الأردنية داليا أبوهنطش تشكّل خصائص الطبيعة والعمارة بصريا

لوحات أبوهنطش تحفل بموسيقى صامتة تتغلغل في تفاصيل المشاهد، يتكفّل اللون بالتعبير عنها.
الجمعة 2021/06/25
مدينة القدس وبيوتها تستحيلان أشكالا تكعيبية متراصة

عمان – تتنوّع أعمال الفنانة التشكيلية الأردنية داليا أبوهنطش لتشمل لوحات تحاكي الطبيعة ومفرداتها، وأخرى تنتمي إلى فن البورتريه، وثالثة تقترب من حدود الفن التجريدي والعمارة.

ورغم التنوُّع الذي تنطوي عليه أعمال الفنانة إلّا أنها تنبثق في مجملها من تجربة فنية وفكرية ترى في الطبيعة مصدرا للإلهام. ففي مجموعة من اللوحات الكلاسيكية التي تتضمن مشاهد رُسمت بالألوان الزيتية الحارة والباردة يمكن للمشاهد التأمل في تناغم أشكال الورود في باقة تضجّ بألوان الفرح، أو إمعان النظر في تشكيلة من الفواكه المتنوّعة بألوانها الطبيعية، أو التجوال بين سرب من الأشجار وارفة الظلال، أو عبور سلسلة جبلية تكشف عن انسجام في الشكل واللون.

وتحضر الطبيعة في أعمال أبوهنطش، المنحدرة من قرية طولكرم الفلسطينية، من خلال لوحات ذات محمول فكري؛ فهذه اللوحات وإن كانت تستند إلى المشهد الطبيعي إلّا أنها ترمز -بما تشتمل عليه من أشكال- إلى أفكار واضحة ومحدّدة، كأن يجري تصوير بذور الإجاص وكأنها جنين في رحم أمه، أو إظهار خروج فتاة وولادتها من قلب زهرة وهي تبتسم، في إشارة إلى الأمل القادم، أو تقديم جذور الأشجار على أنها دليل على التمسّك بالأرض والهوية.

وتستخدم الفنانة في لوحاتها خلفيات مفتوحة على الفضاء، على غرار مشهد غروب الشمس والغيوم التي تسبح في سماء زرقاء هادئة والبحر بأمواجه الصاخبة، الأمر الذي يبعث في النفس إحساسا مُربكا بسبب التضاد بين هذه الحالات وعدم اتخاذها نسقا واحدا.

أما رسم البورتريه فتعتمد فيه الفنانة على الفحم الأسود لتخطيط الوجوه، وتتنوّع البورتريهات التي تقدّمها لتشمل وجوها وأجسادا بشرية ووجوها لخيول، وقد نُفِّذ أكثرها بالفحم الأسود مع الحرص على إظهار أدق التفاصيل، وهو ما يكشف عن براعة في رسم الخطوط وتجسيد الملامح والتقاط تعابير الوجوه، والأهم من ذلك القدرة على اللعب في المسافة الكامنة بين مفردتي الظل والضوء.

وفي المجموعة التي يمكن أن تندرج ضمن الفن التجريدي يظهر استلهام أبوهنطش لفن العمارة في تصوير المدن، وخاصة مدينة القدس؛ إذ تظهر التشكيلات الهندسية للبيوت وكأنها مكعبات لونية متراصة بعضها فوق بعض، وفي عمقها تنتصب قبة الصخرة بلونها المميز، أو تظهر الكنيسة كبرج شاهق يسبح في فضاءات لونية حارة تتدرّج بين البني والأحمر والأصفر والبرتقالي.

Thumbnail

وعلى عكس الألوان المبهجة في لوحات الفنانة المستوحاة من الطبيعة تبدو اللوحات التجريدية قاتمة وبألوان معتمة، معبّرة عن حالة المدن التي يخنقها الاحتلال. وتُستثنى من ذلك اللوحات التي يحضر فيها المسجد الأقصى؛ إذ يظهر محاطا بحمائم بيضاء تشير إلى الحرية والسلام. ففي هذه اللوحات الاستشرافية تعمد الفنانة إلى خلفيات متدرّجة من الأبيض والأزرق البارد، وتستخدم ألوانا مشرقة وظلالا تُظهر الحمائم كما لو أنها تمتلك أجنحة مضيئة.

