الأردن في مهمة شاقة لمعالجة تراكم أعباء قطاع الكهرباء

قطاع الكهرباء يعتبر أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تهدد استقرار المالية العامة وتضع قيودا أمام جهود التنمية المستدامة.
الأربعاء 2025/06/25
أعباء متراكمة في قطاع الكهرباء

عمان - يواجه الأردن مهمة شاقة في سعيه لمعالجة مشكلة الأعباء المتراكمة في قطاع الكهرباء، الذي يشكل عبئًا ماليًا واقتصاديًا متزايدًا على الدولة، نتيجة تراكم الديون وارتفاع كلفة التوليد وتذبذب مصادر التزود بالطاقة خلال السنوات الماضية.

ورغم الجهود الحكومية لزيادة الإنتاج وتفادي نمو الديون، فإن هذا القطاع يعتبر أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تهدد استقرار المالية العامة وتضع قيودًا أمام جهود التنمية المستدامة. وفي أحدث مؤشر على ذلك حذر منتدى الإستراتيجيات الأردني من أزمة في القطاع، واصفًا المديونية المتراكمة على شركة الكهرباء الحكومية بأنها “كرة ثلج متدحرجة” باتت تشكل أحد أبرز التحديات أمام الاستقرار الاقتصادي.

وفي ورقة سياسات جديدة نشرت الثلاثاء وأوردتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، طرح المنتدى رؤية استباقية لمعالجة الأزمة، داعيًا إلى التخلي عن الحلول التقليدية المتمثلة في رفع الأسعار، وتبني نهج مبتكر يرتكز على تحفيز الاستهلاك وإعادة هيكلة التعرفة.

لا بد من تبني نهج مبتكر يرتكز على تحفيز الاستهلاك وإعادة هيكلة التعرفة
◙ لا بد من تبني نهج مبتكر يرتكز على تحفيز الاستهلاك وإعادة هيكلة التعرفة

وتعود جذور الأزمة إلى عوامل متعددة، من بينها الاعتماد الكبير على واردات الطاقة، ولاسيما الغاز الطبيعي، لتوليد الكهرباء. وبذلك ظل الأردن عرضة للصدمات الخارجية، سواء المرتبطة بأسعار الطاقة أو بانقطاع الإمدادات كما حدث في العقد الماضي مع توقف إمدادات الغاز المصري بين عامي 2011 و2013.

وهذه الظروف أجبرت البلد على اللجوء إلى مصادر أكثر كلفة، مثل الوقود الثقيل والديزل، ما راكم الخسائر على شركة الكهرباء، التي تحملت وحدها كلفة فرق التعرفة والطاقة المستوردة. ولأن الحكومة لم ترفع الأسعار على المستهلكين في ذلك الوقت، تراكم عجز شركة الكهرباء إلى أكثر من 5.9 مليار دولار خلال أربع سنوات فقط.

ومنذ 2016 وقّعت السلطات عقودًا جديدة لاستيراد الغاز، ووسّعت مشاريع الطاقة المتجددة والصخر النفطي، بحسب وثائق اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة. لكن هذه الخطوات رافقها ارتفاع في كلفة التعاقد نتيجة التزامات “خذ أو ادفع”، وتراجع الطلب المحلي، وهو ما زاد من أعباء رسوم القدرة وفاقمَ العجز. وبنهاية العام الماضي بلغت مديونية الشركة 8.9 مليار دولار. ومن المتوقع أن تصل إلى 11.7 مليار دولار بحلول عام 2028.

ورغم الإجراءات الحكومية، مثل تعديل تعرفة الكهرباء، لم تُعالج جذور الأزمة، بل دفعت العديد من كبار المستهلكين إلى تقليص الاستهلاك أو الخروج من الشبكة. وأدى ذلك إلى انخفاض متوسط التعرفة وزيادة العجز.

وتشير التقديرات إلى أن كلفة الكهرباء من بين الأعلى عربيًا، إذ تبلغ 49.4 دولار لاستهلاك 500 كيلوواط لكل ساعة، و169.25 دولار لنحو ألف كيلوواط لكل ساعة شهريًا. ويستورد الأردن، الذي يعد من بين أكثر الدول العربية اعتمادا على المساعدات الخارجية، الجزء الأكبر من الغاز الطبيعي حاليا من إسرائيل بموجب اتفاق يمتد لمدة 15 عاما، يقوم على شراء ما قيمته مليار قدم مكعب كل عام.

واستعرض المنتدى عددا من العوامل التي ساهمت في تفاقم العجز المالي في قطاع الكهرباء، كما أوضحت الورقة أن الحكومة تبنت سلسلة من الإجراءات لاحتواء جزء من العجز المزمن. وأوصى خبراء المنتدى بتبني تعرفة محفزة للاستهلاك، بخلاف التعديلات السابقة التي ركزت على زيادة الإيرادات برفع الأسعار على كبار المستهلكين.

8.9

مليار دولار ديون شركة الكهرباء في 2024 ويتوقع أن تنمو إلى 11.7 مليار بحلول 2028

واقترحوا تخفيضات مدروسة في التعرفة لتحفيز جميع الفئات على زيادة استهلاكها، استنادا إلى فرضية “مرونة الطلب على الكهرباء”، بحيث تؤدي زيادة الاستهلاك إلى تعويض جزء من كلف الكميات المتعاقد عليها وغير المستهلكة حاليا عبر رسوم القدرة.

وبينت الورقة أن إحلال المركبات الكهربائية محل التقليدية يولد وفورات مالية للمواطنين يعاد ضخها في الاقتصاد، ما يسهم في زيادة الاستهلاك المحلي ويعزز الإيرادات الضريبية. وفي ضوء ذلك يطالب الخبراء بمراجعة قرار رفع الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية، لما لهذا القرار من أثر سلبي على استهلاك الكهرباء وحرمان قطاع التوزيع من فرص تعزيز الإيرادات.

وأكد منتدى الإستراتيجيات الأردني في ورقته على أن “معالجة أزمة قطاع الكهرباء لم تعد ترفا أو خيارا مؤجلا، بل أولوية وطنية تتطلب تدخلا إستراتيجيا عاجلا وشاملا.”

وشدد على أن تنفيذ توصياته، ولاسيما تلك المتعلقة بسياسة تحفيز الاستهلاك وإعادة تسعير الكهرباء ضمن نهج استباقي، سيسهم في إعادة ضبط توازنات القطاع وضمان استدامته، بما يدعم النمو ويعزز تنافسية البلد في الأسواق الإقليمية والدولية. ويتجه البلد إلى تنمية اقتصاده الهش لزيادة حصة الطاقة من المصادر المتجددة إلى النصف بنهاية العقد الحالي، مقارنة مع نسبة واحد في المئة مسجلة في عام 2014.

والأسبوع الماضي قالت الأمينة العامة لوزارة الطاقة أماني العزام إن “إستراتيجيات الأردن الطموحة في مجال الطاقة المتجددة أسهمت بحوالي 27 في المئة من الطاقة الكهربائية المستهلكة.” وأشارت إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي تهدف إلى زيادة هذه النسبة إلى 50 في المئة بحلول عام 2033، انسجامًا مع رؤية الأردن لتحقيق أمن الطاقة.

11