الأدب والتلفزيون
ثمّة إجماع لدى النقاد في الغرب على أن التلفزيون، رغم بعض البرامج الثقافية التي تحاول من رحابِه التعريفَ بالكِتاب، صار يقضم باطّراد شرائح القراء في كل قطر. فالبرامج الأكثر شعبية، حتى في أميركا، هي في نظر أولئك النقاد ضعيفة، نمطية، سطحية، عديمة الذوق والمعنى، يوحّدها قاسم مشترك من أدنى درجة، ولكنها رغم هبوط مستواها باتت تستحوذ على الملايين، ما يجعل الأدب، بما يتسم به من عمق تحليل ودقة تصوير وبراعة سبك، نخبويّا في نظر تلك الملايين، لا يقربه إلا الخاصّة، وأنه لا يتوجه كبرامج التلفزيون إلى الجمهور العريض. وعاد السؤال القديم “هل الأدب للنخبة أم للجمهور؟” ليُطرح من جديد.
وإذا كان بعضهم يدعو إلى التوفيق بين الطرفين، شأن جان كريستوف روفان، عضو الأكاديمية الفرنسية، إذ صرّح “ما يلزم هو الحفاظ على جسر بين مختلف المتلقّين، حتى لا تكون هناك ثقافة نخبة معزولة عن البقية، لأن في ذلك موت الثقافة”، فإن ماريو برغاس يوسا يذهب مذهبا آخر.
في حديث أجرته معه لوماغازين ليتيرير بمناسبة دخوله “لا بلياد” -وهي سلسلة مرموقة تصدر عن دار غاليمار، وتجمع في مجلدات فخمة الأعمال الكاملة لفحول الكتاب، فرنسيين وأجانب- قال صاحب جائزة نوبل إن الأدب لا ينبغي أن ينحصر في دائرة ضيّقة من نخبة تحسّ أنها فوق القارئ العاديّ، ولا تتواصل إلا مع من كان مثلها، مؤكدّا أنّه لئن كان صحيحا أن الأعمال الكبرى على غرار “في البحث عن الزمن الضائع” لبروست أو “أوليس” لجويس تجد قارئها تدريجيا بمرور الزمن، فإن المرحلة الحالية تشهد صعوبات استثنائية، أقصى خلالها التلفزيون الأدب.
وفي رأيه أن الكتّاب مدعوّون إلى خوض معركة لمنع الشاشة من دفن الكتب، وأنهم مطالَبون بملامسة أكبر قدر من القراء، عن طريق أساليب طريفة دون التخلي عن عمق الفكر والابتكار الشكلي، على غرار ما قام به الكبار من هوميروس إلى فلوبير، ومن دانتي إلى كافكا، ومن مونتاني إلى فوكنر. ويوسا لا يدين التلفزيون، فهو ظاهرة عامّة اجتاحت العالم كلّه، ليس لكونه يقتحم البيوت بغير استئذان فحسب، وإنما أيضا لأنه بات طقس عبور لكل باحث عن المجد والشهرة بأيسر السبل، ولكنه يوجّه نقده إلى دور الكتّاب أنفسهم في اتّساع الهوة بين هواة الكِتاب وجمهور التلفزيون، حيث يرى أن من الأخطاء الجسيمة في عصرنا الاعتقاد بأن الغموض مرادف للعمق.
ويختم حديثه بقوله “إذا كان لا بدّ للكِتاب أن يموت، فيَلْتجنّب الكُتّاب قتلَه”.
كاتب من تونس مقيم بباريس