اقتصاد القمار: مستخدمو الشبكات الاجتماعية مقامرون في كازينو

جارون لانيير يؤكد أن لدى كل من شركات فيسبوك وغوغل وتويتر ويوتيوب وإنستغرام "محرك تلاعب" يعمل في الخلفية، لمصلحة المعلنين عديمي الضمير أو المحتالين أو الجواسيس الروس.
الثلاثاء 2018/07/17
محرك تلاعب في الخلفية

لندن - أطلق جارون لانيير هجوما على شركات التكنولوجيا الكبيرة. وعلى الرغم من تأكيده أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا في حد ذاتها أو حتى في قيادة الشركات، بقدر ما تكمن في نظام الحوافز الاقتصادية الذي نعمل فيه.

وهو يدَّعي أننا حين نعيد تسمية أمثال مواقع فيسبوك وغوغل باعتبارهما “إمبراطوريتي التلاعب بالسلوك” سيكون لدينا فهم أكثر وضوحا لعالمنا.

وتتمثل حجته في أن “المراقبة المتفشية والتلاعب المستمر والخفي أمر غير أخلاقي وقاسٍ وخطير وغير إنساني”. باختصار، وفق تعبيره، هذا الشكل المسلح من الإعلانات يعمل على استقطاب المجتمع، وتدمير النقاش الديمقراطي، وتحويلنا إلى “أغبياء تماما”.

ويضيف أن “المثالية التحررية المبكرة للإنترنت أدت إلى إيجاد “احتكارات عالمية ضخمة للبيانات”.

 

أصبح جارون لانيير البالغ من العمر 58 عاما يمثل اليوم “العم الغريب الأطوار في الغرفة”، وهو الذي يشعر بالقلق من تأثير التكنولوجيا في البشرية، وفي سلسلة من الكتب والمقالات كان لانيير الذي يعتبر جامعا مهووسا وعازفا لعدة مئات من الآلات الموسيقية وعالم كمبيوتر، متحمسا للواقع الافتراضي، ومؤلفا، وباحثا مرتبطا بشركة مايكروسوفت، وآفة للشبكات الاجتماعية، ومبشرا وزنديقا على حدّ سواء، ومتحمسا لإمكانات التكنولوجيا الإبداعية مع تحذيره في الوقت نفسه من آثارها المدمرة.

ويؤكد لانيير أن لدى كل من شركات فيسبوك وغوغل وتويتر ويوتيوب وإنستغرام “محرك تلاعب” يعمل في الخلفية، لمصلحة المعلنين عديمي الضمير أو المحتالين أو الجواسيس الروس، وفق ما نقلت عنه صحيفة “فايننشال تايمز“.

ويقول “هيكل الحوافز الحالي هو أنه في أي وقت يكون فيه شخصان على اتصال، يتم تمويل ذلك من قبل شخص ثالث يعتقد أنه يمكنه التلاعب بالأول والثاني“.

 ويضيف “لم يحدث من قبل أن يكون هناك مجتمع يخضع فيه الجميع للمراقبة والملاحظة المستمرة“.

يقبل لانيير أن حملته لن تقنع كثيرا من الناس بحذف تطبيقاتهم. تم تصميم وسائل التواصل الاجتماعي بحيث تكون مسببة للإدمان، وتتمتع شركاتها المهيمنة “بتأثيرات الشبكة الضخمة غير المعقولة” التي تجعل من الصعب التخلي عنها.

بيد أنه يأمل أن يقوم عدد كاف من الناس بتخليص أنفسهم منها لفترة طويلة بما فيه الكفاية لضمان وجود جزيرة صغيرة محمية من النقاش العام البديل.

لكن كيف يمكن أن يكتب بشكل شامل حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي إذا توقف منذ فترة طويلة عن استخدامها؟

يقر لانيير بأن هذا “نقد صحيح، لا مفر منه”، ولكنه يرد بأن “الناس الذين في السجن سيعرفون عن حياة السجون أكثر من الصحافي الذي يكتب عن حياة السجن. ومع ذلك، نحتاج إلى أن يكون الصحافي في الخارج وإلا لن يكون هناك أي تقرير على الإطلاق”.

