الأدب والدافع إلى التدمير

مصير العالم ومستقبله يشغلان كثيراً من الأدباء الذين يحاولون تخيّل سيناريوهات مختلفة له، وأغلب تلك السيناريوهات كارثية، تحمل نذر الدمار الشامل، وتحاول الاحتفاظ بنذر يسير من الأمل.
الاثنين 2018/07/23
برتراند راسل كان يأمل أن يسود الأمل في الحياة لا الرغبة في الموت

هل يفترض بالأدباء والمفكّرين أن يتحدّثوا عن الأمل في عالم أفضل من دون تشريح بنى الشرور التي تجتاح عالمهم المعاصر؟ هل يكون التشاؤم محرّضا على العمل ومحرّضاً على التغيير أم أنّه يكون باعثاً على التقاعس وتثبيط الهمم والدفع إلى براثن اليأس؟ هل الأدباء من المسكونين باليأس جرّاء تخيّلهم سيناريوهات تدميريّة للبشريّة؟

يشغل مصير العالم ومستقبله كثيراً من الأدباء الذين يحاولون تخيّل سيناريوهات مختلفة له، وأغلب تلك السيناريوهات كارثية، تحمل نذر الدمار الشامل، وتحاول الاحتفاظ بنذر يسير من الأمل ليكون كوّة للتفاؤل وسط غابة التشاؤم المستندة إلى معطيات الواقع الذي يبدو مزيجاً معقّداً من التداخلات المبلورة لصيغ مختلفة من الإحباط.

الروائيّ الأميركي كورماك مكارثي يتخيّل في روايته “الطريق” صورة مرعبة للمستقبل، حيث تفنى مظاهر الحياة البشرية إثر كارثة تلمّ بكوكب الأرض، ويظهر الطريق إلى المستقبل جزءاً من النبش في الماضي والبحث عن مقوّمات الحياة انطلاقاً منه، والتأكيد على أنّ الحياة طريق تتكاتف الأجيال لتعبيده بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأنّه لن تكون هناك حياة إذا فرّط الإنسان في إرث الماضي ومرتكزات الحاضر، ولن يتمكّن من البقاء والاستمرار إذا أفرط في ظنّه أنّه يبني مستقبله بشكل منقطع عما كان ويكون.

أمّا المفكّر والفيلسوف البريطانيّ برتراند راسل (1872 – 1970)، الذي نال جائزة نوبل للآداب سنة 1950 فقد وصف في كتابه “آمال جديدة في عالم متغير” عصره بأنه عصر يسوده الشعور بالعجز والحيرة، وأن الناس يرون أنفسهم مَسوقين إلى حرب لا يكاد يريدها أحد، وهي حرب تجلب كارثة على البشرية. ووجد أنه على الرغم من أن العقل ينصح بالخشية من هول المستقبل بناء على معطيات الواقع السوداوية، فإن هناك جزءاً آخر من النفس يجد متعة في الأمل، ويفترض وجوب البحث عن سبل لتعزيزه.

وأكّد على أن ما يود قوله هو أن ذلك الضرب من الرجال الذي يود رؤيته في العالم هو ذلك الذي ليس لديه نزعة للقتل، والذي يمتنع عن القتل لا لأنه محرم، ولكن لأن أفكاره ومشاعره تحمله بعيداً عن الدافع إلى التدمير، وقد انتهى مفهوم الخطيئة كله بوصفه هذا على الأقل في حدود ما يتعلق بالفكر والشعور الواعيين.

يأمل أن يسود الأمل في الحياة لا الرغبة في الموت، وأن يعيش الأفراد أحراراً، وأن من الواجب وضع حد للفوضى الدولية ومبدأ القوة، ويجد أنه ليس هناك أي أمل في الفوضى إلا إذا تغير الأفراد عما هم عليه من رغبة في السيادة والسيطرة والتحكم، وأن من الضروري أن يقل شعور الأفراد بالعداء والخوف نحو أفراد آخرين، وأن يكون لديهم اطمئنان أكثر فيما يتعلق بحياتهم ذاتها، وكذلك إدراك أكثر وضوحاً للحاجة القصوى إلى تعاون على نطاق عالمي في هذا العالم الذي خلقته الأساليب الفنية الحديثة.

يأتي تحذيرُ الأدباء من الكوارث المحتملة، وتنبّؤهم بها بناء على معطيات التاريخ ومؤشّرات الواقع، من منطلق التشديد على وجوب استنفار القوى والتكاتف لحماية الحياة الإنسانية من وحشية الإنسان نفسه ومن جشعه وهوسه المرضيّ بالسيطرة والتحكّم والتألّه. وتبدو دوافع الإنسان إلى التدمير مقنّعة بأردية التطوير وماضية في ظلاله المعتمة، ولربّما هذا من أخطر ما يقودها.

15