الأدباء وتوثيق العار

الثلاثاء 2015/03/24

يتلمس الأدباء طريق السرد والتوصيف لتأريخ الأحداث الوحشيّة التي تقع في هذه البقعة أو تلك، وذلك في مساهمة منهم لتسليط الأضواء عليها، وفضح المجرمين المشاركين فيها، بحيث يتمّ التعرّف إلى الوقائع في مرآة الأدب، بعيدا عن الترقيع أو التجميل. وهنا ينكأ الأدب الجراح ويؤلمها في مسعى إلى الاعتبار.

كيف يمكن التصدّي لتصوير العار المتناثر هنا وهناك على مساحة القهر في العالم العربيّ والعالم برمّته، ونحن نعيش عصر توحّش يناقض مزاعم الإنسانيّة والتسامح المعلنة؟ هل يمكن للأدب أن يساهم بإيقاف عجلة الحروب الدائرة، أو تعطيل آلة العار المستشرية الضارية؟

كثيرون من الأدباء كتبوا عمّا وصفوه بالعار الذي كانوا شهودا عليه، أو ذاك الذي اجتاح تاريخهم وواقعهم، فوصفوه ونقلوه إلى قرّائهم، ليشاركوهم الإدانة وكشف المخبوء. من هؤلاء يمكن استذكار البنغالية تسليمة نسرين التي نشرت روايتها “العار” وتحدّثت عن التطهير العرقيّ الذي مورس من قبل فئة بحقّ فئة أخرى، كما كتب سلمان رشدي روايته “العار” وهي توصيف لما يجده عار التاريخ والواقع والأنظمة وجنرالات الحروب.

وكذلك كتب الجنوب أفريقي جون ماكسويل كويتزي روايته “العار” التي أرادها شهادة تاريخيّة ووثائقيّة عن حقبة سوداء في تاريخ البلاد.

أمّا الكاتبة الهندية آمريتا بريتام في روايتها “هيكل من عظم” فقد سعت إلى اقتفاء سبل تفتت الخارطة الاجتماعية، قبل الخارطة السياسية والجغرافية، بحيث أن الخطوط التي كانت تجمع أبناء المنطقة وحسن الجوار أصبحت خطوط تماس نارية، وحقول ألغام موقوتة، تنفجر عند أبسط احتكاك أو تصادم.

صوّرت بريتام في روايتها كيف كانت الأجواء مشحونة بالحقد والكراهية، وكانت الصراعات تحتدم بين الهندوس والمسلمين، تقرع طبول الحرب، تطلق صفارات الإنذار، تستعر المعارك الجانبية، تشتدّ الانتقامات وتتصاعد، يبلغ التباغض أوجه، وتكون المنطقة على أعتاب التقسيم، إذ يتمّ تهجير الهنود إلى الهند ويظل المسلمون في باكستان، وفي تلك المنطقة الحدودية تضيع حيوات كثيرة، تهشم قلوب وتدفن أرواح بريئة. يكون التقسيم قاسيا ووحشيا، فلا أحد يظل بمنأى عن الآلام الكثيرة والمختلفة.

صور العار تحضر في الأدب بصيغة أو بأخرى، وهي صور صادمة، مرعبة، تحرّض القارئ على ضرورة النبش والسؤال، كما تساهم في إجراء مقاربة تاريخيّة، ونزع الألغاز عن الهتك الذي تعرّضت له هذه الشريحة أو تلك، وهو هتك يطال الجاني والمجنيّ عليه معا، ذلك أنّ المجرم يحتمي بتعظيم مخاوفه من الآخر للفتك به، وهو ما يمنحه بعض السكينة والاطمئنان، وتحجيم تأنيب الضمير، أو تجاهله، وهو يرتكب جرائمه بحقّ مَن كانوا يوما إخوة وشركاء في الوطن.

كاتب من سوريا
14