الأردن في معركة لا مفر منها لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية

تكشف الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الأردن انحسار خيارات الحكومة في معالجة الاختلالات المالية المزمنة. وتجد الحكومة نفسها مجبرة على استكمال الإصلاحات الاقتصادية، التي طال تأجيلها في ظل تفاقم معدلات التضخم والبطالة.
عمّان - سعى البنك المركزي الأردني إلى طمأنة الأوساط الاقتصادية والشعبية حول استقرار السياسات النقدية للدولة، رغم إقراره بصعوبة الأوضاع الاقتصادية في ظل تباطؤ معدلات النمو.
ونسبت وكالة الأنباء الرسمية (بترا) إلى محافظ البنك المركزي زياد فريز قوله إن “البنك يعي ما يمر به الاقتصاد الوطني من تباطؤ ولذلك يحرص على إيجاد توازن بين متطلبات تحقيق الاستقرار النقدي، وتوفير قنوات التمويل اللازمة لإنعاش الاقتصاد”.
ولفت إلى أن النظام المصرفي للبلاد متين وقادر على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة بفضل السيولة النقدية الكافية لدى المصارف المحلية.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الأردن لديه احتياطات من العملة الصعبة تبلغ نحو 13.4 مليار دولار، وقد اعتبرها فريز مريحة وتكفي لتغطية واردات البلاد لمدة 7 أشهر، أي بما يزيد عن ضعف المعدل المتعارف عليه دوليا والبالغ 3 أشهر.
وأضاف محافظ البنك بالقول إنه “إيمانا من المركزي بأن الوصول للخدمات المالية حق للجميع، فإن الشمول المالي بات يشكل ركيزة أساسية في تحقيق النمو المستدام”.
وتتسلح الحكومة ببرنامج بالتعاون مع صندوق النقد الدولي يتضمن حزمة من الإجراءات الإصلاحية المهمة، ولا سيما على صعيد المالية العامة وقطاع الطاقة والتخفيف من التشوهات في الموازنة العامة.
وبموجب خطة التقشف المدعومة من الصندوق، فإن الأردن مطالب بكبح الإنفاق في الموازنة لخفض الدين العام المتصاعد والذي بلغ 40 مليار دولار، أي ما يعادل 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو نسبة مرتفعة وفق المعدلات العالمية.
ويؤكد محللون إن مهمة الإصلاح الاقتصادي تبدو عسيرة في ظل التذمر الشعبي، الذي قد ينفجر مع أي إجراءات تقشف قاسية جديدة قد تجد الحكومة نفسها مجبرة على اتخاذها.
وحتى الآن، تعاني العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية من أزمات خانقة جعلتها تدخل في انكماش، وهي نتيجة طبيعية، وفق الخبراء، لغياب الإجراءات العاجلة، التي قد تقلل من تداعياتها على المدى المتوسط.
وتفيد الأرقام الرسمية بأنّ معدل الفقر ارتفع العام الماضي إلى 20 بالمئة ونسبة البطالة إلى 18.5 بالمئة في بلد يبلغ معدّل الأجور الشهرية فيه نحو 600 دولار والحد الأدنى للأجور 300 دولار.
وكانت الحكومة قد أطلقت العام الماضي “الاستراتيجية الوطنية للاشتمال المالي” والتي تستمر حتى العام المقبل وهي تركز على 5 محاور أساسية.
وتركز الخطة على التكنولوجيا المالية والتمويلات الصغيرة جدا وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والتثقيف والوعي المالي وحماية المستهلك.
وإلى جانب ذلك، وضعت السلطات كافة الأطر التنظيمية لتعزيز الحوافز الضرورية لتعميق الشمول المالي بهدف الوصول للخدمات المالية بتكاليف معقولة.
ويقول فريز إنه رغم صعوبة بعض هذه الإجراءات الإصلاحية على المواطنين، “إلا أنها مكنتنا من تجاوز جزء مهمّ من تبعات التحديات الاقتصادية”.
وتراهن عمّان على استقرار الأوضاع المضطربة في المنطقة لجني المزيد من ثمار الإصلاحات على المدى المتوسط من خلال الاستفادة من مرحلة إعادة الإعمار في العراق وسوريا، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والمتعددة لدعم المبادلات التجارية والاستثمارات المشتركة.
وانضم محافظ البنك المركزي إلى قافلة الداعين إلى فتح أسواق جديدة أمام الصادرات الأردنية واستعادة الأسواق التقليدية، مع التركيز على تنفيذ أولويات عمل الحكومة للعامين المقبلين والتي تعد جزءا من برنامج أوسع للإصلاح على مدى السنوات الخمس المقبلة.
واعتبر في تصريحاته لوكالة بترا أن التضخم البالغ 4.5 بالمئة والناتج عن قرارات إدارية ذو طبيعة مؤقتة يتلاشى أثره في الأجل القصير.
13.4 مليار دولار، احتياطات البلاد من العملة الصعبة حاليا، وفق البيانات الرسمية للبنك المركزي الأردني
وقال إنه “عادة لا تتخذ البنوك المركزية إجراءات لمواجهة هكذا تضخم، لكونه لا يصاحبه تبدلات في التوقعات التضخمية في الأجلين المتوسط والطويل”.
ومع أن التضخم يعتبر مشكلة بسيطة أمام الأزمات الكثيرة التي يعاني منها الأردن، إلا أن مسألة فرض ضرائب جديدة على الدخل تشكل صداعا مزمنا للمواطنين الذين سيجدون أنفسهم مضطرين هذا العام للاستسلام لحقائق الأمر الواقع.
ويرى فريز أن القانون المعدل لضريبة الدخل يعد ركنا أساسيا من أركان الإصلاحات الاقتصادية وليس فقط المالية، لتحقيق مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية.
وتضمن القانون، الذي كان مثار جدل واسع في البلاد عند طرحه بصيغته السابقة في مايو الماضي وأدى إلى الإطاحة بحكومة هاني الملقي، تعديلات تعتقد الحكومة أنها إيجابية، منها إلزامية إصدار فاتورة من البائع أو مقدم الخدمة، والتي ستنعكس بزيادة كفاءة التحصيل لإيرادات من ضريبة الدخل.
وقذفت حزمة الدعم الخليجي من السعودية والإمارات والكويت في أكتوبر الماضي الكرة في ملعب الحكومة بعد أن ضخت 2.5 مليار دولار في خزينة البنك المركزي الأردني، بهدف إيجاد سبل لمعالجة أزماتها المزمنة، التي لم تعد قابلة للتأجيل.
ويقول صندوق النقد إن النمو الاقتصادي للأردن تضرر في السنوات الأخيرة جراء ارتفاع معدل البطالة والصراع الإقليمي الذي أثر سلبا على معنويات المستثمرين، وفي ظل انحسار الطلب الذي ولّده اللاجئون السوريون.
ويرى خبراء أن قدرة الأردن على الحفاظ على منظومة الدعم العالية التكلفة لا يمكن أن تستمر في غياب تدفقات رأسمالية أجنبية كبيرة وتفشي البيروقراطية.