الأردن يجد نفسه بين تهميشين، عربي وإسرائيلي

رسالة أردنية وراء عرقلة رحلة نتنياهو إلى الإمارات مفادها أن عمّان لن تقبل بعد اليوم تهميشها.
الجمعة 2021/03/19
تذكير بالدور الأردني الإقليمي

عمان - يواجه الأردن وضعا سياسيا إقليميا عصيبا وإحساسا بفقدانه دورا حيويّا ظل الزعماء الأردنيون يحرصون على التمسك به منذ تأسيس دولة شرق الأردن مطلع القرن الماضي.

وأمام متغيرات إقليمية واقتصادية جارفة في الشرق الأوسط يجد الأردنيون أن عملية تهميشهم وصلت إلى مستويات جديدة بعد أن انشغل الخليج بمشاكله الاقتصادية والتغيرات التي أوصلت جيلا شابا إلى قيادة دوله بحسابات سياسية مختلفة، في حين انزوى العراق بعيدا خلف مشاكله.

وفاقمت المواقف الإسرائيلية المتتالية إحساسَ الأردن بالتهميش السياسي وهو الأمر الذي جعل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يتحرك للتذكير بالدور المهم الذي تلعبه بلاده في التوازنات الإقليمية.

وحملت عرقلة الأردن رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإمارات رسالة مفادها أن عمان لن تقبل بعد اليوم بتهميشها، وهي الخطوة التي يربطها البعض بتعويل المملكة على الرئيس الأميركي جو بايدن، في حين يستبعد آخرون حدوث تدخل أميركي من هذا النوع.

أحمد عوض: إدارة بايدن مريحة أكثر لسياسة الأردن ووضعه ومصالحه
أحمد عوض: إدارة بايدن مريحة أكثر لسياسة الأردن ووضعه ومصالحه

وكان دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لنتنياهو غير محدود وتجسد أساسا في اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل متجاهلا وصاية الأردن عليها، وهو ما شجع نتنياهو على طرح مسألة السيطرة على منطقة الغور، وهو أمر اعتبره الأردن تهديدا مباشرا لأمنه.

لكن التهميش الإسرائيلي يرتبط بالدرجة الأولى بإحساس نتنياهو أنه لم يعد بحاجة إلى من يوصل رسائله لدول الخليج، وأن عصرا جديدا من التعامل المباشر قد بدأ.

وفي المقابل قلصت دول الخليج التي تواجه أزمات سياسية واقتصادية دعمها المالي المباشر للأردن، وما زاد من حدة الأزمة الأردنية أن التقشف في المنطقة انعكس سلبا على تحويلات الأردنيين المقيمين، مما مثل عبئا إضافيا على اقتصاد البلد المتراجع.

ويقوم العاهل الأردني بزيارات مستمرة لدول الخليج، وسعى للتقارب مع السعودية والإمارات بدرجة كبيرة، ثم أرسل إشارات ثانية تفيد بأن باب بلاده مفتوح أمام قطر وحليفتها تركيا.

لكن المشاكل بين دول الخليج ثم مسعى التصالح الأخير قد يزيدان من تهميش الموقف الأردني.

وجاءت الأزمة الأخيرة مع إسرائيل لتكشف مدى الغضب الأردني من الوضع الحرج الذي وضعت فيه البلاد.

ويقول أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية إن “تأخير منح الإذن لطائرة نتنياهو بعبور أجواء المملكة في زيارة أرادها استعراض نصر قبل الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل في إسرائيل، رسالة سياسية قاسية من الأردن يفيد فحواها بأن الأمور لم تعد تحتمل”.

وألغى نتنياهو الخميس زيارة تاريخية إلى الإمارات على خلفية “صعوبات في التنسيق” مع الأردن بشأن عبور مجاله الجوي.

وكانت ستكون الزيارة الأولى منذ توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين في سبتمبر الماضي.

وستُجرى الانتخابات الإسرائيلية في الثالث والعشرين من مارس للمرة الرابعة خلال أقل من عامين. ويسعى نتنياهو في حملته الانتخابية إلى استثمار مسألة تطبيع علاقات بلاده مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب التي حصلت خلال الأشهر الماضية بمباركة ورعاية من إدارة ترامب.

وبدأت الأزمة بعد إلغاء ولي العهد الأردني الأمير الحسين زيارة كان سيقوم بها إلى المسجد الأقصى في القدس واتهم الأردن إسرائيل بعرقلتها.

Thumbnail

وأكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية من باريس الجمعة أن ولي العهد كان ينوي القيام بزيارة دينية الخميس الماضي إلى “الحرم القدسي الشريف لأداء الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج”.

وأضاف أن “إسرائيل أرادت فرض ترتيبات وتغييرا في برنامج الزيارة، ما دفع الأمير إلى إلغائها لتفادي التضييق على المقدسيين”.

وأوضح “تتنكر للاتفاق مع الأردن وتعطل زيارة دينية وتخلق ظروفا جعلت زيارة دينية في مناسبة مقدسة مستحيلة ثم تتوقع أن تأتي إلى الأردن وتحلق عبر أجوائه؟”.

ويقول مسؤول أردني فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية “العلاقات مع نتنياهو متوترة منذ سنوات طويلة”، مشيرا إلى أن العاهل الأردني الملك عبدالله “يرفض استقباله أو تلقي مكالمات منه”.

ويعود آخر لقاء معلن رسميا بين الطرفين إلى يونيو 2018، وكان ذلك اللقاء الأول حينها منذ 2014.

ووصف العاهل الأردني عدّة مرات السلام مع إسرائيل بأنه “سلام بارد”. واعتبر في خريف عام 2019 أن العلاقات معها “في أدنى مستوياتها على الإطلاق”.

ويرى عوض أن “إدارة ترامب كانت إسرائيلية ويمينية أكثر من اليمين الإسرائيلي”، مضيفا أن “إدارة بايدن مريحة أكثر لسياسة الأردن ووضعه ومصالحه”.

في المقابل يستبعد مراقبون تدخل إدارة بايدن لصالح الأردن ويتوقعون فرض واشنطن ضغوطا على عمان بسبب ملفات تتعلق بحقوق الإنسان.

ويرى هؤلاء أن الملف الحقوقي الذي ظل على هامش العلاقات مع واشنطن خلال ولاية ترامب واتخذه بايدن عنوانا رئيسيا لسياسته الخارجية من المتوقع أن يفضي إلى عودة الضغوط الأميركية على الأردن الذي يشهد تراجعا في مؤشرات الحقوق والحريات العامة، بحسب منظمات غير حكومية.

ويرتبط الملف الحقوقي خصوصا بعملية الإصلاح السياسي المتعثرة التي طالما انتقدها مسؤولون ودبلوماسيون أميركيون في الإدارات الديمقراطية السابقة.

1