اكتئاب وفقدان نطق.. إعصار "دانيال" يؤذي نفسية أطفال درنة

منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تؤكد أن نحو 300 ألف طفل تأثروا بالكارثة في شرق ليبيا.
الخميس 2023/09/28
الأطفال تأثروا وبشدة بمخلفات الإعصار

درنة (ليبيا) - "بعضهم اكتأب ومنهم من فقد النطق وآخر حاول الانتحار".. هذا ما فعله الإعصار المتوسطي “دانيال” بأطفال شرق ليبيا الذي دمر قبل أكثر من أسبوع منازلهم ومدارسهم ومدنهم وفقدوا عائلاتهم، وكل ذلك أمام أعينهم.

نحو 300 ألف طفل تأثروا بالكارثة في شرق ليبيا، وفق ما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عقب الإعصار الذي اجتاح في 10 سبتمبر الجاري عدة مناطق شرق ليبيا أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة بالإضافة إلى مناطق أخرى بينها درنة الأكثر تضررا.

هذه الأعداد التي وصفتها المنظمة الأممية بـ"الضخمة" تعد "جيلا كاملا"، وفق ما قال الطبيب النفسي شاهين الزياني الذي أوضح أن "أولئك الأطفال هم غد ليبيا لكنهم تأثروا بشدة نفسيا، وهو ما سيلقي بظلاله على كامل البلاد مستقبلا".

الطبيب النفسي الليبي وهو يتحدث للأناضول عبر الهاتف من مدينة درنة، أكد أن ما شاهده خلال معاينته لعدة أطفال في المدينة "أمر محزن للغاية". وفي 24 سبتمبر الحالي، أعلنت لجنة تابعة للحكومة المكلفة من البرلمان الليبي أن حصيلة ضحايا الإعصار بلغت 3868 شخصا، وهي حصيلة قريبة من أخرى أعلنتها منظمة الصحة العالمية، في 16 من الشهر نفسه، حين أفادت بمصرع 3958 شخصا وفقدان أكثر من 9 آلاف آخرين.

سعدالدين عبدالوكيل: السلطات تعمل على برنامج لتقديم الدعم النفسي سيشمل الجميع ومنهم الأطفال
سعدالدين عبدالوكيل: السلطات تعمل على برنامج لتقديم الدعم النفسي سيشمل الجميع ومنهم الأطفال

وقال الزياني "لك أن تتخيل أن يفقد طفل أمه وأباه في لمح البصر، ولك أن تتأمل حال طفل يفقد منزله بل ومدينته وجيرانه وأصدقاءه وكذلك مدرسته، وآخر يفيق في الليل ويجد منزله غارقا في المياه وسط صراخ كل من حوله في المنزل والشارع".

وأضاف أن "هناك أطفالا دخلوا في حالة اكتئاب وآخرين فقدوا القدرة على الكلام من هول ما عاشوه خلال ساعات الفيضانات التي بدأت مساء وجرفت المنازل التي ظلت داخلها وأمامها أعداد من الجثث إلى أن انحسرت المياه في الصباح”. وتابع "بل إن بعض الأطفال الذين نجوا لم يسعفهم أحد حتى وصول المساعدات بعد الظهيرة".

ومدة الفيضانات عقب الإعصار وفق الزياني "تقدر بأكثر من 15 ساعة كان فيها أولئك الأطفال، إما تحت أنقاض منازلهم أو جرفتهم المياه لأماكن عدة أو حتى بجانب جثث أشخاص آخرين لقوا حفتهم وربما جثث عائلاتهم كما حدث في بعض الحالات في درنة". وأشار إلى أن "إدراك الطفل لهول ما عاشه يختلف كليا عن إدراك الإنسان البالغ وهنا تتمثل الأزمة والكارثة والمصيبة".

ومتحدثا عن أصعب الحالات النفسية لدى الأطفال الناجين من الفيضانات، قال الزياني "عاينت طفلا في مدينة بنغازي التي نقل إليها هو وشقيقته الصغيرة، حيث فقدا والديها في الفيضانات، وحاول أكثر من مرة أن يلقي بنفسه من مكان مرتفع، وهو يفعل ذلك دون وعي".

