اكتشافات الوقود الأحفوري تغذي جدل تنويع الاقتصاد الكويتي

فتحت اكتشافات الوقود الأحفوري الجديدة في الكويت باب الجدل مرة أخرى حول قدرة السلطات على القطع مع النهج السائد في الاعتماد المفرط على إيرادات القطاع والمضي في تنويع الاقتصاد، الذي وعد به المسؤولون بعد تأخر لسنوات عن جيرانهم.
الكويت - يثير إعلان الكويت، أحد أكبر منتجي النفط بمنطقة الشرق الأوسط، عن اكتشاف “ضخم” للنفط والغاز في حقل بحري شرق جزيرة فيلكا، حفيظة الخبراء حول الطرق التي من المفترض أن تتبعها الحكومة لضمان استدامة عائدات الطاقة للأجيال المقبلة.
ولكن شقا من المتابعين يرون أن ضمان احتياطيات إضافية من الوقود الأحفوري دون أن يصاحبه تحول جدي في تنويع مصادر الدخل لن يكون ذا فائدة، خاصة في حال عادت دورة الأسعار إلى الانخفاض مرة أخرى.
وتكافح الكويت، العضو في أوبك، والتي تأتي أكثر من 90 في المئة من إيراداتها من النفط، لتحرير اقتصادها، وتقليل الاعتماد على تجارة الخام، واللحاق بجيرانها الخليجيين، الذين يتنافسون على تطوير قطاعات جديدة تعزز العوائد بشكل مستدام.
وشهد البلد الخليجي منذ سنوات أزمات سياسية متكررة جعلته يبتعد كثيرا عن تنفيذ رؤية 2035، التي تتضمن في الكثير من محاورها خططا لتنويع اقتصاد ظل معتمدا على الخام لعقود.
لكن أمير الكويت الحالي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الذي تولى منصبه في ديسمبر الماضي، لديه إصرار كبير على القطع مع السياسة القديمة، وقد حث المسؤولين منذ خطابه الأول على إحداث اختراق في جدار الأزمات التي تعاني منها الدولة.
وأعلنت شركة نفط الكويت، الأحد الماضي، عن كشف في حقل النوخذة البحري، باحتياطيات نفطية تُقدر بنحو 3.2 مليار برميل من المكافئ النفطي، بحسب بيان صادر عن الشركة أوردته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية.
وتبلغ التقديرات الأولية للمخزون الموجود في الحقل نحو 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف، و5.1 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، وفق الشركة التابعة لمؤسسة البترول الكويتية.
ويبلغ الإنتاج اليومي من البئر النوخذة 1 من طبقة المناقيش الجيولوجية نحو 2800 برميل من النفط الخفيف و7 ملايين متر مكعب من الغاز المصاحب.
وقال الرئيس التنفيذي للمؤسسة الشيخ نواف الصباح في مقطع فيديو نشرته الشركة على حسابها في منصة إكس إن “احتياطيات الاكتشاف الجديد تعادل إجمالي إنتاج البلاد في ثلاث سنوات”.
وأكدت الشركة في بيانها أنه سيتم وضع خطة لبدء الإنتاج الفعلي من الحقل في أقرب وقت ممكن “باعتباره مشروعا وطنيا يهدف إلى تعزيز احتياطيات الكويت من الموارد الهيدروكربونية”.
وأشارت إلى أنه يضمن استدامة توافر موارد هيدروكربونية جديدة لتلبية الطلب العالمي “ويرفع من مكانة الكويت كدولة منتجة للنفط والغاز موثوق بها على المستوى العالمي”.
وقالت إن “المشروع يضع دولة الكويت على خارطة المنتجين الإقليميين الرائدين كمشغل بحري بارز وفق المعايير الدولية ووضع لبنة أخرى لتحقيق إستراتيجيتها لعام 2040”.
وبحسب المسؤولين، سيفتح الاكتشاف مجالا واسعا في الجرف القاري الكويتي، بالإضافة إلى العمل المستمر في حقل الدرة، حيث تقوم الشركة الكويتية لنفط الخليج باستكمال الدراسات الهندسية والعمل على تجهيز البنية التحتية للحقل.
الكويت تكافح لتحرير اقتصادها وتقليل الاعتماد على تجارة الخام، واللحاق بجيرانها الخليجيين
وتضم المرحلة الحالية من الاستكشاف الجديد حفر 6 آبار استكشافية للتنقيب عن النفط والغاز كمرحلة أولى وبناء على نتائج الحفر في هذه المرحلة سيتم تحديد المراحل اللاحقة تباعا.