من أكبر الانتقادات التي وجهها لوسائل الإعلام الاجتماعي أنها تلغي السياق وتمزق المعاني. كل عبارة يتم تقطيعها إلى أشلاء صديقة للخوارزميات.

ويقول لانيير إنه التقى الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب عدة مرات على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويجادل بأنه أعيدت برمجته من خلال تفاعلاته مع وسائل التواصل الاجتماعي. ويشرح في هذا السياق “ما حدث هو أنه يتعامل مع اضطراب مرتبط بإدمان وسائل الإعلام الاجتماعي، وشخصية تعاني إدمانا من صنع يديها، حيث يكون الشخص غير آمن للغاية، ومستعدا للقفز إلى مباراة اجتماعية غريبة من الشتائم والامتعاض”.

وفقا للانيير، انتخاب ترامب أحدث هزة في شركات وسائل الإعلام الاجتماعي أيقظتها من تهاونها. وأثارت الفضيحة التي أعقبت انتهاك “كامبريدج أناليتيكا” بيانات فيسبوك هزة كبيرة أخرى في وادي السيليكون، وتركت القطاع مفتوحا أمام التفكير الخارجي.

ترامب أعيدت برمجته.. يعاني إدمانا من صنع يديه، مستعد للقفز إلى مبارزة شتائم
ترامب أعيدت برمجته.. يعاني إدمانا من صنع يديه، مستعد للقفز إلى مبارزة شتائم

يقول “لا يزال يُنظَر إليّ نوعا ما على أني شخص من الخارج، وقد تكون أفكاري متطرفة نوعا ما، ولكن يتم التعامل معها بالتأكيد على أنها جزء طبيعي من المحادثة الآن”.

وعلى الرغم من تزايد الحديث عن الحاجة إلى تدخل الدولة، إلا أن لانيير لا يرجو كثيرا من الأمل في القانون التنظيمي، حيث إنه يخشى من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز وضع الشركات الحالية.

وما يثير الدهشة إلى حد ما أنه يقول إن كلا من شركتي فيسبوك وغوغل من المرجح أن تقوما بإصلاح نفسيهما جزئيا؛ لأن هذا يصب في مصلحتيهما الشخصيتين، وجزئيا تحت ضغط موظفيها من ذوي التفكير الأخلاقي.

ويضيف “الشيء الوحيد الذي سيقتل الشركات تماما هو إذا بدأ المهندسون الطيبون بالرحيل. في هذه الحالة ستموت”.

ويعمل لانيير مع مجموعة من الاقتصاديين الراديكاليين لتصميم اقتصاد معلومات بديل. وهو نصير بليغ لحركة “البيانات باعتبارها يدا عاملة”، بحجة أنه إذا استخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي فعلا، فيجب عليهم على الأقل أن يدفعوا مقابل مشاركاتهم وصورهم.

ويلـمح إلى أنه منخرط في حوارات خلفية مع شركات التكنولوجيا لتحقيق عملية إعادة الهيكلة التي من هذا القبيل. ويقول “لا أرى كيف يمكن لأي مجتمع أن يأمل في البقاء على قيد الحياة ما لم يكن هناك على الأقل قدر من المواءمة بين مصالح المجتمع والحوافز الاقتصادية”. ويتساءل لانيير، في سياق آخر، إن كان من قبيل الصدفة أن وسائل الإعلام الاجتماعي تحاول إضعاف الساسة الذين يحاولون ترويضها.

وتماما في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومات الأوروبية إجراءات لتنظيم وسائل الإعلام الاجتماعي وخصوصية البيانات، تتعرض لهجوم من الحركات الشعبوية.

يذكر أنه منذ إكمال كتابه “عشر حجج لكي تحذف حساباتك في وسائل الإعلام الاجتماعي الآن”، توصل لانيير إلى استعارة جديدة تصف التفاعل بين وسائل الإعلام الاجتماعي والسياسة: داء المقوسات، وهو مرض طفيلي يعيد عمل أدمغة القوارض ليجعلها أقل خوفا من القطط.  فبمجرد أن يتم التهام الفئران المتهورة، تتكاثر الطفيليات نفسها في أحشاء القطط.  ويشير إلى أن الروس يأكلون الفئران المجازية فقط؛ لأن طفيليات الإعلام الاجتماعي تجعل الناس مجانين.

19