الأردن المنهك اقتصاديا والمأزوم سياسيا يعيد تموضعه إقليميا

الضغوط الاقتصادية والسياسية تدفع الأردن إلى مفترق طرق، وهو مضطر أمام ضغط الوقت لحسم وجهته. ويبدو أن اتجاهات البوصلة تقوده صوب تركيا وقطر عله يظفر بظهير قادر على دعمه في أزمته، وسط شكوك في جدوى هذا الخيار.
عمان - ترصد أوساط سياسية توجها أردنيا نحو إعادة التموضع إقليميا، من خلال تعزيز التقارب مع تركيا وقطر، على حساب محور الاعتدال، فيما بدا رد فعل على تراجع الدعم المقدم من قبل الأطراف المشكلة لهذا المحور، والذي تعتبره عمان “فرض عين”.
ويواجه الأردن أزمة اقتصادية خانقة مع ضغوط متصاعدة من قبل صندوق النقد الدولي الذي يطالب الحكومة الأردنية بالقيام بالمزيد من الإصلاحات المؤلمة، معتبرا أن الإصلاحات السابقة لا تفي بالمطلوب، وهذا ما يجعل الأخيرة في وضع صعب أمام مواطنيها المطالبين بالمزيد من ربط الأحزمة، فهذه الإصلاحات التي تأتي في شكل زيادة ضرائب ستدفع من جيب المواطن العادي.
وشهد الأردن منذ العام الماضي موجات متفاوتة من الاحتجاجات الشعبية على سياسة الدولة الاقتصادية، كان أشدها وطأة تلك التي حدثت في مايو الماضي على خلفية قانون الضريبة على الدخل الذي طرحته حكومة هاني الملقي تحت ضغط من صندوق النقد الدولي، ولم تنته تلك الاحتجاجات إلا بتدخل مباشر من الملك عبدالله الثاني حيث أقال حكومة الملقي وكلف عمر الرزاز غير المحسوب على الطبقة التقليدية بتشكيل حكومة جديدة.
وعلى خلاف التوقعات العالية التي بناها الأردنيون، لم ينجح الرزاز في الخروج من الدائرة المفرغة للحكومات السابقة، مضطرا لسلك نفس المسار في ظل ضغوط القوى المحافظة، وإكراهات صندوق النقد الذي نجح في فرض مرور قانون الضريبة على الدخل وفق شروطه، ويتجه اليوم لفرض المزيد.
وأعلن صندوق النقد في بيان له في فبراير الماضي، أن الأردن ما يزال في حاجة إلى تدعيم مالي لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية التي يقوم بها، دون أن يذكر تفاصيل عن الإجراءات التي على الحكومة اتخاذها في هذا الصدد.
وتنسب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الأردن إلى عوامل هيكلية، وتفشي مظاهر الفساد، وعجز الحكومات المتعاقبة عن اجتراح حلول جذرية من خلال رهانها على معالجات ترقيعية زادت من تدهور المقدرة الشرائية، وعجز ميزانية الدولة.
ولا يمكن تجاهل التأثيرات الإقليمية حيث تضرر كثيرا التبادل التجاري للمملكة خلال السنوات الماضية بفعل الأزمتين العراقية والسورية، فضلا عن نزوح الآلاف من السوريين، وإن كان البعض يرى أن الأردن استفاد من موجة النزوح “المدروسة” حيث كانت بوابة للحصول على المزيد من الدعم من المجتمع الدولي، وهذا ما يفسر عدم حماسة عمّان في حث السوريين على العودة إلى ديارهم خاصة وأن الجزء الأكبر من المناطق السورية تشهد حالة من الاستقرار النسبي.
ويقول خبراء اقتصاديون إنه لا يمكن تغافل حقيقة أن الأردن وعلى مدى عقود كان يحظى بدعم سخي من قوى إقليمية ودولية بيد أنه لم يحسن استثمارها بشكل محكم من خلال تركيز نشاط اقتصادي حقيقي.
وتعد الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية من أبرز الداعمين بيد أنه في السنوات الأخيرة تراجع هذا الدعم وأصبح مقيدا، مع التركيز على أن لا يكون في شكل منح بل استثمارات خاصة وأن المنح السابقة جزء كبير منها لا يعرف مآلاتها.
وتقول الأوساط السياسية إن هذا التراجع في الدعم يعد أحد الأسباب الرئيسية في توجه الأردن نحو إعادة تموقعه إقليميا لصالح المحور القطري التركي، الخبير في الاستثمار في أزمات الدول.
وتشير هذه الأوساط إلى أن هناك العديد من المؤشرات التي توحي بوجود استدارة أردنية وليس أدل على ذلك من زيارة وفد قطري رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية مؤخرا إلى عمان حيث حضي باستقبال الملك عبدالله الثاني ليعقبه توقيع حزمة من الاتفاقيات الدفاعية أعلنت عنها وزارة الدفاع القطرية، دون أن تكشف المزيد من التفاصيل عنها.
وسبقت هذه الزيارة اللافتة بيوم استقبال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لرئيس وأعضاء كتلة الإصلاح النيابية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، في قصر الحسينية بعمان والذي عدته الجماعة “رد اعتبار لها” واعتراف من الملك بثقلها على الساحة السياسية.
