الأردن يعزز انعدام الثقة في الإعلام بمنع النشر في وثائق باندورا

صحافيون يلتزمون بالرقابة الذاتية في القضايا الحساسة خوفا من الملاحقة القانونية.
الخميس 2021/10/07
المعلومة المطلوبة غير موجودة

التزمت وسائل الإعلام الأردنية بالرد الرسمي على وثائق باندورا التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية والدولية، ولم تستطع تداول القضية بطريقة ترضي الجمهور الأردني بسبب تعليمات منع النشر وتمسك الصحافيين بالرقابة الذاتية.

عمان - اكتفت وسائل الإعلام الأردنية بنشر رد الديوان الملكي حول وثائق باندورا التي كشفت وثائق مالية مسربة تتعلق بعقارات اشتراها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، فيما تداولت تقارير إخبارية أنباء عن منع النشر في القضية كما جرت العادة في الأردن عند الحديث عن قضايا تشغل الرأي العام.

وفشلت وسائل الإعلام المحلية مجددا في التعامل مع حدث شغل الأردنيين وأثار ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي التي نقلت تفاصيل هذه الوثائق عن وسائل الإعلام الدولية، بينما التزم الإعلاميون الأردنيون بالرقابة الذاتية وفضلوا الصمت حيال ردود فعل الناس.

وحاولت وسيلة إعلام واحدة في الأردن هي موقع “عمان نت” تناول القضية، ورغم أن الصياغة متوازنة إلا أن التقرير لم يصمد طويلا وبعد ثلاث ساعات تم حذفه.

ونشرت العديد من الصحف الدولية  مثل “واشنطن بوست” و”المجموعة الدولية للصحافيين الاستقصائيين” الوثائق التي تضمنت معلومات عن أموال الملك عبدالله.

وذكرت أن شبكة من الشركات المملوكة سراً استخدمها الملك عبدالله لشراء 15 عقاراً، منذ توليه السلطة في عام 1999.

ورد الديوان الملكي الأردني في بيان الاثنين قائلا إن المعلومات التي نشرت استنادا إلى “وثائق باندورا” بشأن عقارات الملك عبدالله الثاني “غير دقيقة” و”مغلوطة” وتمثل “تهديدا لسلامة الملك وأسرته”.

وأضاف “احتوى بعضها (التقارير) على معلومات غير دقيقة، وتم توظيف بعض آخر من المعلومات بشكل مغلوط، شوّه الحقيقة وقدّم مبالغات وتفسيرات غير صحيحة لها”.

باسل العكور: مواجهة الأخبار الكاذبة والمضللة لا تتم بالتعتيم

واعتبر البيان أن “ما قامت به بعض وسائل الإعلام من إشهار لعناوين هذه الشقق والبيوت هو خرق أمني صارخ وتهديد لأمن وسلامة جلالة الملك وأفراد أسرته”.

وذكرت مصادر مطلعة داخل مؤسسات إعلامية أردنية أن هذه المؤسسات تعرضت لضغوط أمنية رسمية مسبقة وأخرى بعد النشر تسببت في حذف الأخبار التي نشرت في هذا الخصوص، بينما قال آخرون إن هناك رقابة ذاتية لدى الصحافيين في القضايا الحساسة بسبب ممارسات السلطات والتشريعات المقيدة للإعلام، حيث يتم استعمال القوانين لملاحقة الصحافيين بتهم مثل إثارة الفتنة ونشر أخبار كاذبة وتضليل الرأي العام.

وبيّن مركز حماية وحرية الصحافيين في مؤشر حرية الإعلام لعام 2020 في الأردن أنه بعد سنوات من التدخل المباشر أعادت وسائل الإعلام التموضع، وأصبح رؤساء التحرير ومدراء التحرير ومحررو الديسك يقومون بالرقابة القبلية وتنقيح المحتوى وحذف أو تعديل ما يرونه مخالفا لتوجهات الدولة والحكومة.

وقال المركز نقلا عن استطلاع أجراه بين صحافيين أردنيين أن 96 في المئة لديهم رقابة ذاتية قبل النشر.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُمنع فيها وسائل إعلام أردنية من نشر أخبار صحافية حول العائلة المالكة؛ فقد تكرر المشهد في ما عرف بـ”قضية الفتنة” عندما صدر قرار قضائي يقضي بمنع النشر، إلى جانب الضغوط الأمنية.