وعن الأطفال الذين تم جلبهم إلى بنغازي ومدن أخرى أو نزحوا من مناطقهم مع عائلاتهم الناجية، يؤكد الزياني أن "ذلك في حد ذاته أمر سيزيد من الأزمات النفسية لدى الأطفال". ويضيف "أن يترك طفل مدرسته وبيته وجيرانه ويجد نفسه فجأة في بيئة أخرى أقل أمانا وطمأنينة من البيئة التي كان يعيش فيها أمر سلبي، خاصة وأن البيئة الجديدة عبارة عن مدارس خصصت لتجميع النازحين".

وخلف الإعصار والفيضانات الناجمة عنه نحو 40 ألف نازح شمال شرق ليبيا، وفقا لأرقام نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” في 16 سبتمبر الحالي. ووفق الزياني "تؤكد بيئة النزوح الجديدة للطفل أنه يعيش أزمة فعلا وهنا بيت القصيد، فالمفترض أن يبعد الطفل عن كل ما يشعره بأن الوضع استثنائي لتهيئته للاستجابة للعلاج النفسي ما بعد الصدمة". وقال وكيل وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية سعدالدين عبدالوكيل إن "جميع سكان مدينة درنة في حالة صدمة حقيقية نظراً لحجم الكارثة والتي تعتبر غير مسبوقة في تاريخ ليبيا".

وذكر عبدالوكيل في حديث للأناضول أن السلطات "تعمل على برنامج لتقديم الدعم النفسي معتمد من الوزارة سيشمل الجميع ومنهم الأطفال". وأوضح أن "الفرق التابعة لوزارة الصحة منها المستشفيات النفسية ومؤسسة الرعاية الصحية وبعض المؤسسات التابعة للشؤون الاجتماعية والهلال الأحمر والكشافة باشرت مهامها منذ الأسبوع الماضي، بالتركيز في المدى القصير على تقديم الدعم النفسي".

◙ من الصعب تخيل أن يفقد طفل أمه وأباه في لمح البصر وتأمل حاله وهو يفقد منزله ومدينته وجيرانه وأصدقاءه وكذلك مدرسته

ولفت إلى أن "عدة جهات ومؤسسات ومراكز بحثية وفرق تابعة لوزارة الصحة ستعلن خلال الأيام المقبلة عن عمل مشترك سيتم من خلاله دراسة الكثير من الظواهر والمسائل النفسية والاجتماعية التي نجمت عن كارثة الفيضانات".

وتسبب إعصار "دانيال" بمقتل الآلاف في مدينة درنة  الليبية الواقعة بشرق ليبيا وفق الإحصائيات الأخيرة. وتقع مدينة  درنة الليبية في منطقة جبلية شمال شرق ليبيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فيما يقسمها وادي درنة الذي يعتبر من بين أكبر الأودية في ليبيا إلى قسمين اثنين.

كما تعرف أيضا بأراضيها الزراعية الخصبة نظرا لتواجد منبعين غزيرين للمياه، الأول يدعى "عين البلاد" والثاني "عين بومنصور". وبالرغم من عدم تهاطل الأمطار بشكل كبير على هذه المدينة، إلا أنها تتوفر على كميات كبيرة من المياه بسبب المنبعين اللذين يتدفقان من تحت الأرض.

وإضافة إلى ذلك، امتلأ وادي درنة بالمياه بسبب إعصار "دانيال" وارتفع مستواه بشكل خطير إلى درجة أنه شكل تهديدا كبيرا على السدين اللذين تفجرا في نهاية المطاف بسبب ضغط المياه. وتدفقت المياه بسرعة كبيرة عبر الأودية باتجاه ساحل المتوسط، مرورا بوسط المدينة التي غمرتها المياه، ما أدى إلى جرف المنازل وانهيار جميع الجسور المتواجدة في المدينة.

15