الأردني موفق محادين يفكك مفهومي الجدل والاغتراب

عمان – ألقى المفكر الدكتور موفق محادين محاضرة بعنوان “مفهوما الجدل والاغتراب”، مساء الثلاثاء، في مقر الجمعية الفلسفية الأردنية بعمان.
وفي مستهل المحاضرة، التي روعيت فيها شروط البروتوكول الصحي وجرى بثها عبر وسائل التواصل الرقمي وعلى قناة الفينيق، استعرض الدكتور محادين مفهوم الجدل لدى فلاسفة الإغريق القدماء، مبينا أن القانون الأساسي الذي تبنوه آنذاك هو أن “لا حركة بلا مادة ولا مادة بلا حركة”.
ويبقى مفهوم الجدل حمال دلالات متنوعة (جدل زينون الإيلي وجدل السفسطائيين، والجدل السقراطي والأفلاطوني، والجدل الهيغلي، والجدل الماركسي، والجدل عند أهل الممارسة المناظرتية…)، وتعزى نشأته في مجال الإفصاح الإنساني عن الأفكار إلى اختلاف مدارك الناس وطبائعهم من جهة، وإلى وحدة الحقيقة من جهة ثانية، إذ لا جدل إلا حيث التباين في إدراك حقيقة من الحقائق.
صحيح أن الجدل عند أرسطو كان مرتبة وسطى بين المعارف العادية والحكمة، حيث كان كمختبر تخلق فيه الإشكالات والمفارقات التي تعالج في ميدان العلوم، لكن الجدل الذي استخدمه السفسطائيون كان له دوره في إبراز الكفاءة اللغوية البلاغية والخبرة الجدلية، باعتباره آلية من آليات إنتاج الخطاب عندهم، ومحاولة تبيين المغالطات التي أُسس عليها من خلال الرؤية المنطقية لمفهوم الجدل عند أرسطو.
ولفت محادين إلى أن مفهوم الوعي بالوجود هو علاقة جدلية وليست علاقة ميكانيكية، مبينا أن الجدل (الدياليكتيك) يبنى على صراع الأضداد، والنفي، ونفي النفي.
وتحدث في المحاضرة عن رؤى الفيلسوف الألماني جورج هيغل حول مفهومي العام والخاص، مستعرضا مفهوم الجدلية المادية لدى الفيلسوف الألماني كارل ماركس، لاسيما ما يتعلق بمفاهيم السبب والنتيجة والعلة والمعلول. كما تطرق إلى كتاب الفيلسوف الألماني فردريك إنغلز عن الجدل في الطبيعة وتجليات مفهوم الجدل في المجتمع والطبيعة.
الجمعية الفلسفية الأردنية تحاول تقريب الفلسفة من الجمهور من خلال محاضرات هادفة ترصد أهم الإشكاليات الفكرية
وعلاوة على ذلك فإن الجدل هام في عملية التعلّم، حيث جرت العادة في مدارسنا أن تنعت الفلسفة كمادة دراسية بأقبح الأوصاف (فكر صعب، لا علاقة له بالواقع…) لأسباب قد يتحمل فيها المدرس نصيبا من المسؤولية (بجانب أسباب أخرى)؛ إذ المعارف الفلسفية لا يجب أن تقدم هكذا بالإلقاء ودون شرح مبسط. في هذه النقطة يلعب الجدل دور تبسيط المفاهيم الفلسفية وتقريبها لأذهان المتعلمين عبر الحوار الفصلي واستخدام الأمثلة ذات الصلة بواقعهم السوسيوثقافي. إن الفكرة الفلسفية (أو المفهوم الفلسفي) تصبح قابلة للإدراك في أوساط المتعلمين عندما تناقش فصليا بالشرح والحجاج والتفاعل.
وفي سياق آخر حول الاغتراب أشار المفكر إلى أنه في بدايات المسرح الإغريقي الأول كان الممثل يضع أكثر من قناع بحيث أن كلا منها يرمز لشخصية معينة.
ويعتبر القناع في المسرح الإغريقي أداة أساسية في التعبير عن القيم الإنسانية المتناقضة، كما استعمل للتعبير عن الحالات النفسية المفارقة التي يكون عليها الإنسان؛ فالقناع هو الذي يعكس لنا الشخصية فوق خشبة الركح من الداخل والخارج، وهو أيضا بمثابة ماكياج يحدد سمات
الممثل الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، ويبين أدوار الممثل ووظائفه الدرامية فوق خشبة المسرح. ولفت محادين إلى كتاب الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس الصادر عام 1651 تحت عنوان “لوياثان” أو بحسب الترجمة العربية “الوحش الجبار” من منظور نظرية العقد الاجتماعي.
وتطرق إلى مقالتي الفيلسوف جان جاك روسو في “مفهوم الحكومة المدنية” و”مقال في أصل اللامساواة بين البشر وأسسها”، وذلك ضمن كتاباته في نظرية العقد الاجتماعي. واستعرض المدارس التي عملت على كسر مفهوم الاغتراب، ومنها المدارس الصوفية، مشيرا إلى أن الوجودية أكثر مدرسة حاولت أن تجد حلا لكسر “الاغتراب”.

ويعرَّف الاغتراب بأنه حالة خروج من أحد الطورين أو من الاثنين معًا. أولًا الطور الموروث، وهذا يعني خروج الإنسان من طبيعته الموروثة الجينية، مثلًا انعزال الفرد عن المجتمع يعد اغترابًا عن طبيعة الإنسان الاجتماعية. قد يكون الاغتراب عن الموروث محسوسًا أو غير محسوس، أي يمكن للإنسان أن يستشعر أنه خارج عن طبيعته أو قد لا يستشعر على الإطلاق.
أما الثاني فهو الطور المألوف، وهو الخروج عن كل ما تعود عليه الإنسان. نقول مثلًا إن الشخص اغترب عن عادة مجتمعه إذا تخلى عن التصرف مثله. وهذا يعود بشكل كلي إلى الدماغ والوعي، فالوعي هو الذي ينتج الاغتراب هنا، فبدون الوعي لا يمكن لشيء أن يحول بين كون الإنسان جزءًا من الطبيعة والطبيعة جزءاً منه.
وتحدث محادين عن مفهوم العقل الموضوعي/ العالم الموضوعي لدى هيغل، لافتا إلى أن ماركس غاير هيغل في ما يتعلق بمفهوم الجدل في أكثر من محطة. وأوضح الفرق بين مفاهيم الاستلاب والانسلاب والاغتراب الطوعي والاغتراب القسري.
واستعرض مفاهيم الاغتراب الاجتماعي والاغتراب السلعي، موضحا الفرق بينهما، ولافتا إلى أن الاغتراب الاجتماعي هو أخطر من الاغتراب السلعي. واختتم محاضرته بالحديث عن مفهوم الفوات الحضاري لدى الفيلسوف المغربي عبدالله العروي الذي شخص الاغتراب المجتمعي لدى المجتمعات العربية.