين إلى منازلهم.
وأعلن عدد من الحكام الإداريين والمحافظين الانتهاء من ملف الجلوة العشائرية في مناطقهم تماماً، مثل محافظات معان والمفرق والزرقاء، وعدد من الألوية في مختلف مناطق المملكة.
وقال وزير الداخلية مازن الفراية إن “الوثيقة تمثل خطوة على طريق إنهاء ظواهر الجلوة غير الحضارية في ظل التقدم الاجتماعي والعلمي”.
ووعد الفراية بـ”تنفيذ بنود الوثيقة بكل حزم وجدّية بعيداً عن المجاملات، تمهيداً لتحقيق الأمن والسلم المجتمعي المطلوبين، مع عدم السماح بتعريض حياة المواطنين للتجاوزات وبالمس بحريتهم في الإقامة والسكن والعيش الكريم”.
المجتمع الأردني ما زال يعمل بالقضاء العشائري على الرغم من دولة القانون والمؤسسات التي تأسست مع بداية تكوين الدولة الأردنية
وما زال المجتمع الأردني يعمل بالقضاء العشائري على الرغم من دولة القانون والمؤسسات التي تأسست مع بداية تكوين الدولة الأردنية.
وظلت الأعراف والقوانين العشائرية قائمة عبر العديد من الموروثات والعادات القديمة التي تعارف عليها الناس عبر السنوات بحيث أصبحت دستوراً بينهم، فقبل سنوات قليلة ثبت أن القضاء العشائري ما يزال حاضراً بقوة، بعد أن صدر قرار من أحد القضاة العشائريين بالحكم على شاب بقطع لسانه بعد تحرشه اللفظي بفتاة، وتم استبداله بدفع مبلغ 56 ألف دولار.
واليوم أصبح مصطلح “الحق العشائري” بمثابة رديف للقوانين النظامية، لكن ثمة من يرى فيه مكملاً ومسانداً للدولة، بينما يعتقد آخرون أن دوره بات يفوق دور السلطات الرسمية في بعض الأحيان.
ويفرض الجلوة العشائرية الحاكمُ الإداري سنداً إلى أحكام قانون منع الجرائم الرقم (7) لسنة 1954، الذي تشوبه شبهة عدم دستورية بحسب العديد من التقارير الوطنية المعنية بحقوق الإنسان لأنه يسمح بالاعتقال بشكل لا يستقيم مع إجراءات التقاضي السليمة في القانون الأردني والمعايير الدولية المتعلقة بهذا الخصوص.
وكان المشرعون الأردنيون قد ألغوا رسمياً الجلوة العشائرية من النظام القانوني للدولة حين أقرّوا “قانون محاكم العشائر” في عام 1976. وفي أغسطس من عام 2016 أقرّت اللجنة القانونية الوزارية الأردنية تعديلات على “قانون منع الجرائم” من أجل إضفاء الشرعية على الجلوة، لكن تطبيقها حُصر في شخص يزعم أنه ارتكب الجريمة إلى جانب أطفاله ووالده، على ألا تتجاوز عاماً واحداً، إذا لم توافق وزارة الداخلية على تمديده.