الأردن محاصر بين ضغوط الداخل والحفاظ على علاقاته مع الغرب

عمان – يسعى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وحكومته إلى التوفيق بين مطالب ملايين من مواطنيه لجر المملكة إلى حرب غزة، وبين علاقات عمان الوثيقة مع واشنطن، ناهيك محاولات الحفاظ على معاهدة السلام المستمرة منذ ثلاثة عقود. وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول بسفارة أوروبية في عمان، قوله إنه مع استمرار الحرب في غزة وتنامي التوترات في الشرق الأوسط، تتزايد التحديات التي الاقتصادية التي تواجه الأردن، وفي مقدمتها تراجع الدخل السياحي.
ووفق إحصاءات رسمية تراجعت الإيرادات السياحية منذ بداية العام بنحو 6 في المئة، ولكنها لا تكشف الصورة الكاملة، إذ يؤكد عاملون في القطاع أن مبيعاتهم خلال أشهر من 2024 لم تتجاوز 10 في المئة من المبيعات مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان.
وتراجع إيرادات قطاع السياحة في المملكة ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه السلطات الأردنية، إذ أنها أمام "عملية توازن صعبة" بسبب الحرب في غزة، حيث تتصاعد الاحتجاجات، التي تطالب بمواقف أكثر تشددا تجاه إسرائيل، فيما تحتاج المملكة للحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.
ومنذ بداية الحرب في غزة، في أكتوبر عام 2023، تخرج تظاهرات بشكل أسبوعي ويومي في بعض الأشهر، والتي تحمل شعارات داعمة للفلسطينيين وتندد بما يحصل في غزة، وكان آخرها مسيرات خرجت، الجمعة، في وسط العاصمة، عمّان، رغم حرارة الشمس الحارقة.
وتسببت الحرب التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر، بكارثة إنسانية في قطاع غزة مع سقوط عشرات آلاف القتلى.
وعلى مسافة ليست ببعيدة عن وسط البلد، في شارع كان يشهد حركة سياحية يعرف باسم "شارع الرينبو"، لم يعد يستقطب السياح كما كان سابقا، خاصة مع استمرار الحرب.
وقالت التاجرة إسراء قادر (38 عاما) "إنها أسوأ ما أعرفه... لن يتحسن شيء حتى تتوقف الحرب في غزة".
وتنتشر مثل هذه المشاعر على نطاق واسع في جميع أنحاء الأردن في المجمعات الظليلة للقصور الملكية، والفنادق ذات الخمس نجوم حيث يشرب النخبة ويرقصون، والأحياء الفقيرة المزدحمة في العاصمة والمدن الإقليمية المليئة بالأتربة على حد سواء.
ومنذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر في إسرائيل والغزو الإسرائيلي اللاحق لغزة، لم تواجه سوى دول قليلة في المنطقة تحديات حادة مثل تلك التي تواجه الأردن، مع عدد كبير من سكانه من أصل فلسطيني، وأدواره البارزة في العالمين العربي والإسلامي، وصعوباته الاقتصادية، وجيرانه الذين مزقتهم الحرب.
ومع تزايد عدد الضحايا في غزة، أصبح الغضب في الأردن، كما هو الحال في أماكن أخرى من المنطقة، "مشتعلا للغاية"، كما قال مسؤول في سفارة أوروبية في عمان.
وفي أبريل الماضي، جاءت لحظة حاسمة عندما ردت إيران على ضربة إسرائيلية على مباني قنصليتها في سوريا أسفرت عن مقتل كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي.
وأسقطت الأردن، بمساعدة الولايات المتحدة، العديد من الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية التي أطلقت على أهداف في إسرائيل أثناء تحليقها فوق المملكة. وقال المسؤولون في عمان إن الأردن يدافع عن سيادته ويحافظ على سلامة سكانه البالغ عددهم 12 مليون نسمة.
ورغم الثناء الذي حظيت به تصرفات المملكة من جانب القوى الغربية، فإن هذه التصرفات أدت إلى اتهامات في الداخل بأنها تحمي إسرائيل.
وتهيمن التيارات الإسلامية في المملكة على الاحتجاجات المنتظمة التي تنظم أيام الجمعة، وفي إحدى الاحتجاجات الأخيرة اقترب بعض المشاركين من توجيه انتقادات علنية نادرة العاهل الأردني الذي يحكم المملكة منذ عام 1999.
وقالت عبير، وهي معلمة تبلغ من العمر 46 عاما، ولم ترغب في ذكر اسمها بالكامل "الحكومة لا تفعل شيئا... إنهم في صف إسرائيل وعليهم التوقف".
