الأردن يضع حدودا لسخرية "الحدود"

الحجب في الأردن خطوة جديدة نحو تهديد حرية التعبير.
الاثنين 2023/07/10
تغطية لا تروق للسلطات

العاملون في موقع “الحدود” الساخر تعجبوا من أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزوجته الملكة رانيا وقفا في الصف الأول لإدانة الاعتداءات على “شارلي إيبدو”، في حين أن الأردن اليوم يحجب موقعاً ساخراً.

عمان - حجبت السلطات الأردنيّة موقع “شبكة الحدود” الساخر المعروف بانتقاداته اللاذعة، دون إعلانٍ رسمي أو توضيح الأسباب، في مؤشر على تراجع الحريات في المملكة.

و”الحدود” شبكة ساخرة تتضمن موقعا إلكترونيا وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تأسست في العام 2013.

وتعرّف الشبكة نفسها على موقعها على الإنترنت بنبرة ساخرة بأنها “لا تمثّل موقعاً إخبارياً، فالأخبار في نهاية المطاف نميمة منظمة، إنما هو موقع مخصص للسخرية والكوميديا التي يصيبها السواد أحياناً، تطرح فيه وجهات نظر ونقد لاذع لأحداث المنطقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.

وأكدت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا) حجب موقع “الحدود” في الأردن منذ 26 يونيو الماضي.

وقالت الجمعية عبر حسابها في تويتر إنه “على غرار حالات حجب سابقة في الأردن، تستخدم شركتا زين وأورانج للاتصالات تقنية الفحص العميق للحزم (DPI)، لمنع حركة المرور إلى الموقع الإلكتروني”.

وصرّح عاملون في الموقع لوسائل إعلام عربيّة أنّ “شبكة الحدود لا تستثني أحدًا من السخرية، والحجب في الأردن خطوة جديدة نحو تهديد حريّة التعبير الذي تشهده المملكة”.

وتعجب العاملون من أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزوجته الملكة رانيا وقفا في الصف الأول إلى جانب قادة العالم العام 2015 لإدانة الاعتداءات الإرهابية على “شارلي إيبدو”، في حين أن “الأردن اليوم يحجب موقعاً ساخراً، ربما شكّل تهديداً لا نعلم ما هو”.

وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إنّ حجب شبكة “الحدود” جاء بعد نحو شهر على الزفاف الملكي لولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، حيث نشرت الشبكة بعض المواد الساخرة المتعلّقة بالحدث. وتناولت فيها تكاليف الزفاف وحق المواطن في التساؤل عن هذه المسائل، إضافة إلى انتقاد فكرة منع الاحتفالات بالتزامن مع الزفاف، كما نشرت رسماً كاريكاتيرياً للفنانة البحرينية سارة قائد عنوانه “أفراح”، حيث ظهر ولي العهد الأردني وعروسه ومن خلفهما رجال وأطفال في الزي التقليدي الأردني يحملون حقائب ويقتطعون من ملابسهم ويلقون على العروسين، على غرار إلقاء الورود، في إشارة على ما يبدو إلى أن نفقات الزفاف الملكي اقتطعت من الميزانية العامة وأموال الشعب.

وعلق ناشط:

وسخر آخر من تدني مستوى الحريات في الأردن، قائلا:

وعبر حسابها في تويتر انتقدت الصحافية اللبنانية ديانا مقلد حجب “الحدود” في الأردن، واصفةً إياه بأنه “موقع ساخر ظريف يقارب التناقضات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية بأسلوب مازح”. ثم استدركت بالقول “لكن الأنظمة متجهمة عابسة تعتقد أن خنق الابتسامة سيقوي من عضدها وسيعيد إليها هيبة لم تستحقها يوماً”.

وأعربت عن “التضامن الكامل” مع “‘الحدود’ ومع الساخرين والساخرات في المنطقة العربية الذين منهم من طرد ومنهم من قُتِل، وآخرون في السجن لتغيب الابتسامات الساخرة ويبقى لنا ثقل ظل الزعماء والقادة وخفّتهم التي لا تُحتَمل”.

وتأسست شبكة “الحدود” في الأردن قبل عقد من الزمان ولكنها انتقلت إلى المملكة المتحدة في عام 2015، وتضمّ كتابا ورسامي كاريكاتير وكوميكس من مختلف مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي معروفة بسياسة “تكافؤ الفرص” التي لا تترك أي بلد بمنأى عن ذلك.

السلطات الأردنيّة تحجب موقع “شبكة الحدود” الساخر المعروف بانتقاداته اللاذعة، دون إعلانٍ رسمي أو توضيح الأسباب

ويتم نشر الموقع باللغة العربية وهو نادر في منطقة تستهدف بانتظام الصحافيين والنشطاء لانتقادات حقيقية أو متصورة للقادة.