وشهدت العلاقة بين المؤسسة الملكية والجماعة على مدار السنوات الماضية حالة من الجفاء نتيجة تصدرها موجة الربيع العربي في الأردن في العام 2011، وعوقبت الجماعة بسحب الترخيص منها ومنحه لمجموعة من المنشقين عنها يترأسهم المراقب العام السابق عبدالمجيد ذنيبات، ولكن الجماعة ظلت تعمل وشاركت في الاستحقاقين البلدي والنيابي الأخيرين فيما بدا أن العاهل الأردني يريد الإبقاء على خط الرجعة.
وقال رئيس كتلة الإصلاح عبدالله العكايلة الخميس إن الملك طلب خلال اللقاء الذي جمعهم معه الثلاثاء اطلاعه على بنود المبادرة التي قدمها مؤخرا حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية للإخوان. وشدد العرموطي “الملك استلم المبادرة باليد خلال اللقاء حيث سلمت له باليد”، في إيحاء بأن العاهل الأردني يتعاطى مع هذه المبادرة بإيجابية.
وكان حزب جبهة العمل الإسلامي طرح قبل فترة مبادرة من عدة نقاط كان أبرزها تشكيل حكومة برلمانية يأمل في قيادة دفتها باعتباره الحزب الأكثر تماسكا وتنظيما على الساحة، وأيضا وضع قانون انتخابي جديد وقانون للأحزاب. ويبدو أن لقاء الملك عبدالله بكتلة الإصلاح لم يكن هدفه فقط إعادة احتواء الجماعة وضمان ولائها في ظل ما يواجهه من تحديات داخلية وأيضا خارجية بل كان اللقاء رسالة للقوى الإقليمية بأنه جاد في السير قدما في تمتين الروابط مع المحور القطري التركي.
وأبدت الحكومة الأردنية، الخميس انفتاحها على فكرة إنشاء منطقة صناعية تركية في البلاد، متعهدة بتقديم تسهيلات لإقامتها. جاء ذلك، في بيان لوزارة الاستثمار الأردنية، عقب استقبال الوزير مهند شحادة، وفدا صناعيا تركيا بالعاصمة عمان. وذكر شحادة، أن بلاده ملتزمة بتقديم كافة التسهيلات لدعم الاستثمارات التركية في البلاد، داعيا الشركات التركية لاستطلاع فرص الاستثمار الواعدة. وذكّر الوزير الأردني بأهمية الموقع الجغرافي لبلاده الواقعة على مقربة من حدود 3 قارات (آسيا، أفريقيا، أوروبا)، مشيرا إلى أن الأردن “يعد نقطة ارتكاز للوصول إلى الأسواق العالمية”.
ومؤخرا، وضعت الحكومة الأردنية رزمة من الحوافز أمام الاستثمارات الأجنبية، أبرزها منح الجنسية لرجال الأعمال، اعتمادا على حجم استثماراتهم في المملكة.ويرى مراقبون أن توجه الأردن لتبني مقاربة جديدة على الصعيد الإقليمي، لا يرتبط فقط بأسباب اقتصادية وإن كان يبقى عاملا محددا، بل أيضا بالضغوط الخارجية التي يتعرض لها.
وكان العاهل الأردني قد جدد خلال لقائه مع كتلة الإخوان حديثه عن ضغوط بسبب القدس، ودارت أنباء على أن الملك عبدالله غاضب من تهميشه من قبل الإدارة الأميركية ورفضها اطلاعه على الشق السياسي من خطة السلام التي تعدها والتي أعلن أحد مهندسيها مستشار الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنر أنه سيقع الإعلان عنها بعد شهر رمضان.ويخشى الأردن من تداعيات هذه الصفقة المباشرة عليه، خاصة لجهة إمكانية خسارته الإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي ضمنها في اتفاقية وادي عربة للسلام في العام 1994. ولعل الأخطر بالنسبة له إمكانية ضم إسرائيل للضفة الغربية، وإسقاط حق العودة، وهذا ما يعيد بقوة الحديث عن الوطن البديل.
وأعلن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون الأربعاء أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن ينفذ وعده الانتخابي بضم مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة قبل إعلان الولايات المتحدة خطتها للسلام.
وقطع نتنياهو هذا الوعد في الأيام الأخيرة من حملته قبل انتخابات التاسع من أبريل، ما أثار مخاوف من إمكان أن تأتي مثل هذه الخطوة على أي أفق لقيام دولة فلسطينية.
وتعتبر الأوساط أن موقف الأردن لا يقل صعوبة عن السلطة الفلسطينية في ظل عدم قدرته على مواجهة الإدارة الأميركية، التي تعد أحد أبرز داعميه على الصعيد المالي والعسكري، ولكنه يبحث عن مظلة دولية وإقليمية تخفف من وطأة ما ينتظره.
ويبقى السؤال المطروح هل قطر وتركيا، اللتان تواجهان تحديات قادرتان على مد يد المساعدة، وهل تتوقع عمان أن تأخذ الدوحة اتجاها مخالفا للطروحات الأميركية؟