وقال آخرون إن حكام الأردن يدركون جيداً الغضب الشعبي الداخلي، كما يدركون أهمية علاقات المملكة بالغرب، خاصة بعد أن أصبحت المملكة هدفا لإيران.
وزعمت الصحيفة أنه في "أروقة السلطة في عمّان، تجرى نقاشات حول ما إذا كان ينبغي خفض أو تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لديها قوات في المملكة، وترسل قرابة 1.5 مليار دولار سنويا كمساعدات".
ونقلت الصحيفة عن محمد أبورمان، من معهد السياسة والمجتمع في عمّان قوله "لديك وجهات نظر مختلفة داخل النظام".
ومن جانبها قالت المحللة السياسية، كاترينا سمور إن "المملكة توازن بين الضغوط المختلفة، لكنها هذا قد لا يكون في صالحها، إذ أن الأردن وضَع نفسه كحكم ووسيط".
ويدين الأردن في التصريحات على لسان مسؤوليه ارتكاب "جرائم الحرب البشعة" في غزة، ويحث المجتمع الدولي على "التحرك بشكل فوري وفاعل، وإلزام إسرائيل بتحمل مسؤولية ممارساتها ومحاسبتها على أفعالها".
ودعمت المملكة قرارات المحكمة الجنائية الدولية في مايو التي طلب مدعيها العام إصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافة إلى قادة من حركة حماس.
ورغم أن الأردن لا يزال يعتبر دولة ليبرالية نسبيا بالأخص لدى مقارنة المملكة بالعديد من دول المنطقة، يرى العاملون في مجال الإعلام أن "الخطوط الحمُر للنظام" بشأن ما يمكن نشره دون تداعيات قد شُدِّدت "بشكل كبير" منذ بدء الحرب.
وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش "هناك مساحة محدودة بشكل متزايد لأي تعبير، ورقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتقال للصحفيين".
وذكرت الغارديان أنه تم اعتقال ما لا يقل عن 1000 متظاهر في عمّان في الشهر الأول من الصراع، خاصة في المظاهرات القريبة من السفارة الإسرائيلية، والتي حاول البعض اقتحامها.
وقال نشطاء للصحيفة البريطانية إنه تم اعتقالهم بعد أن تم التعرف عليهم كمنظّمين أو ألقوا خطابات. وقال أحدهم لصحيفة الغارديان إنه أمضى أسابيع في السجن في وقت سابق من هذا العام قبل تبرئته من جميع التهم.
وقال الناشط، الذي لم يشارك في الاحتجاجات قبل 7 أكتوبر إن احتمال الاعتقال شبه المؤكد لم يكن رادعا، ولن يكون كذلك في المستقبل.
وأضاف "رأيت الكثير من أصدقائي يُحتجزون، وكانت الاعتقالات وحشية للغاية. كنت أعرف أن وقتي سيأتي. لكن الأردن مهم للغاية في هذا الصراع (في غزة) وما زلت أشعر أنه يتعين علي القيام بشيء ما".
وقد جلبت الأزمة تحديات اقتصادية، مع انتشار الشكاوى من ارتفاع معدلات التضخم واتساع فجوة التفاوت بشكل مذهل.
وقال رمان "هناك الكثير من عدم الاستقرار، والشعور بعدم وجود آمال سياسية، ومعدل البطالة بين الشباب مرتفع للغاية".
وتزعم الإحصاءات الرسمية أن عائدات السياحة انخفضت بنسبة 6 في المئة فقط حتى الآن هذا العام، لكن الأدلة المتناقلة تشير إلى أن هذا أقل من الحقيقة. وتقول قدر، التاجرة في شارع الرينبو، إن مبيعات منتجاتها الصحية المصنوعة من الملح والطين من البحر الميت بلغت عُشر ما كانت عليه قبل عام، مما يجعل من الصعب توفير الطعام لأسرتها الممتدة المكونة من سبعة أفراد.
وقالت يوستينا فريد، وهي تاجرة أخرى في شارع الرينبو، إنه في بعض الأيام لم يدخل أحد للنظر إلى السيراميك والأوشحة والجِمال المصغّرة التي تصطف على رفوف متجرها، ناهيك عن شراء أي شيء. وأضافت الشابة البالغة من العمر 27 عاما لصحيفة الغارديان "الشيء الوحيد الذي يريده الناس هو الكوفية الفلسطينية"، مضيفة "نحن جميعا نصلي من أجل نهاية الحرب".