اقتلوهن واقتلوهم جميعا

الاثنين 2015/06/29

لم أتصور يوما أن أكتب عن الدكتورة نوال السعداوي لا من باب الهجوم ولا الدفاع، أو الإشارة بأي شكل من الأشكال فهي بآرائها الصادمة وذلك الجدل المتأجج حولها دائما وسلوكياتها المخالفة في تصوري لكل القواعد الدينية والاجتماعية والقيم المنغرسة داخل عقلي، والتي تشكل فكري المسلم باعتدال ودون تطرف ولكنه بعيد عن شذوذ التمرد والتهكم على الأديان، كل هذا يمثل لي طرف مقص لن التقيها حتى وإن كان الغرض من التقائنا تمزيق فكر رجعي أو شيء ما.

حين قبلت زوجها قبلة ساخنة في ميدان عام ودافعت عن فعلتها بكونها حرية شخصية كانت أجرأ مشاهد السينما تشير للعلاقات الحميمة بالمطر والبرق ولم تكن بطلات الإثارة تجرؤن على أكثر من النظر بطريقة ما أو الرقص لبضع دقائق.

بنظري لا تعد الدكتورة نوال السعداوي مفكرة خارقة ولا كاتبة نسوية كما تطلق عليها بعض الحركات ومنظمات المجتمع المدني فلا تملك مشروعا ثقافيا ولا نهضويا يسعى إلى تمكين المرأة المظلومة، المقهورة والفقيرة المهمشة ببلادي، لم تقدم فكرا جديدا أو حلا عبقريا للوقوف إلى جانب المرأة المعيلة أو محو أميتها أو بتر والقضاء على عمالة واستغلال الطفلة الأنثى.

فقط هي مفجرة القضايا الخلافية واللاطمة لوجه المجتمع الشرقي المتمسك ببعض عاداته ومصريته، تسير عكس التيار وتسبح عكس حركة الأمواج فيدركها الجميع حتى هؤلاء الذين لا يتمتعون بقوة الملاحظة، ساعدها ذكاؤها على حفر اسمها بحروف الجدل ولون الاختلاف.

صنعت من آرائها وكونها مختلفة نموذجا للتمرد بامتياز، تمردها وانتصارها لأفكارها فقط ما يستحق عندي الاحترام.

أراها مختلفة حين كتبت ابنتها منى حلمي مقال بعنوان “من اليوم سأحمل اسم أمي” وناصرتها هي منادية بحق الأم التي تعبت وربت وسهرت من أجل أبنائها في أن ينسبوا إليها، مضيفة تأكيدا وتدعيما لآرائها المخالفة لناموس الكون والطبيعة والشرائع، أننا يوم القيامة سننادى بأسماء أمهاتنا وتكريما للمرأة.

دافعت عن قضايا تحمل رفاهية لا تملكها المرأة التي تناضل باسمها أو تدعي ذلك، ولكنها في كل الأحوال تملك فكرا مغايرا.

لا أتفق معها وبالقطع ولا مع من ينادون بإهدار دمها بين الحين والآخر لكسب ود جماعة ما أو مغازلة فكر تشددي، ولا تفريقها عن زوجها ونزع الجنسية المصرية منها وإقامة دعاوى الحسبة ضدها، وإلحاقها بقائمة طويلة مرصعة بمفكرين كل خطأهم أنهم يحملون عقلا لا نتفق مع أفكاره المخالفة لما تعودناه، مثل الدكتور فرج فودة ونصر حامد أبوزيد.

غرقنا في تشددية مفزعة تكفر الآخر وتعمل على إقصائه وشطبه من سجلات الوطن والبشر، من ليس معي فهو ضدي هذا هو منطق بعض المتأسلمين وأصحاب العمائم.

طالعتنا منذ فترة وسائل التواصل الاجتماعي بخبر وفاة الدكتورة نوال السعداوي وتبادل “المغردون والفيسبوكيون” الآراء حول موتها فمنهم من ترحم على امرأة مهما اختلفت معها إلا أنها صاحبة أربعين كتابا ترجمت مؤلفاتها لخمس وثلاثين لغة، والحاصلة على جائزة ستيغ داغيرمان بالسويد.

ولكن اللافت والمحزن أن بعض أصحاب العمائم فرحوا بموتها كما لو كانت أبا لهب أو أبا لؤلؤة المجوسي، أو هتلر النازي، تبارى مشايخ حافظين لكتاب الله تعالى الذي يدعوا للتسامح والمودة وأن تجادلهم بالتي هي أحسن، منهم من دعا صراحة للشماتة بموتها وكونها عبرة وذهبت للجحيم، كما لو كانوا يحملون النسخة الوحيدة لمفتاح الجنة.

21