ورأى صحافيون أن وسائل الإعلام الأردنية فشلت في إمساك العصا من المنتصف والتعامل مع القضية بموضوعية واتزان، ملمحين إلى نظرية المؤامرة بخصوص توقيت نشر الوثائق. وقال باسل العكور -ناشر “جو 24”- في مقال “مواجهة الأخبار الكاذبة والمضللة لا تتم بالتعتيم ومحاولة الحجب ومنع التداول، فمهما بلغت إمكانات الدول وقدراتها والجدار الحديدي الذي تفرضه على شعوبها، فإنها لن تنجح البتة في الحيلولة دون انتشار هذه الشائعات والتسريبات وأحيانا الحقائق، وخاصة إذا تبنت هذه المعلومات وسائل إعلام عالمية كبيرة وموجهة ومؤدلجة، بحجم ‘بي.بي.سي’ و’واشنطن بوست’ وغيرهما”.

وأضاف العكور “في حالتنا -ونحن هنا نتحدث عن وثائق باندورا- التوقيت ليس بريئا البتة، ولكن هذا وحده لا يرد على الأسئلة الكبيرة التي طرحت والتي تحتاج إلى توضيح رسمي فوري وعاجل ومقنع”.

Thumbnail

وأشار إلى حقيقة يعرفها جيدا خبراء الإعلام والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي أن محاولات الحجب تغذي وتؤجج الرغبة في معرفة حيثيات وتفاصيل المعلومات التي لا يُراد لها أن تصل و يجري تداولها، فكل ممنوع مرغوب، وإذا لم تجر مواجهة هذه الرواية بأسلوب علمي ومهني ومحترف فإنها ستقود إلى تشكل انطباع لدى المتلقي، وإذا تشكل هذا الانطباع فإنه سيصبح أقوى من الحقيقة، ولن تنجح معه بعد ذلك أية محاولة لتصحيح وتصويب الموقف.

واعتبر خبراء أن تغييب المعلومة بموجب القوانين التي تمنع النشر في القضايا أثر عكسيا على الجمهور وأثار استنكار الأردنيين، حيث اتجهت القنوات العربية إلى إجراء تحليلات سياسية واستضافة مسؤولين أردنيين عبر شاشاتها، في الوقت الذي يبث فيه التلفزيون الأردني برامج ترفيهية بعيدة كل البعد عما يشغل الأردنيين.

وأكد المدير التنفيذي لـ”مركز حماية وحرية الصحافيين” نضال منصور في تصريحات سابقة أن أوامر وقرارات منع النشر تعتبر تضييقا على حرية التعبير وعلى حرية الإعلام. وأضاف “لدينا موقف قانوني يعتبر ويصنف قرارات حظر النشر باعتبارها من بين الانتهاكات التي تقع على الإعلاميين”.

ويطرح المتابعون لهذه القضايا أسئلة حول جدوى منع نشر الأخبار في العالم الرقمي المفتوح، الذي فتح المجال واسعا لتداول المعلومات؟ وفي حال تجاهلت وسيلة إعلامية معينة خبرا هاما، ألن يجد الجمهور ما يكفي من معلومات عنه في الكثير من وسائل الإعلام الأخرى؟

ويفتح حظر النشر المجال واسعا لانتشار الشائعات والأخبار غير الدقيقة أو المضللة، ويتفق الكثير من المحللين على أن عدم نشر نتائج التحقيقات يتسبب في بلبلة الرأي العام، بل ويثير الشكوك حول القضاء ذاته، كما اشتكت السلطات الأردنية مرارا من انتشار الشائعات وتأثيرها على الأمن في البلاد.

ويشكك الصحافيون في قدرة تعميمات حظر النشر على خدمة المصلحة العامة، متسائلين أليس من الأفضل تزويد وسائل الإعلام  بالمعلومات المهمة وطرح رواية رسمية متماسكة ذات مصداقية تغلق الباب أمام الشائعات والمعلومات المغلوطة؟

ويرى البعض أن مواقع التواصل الاجتماعي قزمت الدور الرقابي الذي قد يؤثر سلبا على نشر المعلومات والأخبار الهامة، إذ كثيرا ما تم تداول أخبار عن قضايا ممنوعة من النشر على أوسع نطاق وبالتالي لم يؤثر قرار الحظر على وصولها إلى الجمهور.

18