وتمثّل مدينة القدس لدى أبوهنطش بأبعادها الجمالية والوجدانية والتاريخية حالة خاصة، ويتجلى ذلك من خلال معالجتها لون وشكل مفردات المدينة المقدسة وتوثيق أحداثها ونمط العمران فيها، وعنها تقول “القدس من المدن التي تجد فيها أشكالا معمارية تمثّل مراحل تاريخية من عهد اليبوسيين الذين بنوها، مرورا بالمراحل المختلفة مثل البيزنطية والرومانية والعربية والإسلامية والمملوكية وصولا إلى الحقبة الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية، حتى اعتبرت آية في الفن والمعمار”.

والمتأمل في ما تقدّمه أبوهنطش من أعمال يشعر بأنّ ثمة موسيقى صامتة تتغلغل في تفاصيل المشاهد وأصواتا يتكفّل اللون بالتعبير عنها، حتى تكاد الطيور تزقزق والحمائم تهدل والأمواج تهدر.

وهو ما تؤكّده الفنانة في حديثها عن اهتمامها بالموسيقى الكلاسيكية وتعلّقها بالطبيعة وشغفها بركوب الخيل، مستذكرة سقوطها ذات مرة من ظهر الحصان الذي عاد إليها ونظر في وجهها كأنه يعتذر لها، فرسمت المشاعر التي انتابتها في تلك اللحظة في غير لوحة، منطلقة من أن كلّ لوحة إنما هي تجربة متكاملة من الألوان والتشكيلات ومن الأصوات والموسيقى، ومن المشاعر الإنسانية العميقة.

كما ترى في الوجوه وسائل للتعبير عن دواخل الإنسان الذي يمثل تقلبات الكون وتحوّلات الوجود. وتصف الفنانة نفسها بأنها رومانسية؛ لأنها لا تتوقّف عند الشكل في التعبير، بل تغوص في أعماق الأشياء والكائنات لإبرازها على السطح، فالرسم عندها يُكمل الحالة الوجدانية بتظهير العالم المرئي باللون والخط.

ولأجل ذلك ترسم أبوهنطش الخيول والوجوه وراقصي الباليه بعمق اللون الناصع، وتعبّر عن الوجوه بالفحم، فيما تختار للطبيعة ألوان الأكريليك التي تقول إنها تمتلك حساسية شفافة، وتعطي النتيجة بسرعة، أما ألوان الزيت فهي تمنح السطح بروزات وظلالا تثري تجاورات الظل والنور وأبعاد اللوحة ومنظورها، وتميل في اختيار اللون إلى الأزرق والأبيض بما يمثلانه من صفاء وانطلاق.

وهي فضلا عن الرسم تنشغل بالموسيقى، وخصوصا العزف على آلة البيانو، وتقول إن الموسيقى تختزل الكون في أصواتها، وتنقل الإنسان من الواقع إلى المتخيل. وفي الهوايتين تذهب أبوهنطش إلى المناطق الكلاسيكية، فهي في الموسيقى تميل إلى السيمفونيات المقترنة بأسماء عدد من الموسيقيين العالميين من أمثال جوفاني وموتزارت وباخ، وفي الرسم تميل إلى نداءات الطبيعة وجماليات المكان بألوانها الشفيفة.

ومع ذلك تنفي الفنانة أن تكون قد تأثّرت بمدرسة بعينها، وهي من خلال تجربتها تبحث عن أسلوبها الخاص، فترسم ما تحب في علاقة انسجام تام بين شخصيتها ولوحاتها.

وأقامت داليا أبوهنطش عددا من المعارض الشخصية، وشاركت في معارض جماعية، وهي تستثمر عملها في مجال الطب لتعبّر عن الأفكار والهواجس الوجودية التي تنتاب الكائن البشري.

خلفيات لونية مفتوحة على الفضاء الرحب
خلفيات لونية مفتوحة على الفضاء الرحب

 

17