ولم يسبق أن تعرضت الشبكة للحجب أو المضايقات في الأردن. واقتصر الأمر على بعض النصائح التي ينقلها “المحبّون”، بحسب تعبير مصادر التحرير، والتي تصل إلى بريد الشبكة بضرورة الحذر من تناول قضايا حسّاسة، خصوصاً تلك التي تمسّ العائلة الحاكمة.

وبدأ فريق “الحدود” التحضير لنشر أخبار ساخرة عن حجب الشبكة في الأردن. وقال أحد أعضاء هيئة التحرير “خبر الحجب في الأردن يمكن أن يصير بدوره خبراً ساخراً إذا عرفنا أن الشبكة غير محجوبة في سوريا أو في مصر مثلاً!”.

ونشرت الشبكة على موقعها الإلكتروني “قال مصدر لـ’الحدود’ لقد فوجئنا لأنهم كان بإمكانهم فعل ذلك في السنوات العشر الماضية. إذا قاموا بحظرنا وكنا نشرة ساخرة، فهذا منحدر زلق حقًا”.

وقال المصدر إنهم غير متأكدين مما أدى إلى فرض الرقابة على الموقع، لكن ربما كانت تغطيتهم لحفل الأمير الحسين أو تسريبات وثائق باندورا وراء الحظر.

وأضاف “المشكلة في المنطقة هي أنه لا يوجد للأسف الكثير من الساخرين المتكافئين في الفرص”، موضحًا أن الساخرين غالبًا ما يتجنبون انتقاد البلدان التي يقيمون فيها أو يتم تمويلهم فيها.

و”الحدود” من وسائل الإعلام النادرة التي لا تترك أي بلد بمنأى عن الأنظار، ويحمى مؤلفو عناوينها المهينة بغياب التوقيعات المنشورة.

وعلق الكاتب الأردني أحمد حسن الزعبي “هذا جزء من سلسلة طويلة من الهجمات على حرية الرأي والتعبير. هذه ضربة أخرى لسمعة الأردن في الحرية. السخرية مقبولة في كل مكان آخر في العالم”.

وقام الأردن بشكل روتيني بحجب المواقع الإخبارية أو إصدار أوامر حظر النشر لوسائل الإعلام المحلية بشأن بعض القضايا، لكنه تجاهل إلى حد كبير منصات السخرية والترفيه.

وتستخدم الحكومة الأردنية مجموعة متنوعة من التهم لإسكات المعارضة، بما في ذلك قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعاقب بالسجن لنشر منشورات كاذبة على الإنترنت أو تسبب “ضررًا” للآخرين.

لم يسبق أن تعرضت الشبكة للحجب أو المضايقات في الأردن. واقتصر الأمر على بعض النصائح التي ينقلها “المحبّون”، بحسب تعبير مصادر التحرير

وذكرت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح أنه “منذ مراجعة القانون الخاص بالصحافة والنشر في 2012، عزّزت السلطات رقابتها على تدفق المعلومات، خاصة على شبكة الإنترنت، حيث شهد العقد الأخير حجب المئات من المواقع. وبموجب قانون الجرائم الإلكترونية المعتمد سنة 2015، أصبح من الممكن أن يؤدي نشر تدوينات على المواقع الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي إلى الاعتقال. وبذرائع أمنية، تلاحق السلطات الصحافيين بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي يلفه الغموض التام”.

وسجّلت مؤسسة “سمير قصير” حجب “الحدود” كأحدث انتهاك لحرية الصحافة والتعبير في الأردن الذي شهد سبعة انتهاكات أخرى منذ بداية العام الجاري بدأت بمنع مجلس النواب الأردني الإعلام من تغطية اجتماعات مناقشة الموازنة العامة في يناير الفائت، مروراً بالاعتداء بالضرب على المصور الأردني أمير خليفة خلال تغطيته اجتماعاً نقابياً، واقتحام “مجهولين” مكتب قناة “وسط البلد” الأردنية وتحطيم محتوياته، ومنع محافظ عمّان عرض مسرحية للفنانة الفلسطينية رائدة طه.

بالإضافة إلى محاكمة الكاتب والصحافي أحمد الزعبي في قضية “حق عام”، ومنع البرلمان الأردني الإعلام مجدداً من حضور وتغطية جلسة البت في قضية النائب عماد العدوان الذي اعتُقل سلفاً في إسرائيل ووجهت إليه تهم تهريب أسلحة وذهب إلى الضفة الغربية المحتلة، وأخيراً الهجمات الإلكترونية التحريضية ضد المحامية والحقوقية هالة عاهد بسبب عقدها ندوة تعريفية بالفكر النسوي.

وسجلت منظمات حقوقية دولية تراجعا في الحريات الإعلامية في الأردن في السنوات الأخيرة، حيث خفضت منظمة فريدوم هاوس تصنيف الأردن من “حرة جزئيًا” إلى “غير حرة” في عام 2021 بسبب حملتها على النقابات العمالية.

وفي سبتمبر 2021 حذرت هيومن رايتس ووتش من أن السلطات الأردنية كثفت مضايقات واضطهاد الصحافيين والنشطاء والمنظمات الحقوقية.

5