والكويت هي خامس أكبر منتج في أوبك، بعد السعودية والعراق والإمارات وإيران، ويبلغ إنتاجها الحالي 2.48 مليون برميل يوميا استنادا إلى اتفاق تحالف أوبك+، وتهدف إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية إلى 4 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2035.
وكان الشيخ نواف قد قال في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ في مارس الماضي، إن “هذا جزء من إستراتيجيتنا، لأننا نعتقد أن الطلب على الخام الكويتي سيصل إلى هذا الرقم”.
وعلى مدار سنوات واجهت السلطات ضغوطا لمراجعة خطط الإصلاح، التي ظلت تدار بشكل قديم، إذ لم تسهم تحركاتها في الخروج من هذه المعضلة جراء بطء معالجة أهم الملفات، فضلا عن عرقلة الخلافات السياسية لأي تمش قد يفضي إلى اقتصاد أكثر تنوعا.
ويتمثل التهاون الرئيسي في عدم تنويع الموارد والارتهان للنفط واتباع سياسة اجتماعية مبالغ في سخائها لعقود عبر الإكثار من تقديم المنح للمواطنين، وقد شجّع على التواكل وجعلهم مجرّد عبء على الدولة بدل أن يكونوا مساهمين في صنع ثروتها.
حقوق الأجيال المقبلة في فورة اكتشافات النفط والغاز التي يشهدها البلد تحتاج إلى آليات أقوى تضمن استدامة الإيرادات
ويقول محللون إن حقوق الأجيال المقبلة في فورة اكتشافات النفط والغاز التي يشهدها البلد تحتاج إلى آليات أقوى تضمن استدامة الإيرادات.
وكررت الكويت مرارا عزمها على مواجهة خطر ارتهان اقتصادها لعوائد النفط، التي تمثل حتى الآن المصدر شبه الوحيد لإيرادات الدولة، والمحرك الأساسي لجميع أنشطة الحياة الاقتصادية.
ولكن خطط تنويع الاقتصاد تواجه صعوبات شديدة منذ عقود بسبب الاستقطابات السياسية واعتماد معظم السكان على الرواتب والمنح السخية من الدولة رغم تحقيقها لعوائد كبيرة جراء ارتفاع الأسعار الخام في الأسواق الدولية منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا.
والآن، يتابع محللون وخبراء التحولات، التي بدأت الكويت في تجسيدها عبر القيام بمراجعة شاملة لسياسات تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الريع النفطي الذي ظل المورد الأكبر من حيث تحقيق الإيرادات.
ويبدو أن البلد يسعى إلى كسر حالة التقاعس في اتباع نهج جيرانه في المنطقة والذين شرعوا منذ سنوات في وضع خطط إصلاحية لتقليص الاعتماد على إيرادات الطاقة.
وفي محاولة لتدارك ذلك الأمر، قامت السلطات بإنشاء هيئة ستعمل على معالجة الاختلالات المزمنة في بناء الاقتصاد من خلال تعديل بوصلة خطط التنمية والاستثمار وإعطاء المزيد من المرونة لنشاط القطاع الخاص.
ولكن الحكومة حذرت في برنامج عملها الجديد الذي أعلنت عنه في فبراير الماضي، من أن الكويت تواجه “تحديا استثنائيا خطيرا” في ظل تذبذب أسعار النفط واعتماد المالية العامة عليه كمصدر وحيد للدخل.
وأكدت أن هذا التحدي يهدد قدرات البلد على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية.
ومن المتوقع أن تحقق الميزانية الجديدة التي بدأت في أبريل الماضي، عجزا بقيمة 18.33 مليار دولار وأن يبلغ الإنفاق 80.19 مليار دولار.
ووصلت قيمة الأصول الاحتياطية الرسمية للبلاد بنهاية شهر أبريل الماضي إلى أعلى مستوى منذ شهر يونيو العام الماضي لتبلغ نحو 49.25 مليار دولار.
ووفق تقرير نشرته مؤسسة كابيتال إيكونوميكس الشهر الماضي، فلدى الكويت مجال أكبر للحفاظ على سياسة مالية توسعية، مع تعزيز أمير الكويت الشيخ مشعل مؤخرا لسلطته.
ورجحت إيكونوميكس أن يتباطأ انكماش الاقتصاد الكويتي إلى 1.5 في المئة خلال العام الجاري، وأن يقفز إلى 6 في المئة خلال العام 2026.