الأحكام السجنية لا ترضي أهالي قتلى المقابر الجماعية في غرب ليبيا

ذوو القتلى يطالبون بإنزال عقوبة الإعدام بالمرتكبين.
الثلاثاء 2023/08/15
عائلات مكلومة

ترهونة (ليبيا) - منذ صدور أحكام السجن بحقّ متورطين في قتل المئات من المدنيين ودفنهم في مقابر جماعية في ترهونة في غرب ليبيا، يرفض ذوو القتلى هذه الأحكام ويصفونها بـ”غير العادلة”، مطالبين بإنزال عقوبة “الإعدام” بالمرتكبين.

ويقول محمد اللافي، والد مراد (30 عاما) الذي عثر عليه في إحدى المقابر الجماعية، بينما يحتضن صورة ابنه، بكثير من المرارة، “خطفه مسلحو ميليشيا الكاني عام 2019 في ترهونة، ليقتل ويخفى جثمانه في مقبرة جماعية”، قبل أن يتمّ التعرّف عليه مع العشرات غيره مطلع العام 2022.

ويروي اللافي واقعة خطف ابنه وعيناه تفيضان بالدموع، “خطفوه في 15 سبتمبر 2019 من مزرعتي، عقب مكالمات هاتفية متكررة ليلاً لم يردّ عليها. وصلت إلى المزرعة فوجدتها أنه تمّ العبث بها، وابني غير موجود”. وعندما عُثر على مراد، حُدّدت هويته عبر تحليل الحمض النووي (دي.أن.أي)، ولم يكن تبقّى منه إلا رفات.

وتفيد تقارير وشهادات بأن الانتهاكات وعمليات القتل بدأت منذ العام 2015، عندما سيطرت ميليشيا الكاني المعروفة بممارساتها العنيفة على ترهونة التي يقطنها قرابة أربعين ألف شخص والواقعة على بعد ثمانين كيلومترا جنوب طرابلس.

عدد الجثامين التي استخرجت من عشرات المقابر الجماعية في ترهونة 350، تمّ التعرّف على هوية 226 من أصحابها

وكان ستة أشقاء يقودون الميليشيا التي تألّفت من قرابة خمسة آلاف مسلح، وبثّت الرعب وقضت على كل صوت معارض لها، ومارست التعذيب، وقتلت عائلات بكاملها.

وبعد سقوط الزعيم السابق معمّر القذافي في العام 2011، انفجرت النزاعات بين المناطق وظهرت ميليشيات تتنازع على السلطة في المدن والأحياء. وكانت ميليشيا الكاني مؤيدة لقوات طرابلس.

وأصدرت محكمة عسكرية في طرابلس في فبراير أحكاما تراوحت بين السجن لمدة ست سنوات أو عشر أو 15 أو لمدى الحياة، على قرابة ثلاثين متهما بقتل المئات من المدنيين الذين عثر عليهم في مقابر ترهونة الجماعية. ويتوقّع صدور أحكام جديدة بحق العشرات من المتهمين الآخرين خلال الأسابيع المقبلة.

ويقول عضو منظمة “أهالي ضحايا ترهونة” مصعب أبوكليش إن الأحكام “غير عادلة وغير منصفة. كان يتوجّب الحكم عليهم بالإعدام وليس السجن فقط”.

ويوضح أن “جميع ذوي ضحايا المقابر الجماعية غير راضين عن صدور أحكام السجن، لأن هؤلاء بالأدلة مسؤولون مباشرة عن مقتل المئات من المدنيين”.

ويردف متسائلا “هل يُكافأ المجرمون بأحكام سجن مخففة؟”، واصفا ما فعلوه بـ”جرائم حرب؟”.

ويرى محمد اللافي أن عقوبة “الإعدام” هي الحكم الوحيد الذي يمكن أن يخفّف حزن عائلته بعد فقدانها ابنا قتل بـ”دم بارد”.

ويقول وقد جلس بجانبه عبدالحكيم، ابنه الأصغر، “منذ قتلوا مراد، زوجتي وأنا مريضان. أصبت بالسكري وارتفاع ضغط الدم، وزوجتي شبه مقعدة من حزنها. كان شابا طموحا لم يتورّط في صراعات سياسة ولا مع الميليشيات، قتل فقط على الهوية”.

وكان مراد ينتمي إلى قبيلة النعاجي التي كانت من أكبر المعارضين لحكم الكاني.

ويعتقد أبوكليش أن “جبر الضرر” إحدى أهم القضايا التي على الحكومة الاهتمام بها، للمساهمة في إغلاق ملف دام شهدته المدينة.

ويقول “لدى ذوي الضحايا ثلاثة مطالب رئيسية: أولّها التعرّف على بقية المفقودين، ثانيا ملاحقة المجرمين وإصدار أحكام مشدّدة بحقهم، وثالثا جبر ضرر ذوي الضحايا الذين تُركوا في مواجهة مصير التجاهل”.

ويروي محمود المرغني أن عمّه خالد خُطف منتصف العام 2019، ولم يعثر عليه أو على جثمانه بعد.

ويقول المرغني “تيتّم بعده ثلاثة أطفال (7 و10 و14 عاما) يسألونني كلّ يوم عن مصيره. قلت لهم إن عمي سافر إلى خارج ليبيا ولا أعرف متى يعود (…). لم أقوَ على إبلاغهم بأن والدهم خطفه مسلحو الكاني ومصيره غالبا الموت”.

وخرج خالد المرغني (59 عاما) من منزله الكائن في منطقة الخضراء بترهونة عقب صلاة العشاء مطلع يونيو 2019، ولم يعد. وبحسب شهود عيان، ترصّدت به سيارة دفع رباعي فور خروجه من المنزل، ثم اقتاده ثلاثة مسلحين إلى مقر الدعم المركزي الذي كانت تسيطر عليه ميليشيا الكاني. لاحقا، شوهد داخل سجن سرّي يُمارس فيه التعذيب والقتل.

ويعتقد محمود المرغني أن مصير عمّه والمئات من المدنيين المجهول حتى اليوم، ملفّ لا يقلّ أهمية عن محاكمة المجرمين.

ويقول “لا شكّ أن عمّي خالد قتل… نأمل في العثور على جثمانه أو رفاته داخل المقابر الجماعية” التي تتواصل أعمال البحث فيها.

وبلغ عدد الجثامين والرفات التي استخرجت من عشرات المقابر الجماعية في ترهونة 350، تمّ التعرّف على هوية 226 من أصحابها، بحسب حصيلة غير نهائية للهيئة العامة للبحث والتعرّف على المفقودين (حكومية) في ليبيا.

4