اقتصاد العالم يراقب تأثير تحوّلات العلاقة التجارية الأميركية – الصينية

ضوابط التصدير والمعركة التكنولوجية محركان أساسيان لإثبات التفوق.
الاثنين 2023/01/30
إحدى أدوات التحكم في الاقتصاد!

اعتبر محللون أن الأزمات المتتالية في السنوات الأخيرة عجلت برسم حدود جديدة للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إذ ينظر كل منهما إلى الآخر على أنه المنافس الأكبر على النفوذ الاقتصادي العالمي، وأنه يجب اقتناص الفرص الصناعية والاستثمارية.

واشنطن - شكلت أزمة الوباء ثم الصراع الدائر في شرق أوروبا نقطة مراقبة مهمة للكثير من المحللين للوقوف على تبعات الحرب التجارية القائمة أصلا بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم لمعرفة النتائج، التي قد تطرأ في السنوات المقبلة.

وتشهد التجارة الأميركية تحوّلات على خلفية الصدمات الناجمة عن الوباء والتوتر مع الصين، لكن جهود تخفيف درجة الارتباط بين القوتين العظميين لم تؤد إلى انفصال سريع.

وفي ظل تصاعد المخاوف الأمنية وتراجع واردات الولايات المتحدة من الصين بعدما تبادلت واشنطن وبكين فرض الرسوم الجمركية، ارتفع حجم التجارة مجددا.

ويمكن أن ترتفع الأرقام أكثر عندما يتم نشر بيانات 2022 التجارية الشهر المقبل، في إشارة إلى مدى تشابك أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

ماري لافلي: الواردات الأميركية أقل مما كانت قبل اندلاع الحرب التجارية
ماري لافلي: الواردات الأميركية أقل مما كانت قبل اندلاع الحرب التجارية

لكن الخبراء يشيرون إلى أن التوتر ترك آثاره بأشكال أخرى. وتقول ماري لافلي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إن “الواردات الأميركية من الصين أقل بكثير من الاتجاه الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب التجارية”.

وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية “هناك بالتأكيد ابتعاد عن الصين في الواردات الأميركية، خصوصا أو بشكل أساسي السلع التي زادت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية عليها”.

وبعد اندلاع الحرب التجارية خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب وما بعدها، تراجعت قيمة السلع الأميركية المستوردة من الصين من 506 مليارات دولار في 2017 إلى حوالي 450 مليار دولار في 2019.

ولا تعد العلاقات الثنائية العامل الوحيد المؤثر على التجارة، إذ إن وباء كوفيد أثّر بشكل كبير أيضا. ففي نوفمبر الماضي، شهدت الصين أكبر تراجع في الصادرات منذ بدء الوباء، إذ إن اعتمادها سياسة “صفر كوفيد” المتشددة يشكّل ضربة للنشاط الصناعي.

ويشير رايان سويت، الخبير في أكسفورد إيكونومكس، إلى أن “التحوّل الجاري في الولايات المتحدة للابتعاد عن الإنفاق على السلع”، يؤثر أيضا على الواردات.

وقال إن “الأميركيين أنفقوا بشكل كبير على المنتجات المستوردة خلال فترة الأزمة الصحية”، لكن “الناس عادوا إلى الخروج والإنفاق على الخدمات” مع تراجع حدة المخاوف المرتبطة بالفايروس.

روبرت كوبمان: تغير المناخ يزيد مخاطر الاعتماد على منطقة جغرافية واحدة
روبرت كوبمان: تغير المناخ يزيد مخاطر الاعتماد على منطقة جغرافية واحدة

ويخفف ذلك الطلب على السلع الاستهلاكية، وهو ما يمكنه بالتالي تفسير سبب عدم ارتفاع الأرقام أكثر.

وتظهر بيانات الحكومة الأميركية الصادرة حتى نوفمبر الماضي أن إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يقترب أو يسجّل رقما قياسيا في 2022.

ويقول سويت “مع مرور الوقت، سنشهد تنويعا أكثر” مقارنة بتخل كامل عن الشحنات القادمة من الصين.

وواجه مصنّعو السيارات مثلا مشاكل في سلاسل الإمداد خلال فترة الوباء. وبحسب المحاضر في الجامعة الأميركية روبرت كوبمان، فإن ازدياد الاضطرابات المرتبطة بعوامل مناخية “يزيد مخاطر الاعتماد على سلاسل إمداد مركّزة بشكل كبير في شركة أو منطقة جغرافية واحدة”.

وتحاول الولايات المتحدة الاعتماد على نفسها بشكل أكبر في قطاعات معيّنة مثل أشباه الموصلات.

ويقول كوبمان، الذي كان كبير خبراء الاقتصاد لدى منظمة التجارة العالمية، إن قانوني خفض التضخم والرقائق الإلكترونية الأخيرين “والعقوبات المرتبطة بهما تعد مؤشرات واضحة على جهود إدارة جو بايدن لفك الارتباط بالصين” في هذه المجالات.

وتوضح إميلي بينسون، الخبيرة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، أن “الشركات بينما تعيد تقييم الخطر وتراجع الوضع الحالي لسلاسل الإمداد التي تعتمد عليها، يبرز الابتعاد عن الصين والتحول إلى بلدان أخرى كنتيجة وحيدة ثابتة”.

وقد تكون هذه البلدان في جنوب شرق آسيا أو أقرب إلى الولايات المتحدة. وتقول بينسون “بينما ينمو هذا الاتجاه بشكل متزايد، يشبه في الوقت نفسه تسرّب الرمال من كيس أكثر مما يشبه تسونامي”.

Thumbnail

وتشير الخبيرة إلى أن ما زال “من المبكر جدا” على الأرجح إعطاء رأي نهائي حول الصناعات، لكن ضوابط التصدير الأميركية “ستجبر على نوع من فك الارتباط” مع مرور الوقت في التكنولوجيا أو في مجالات تعد أشباه الموصلات رئيسية فيها.

وتلفت لافلي إلى أن بعض الأعمال التجارية انتقلت من الصين إلى بلدان مثل فيتنام أو المكسيك. وتقول “تم بالتأكيد استبدال بعض المورّدين”، مضيفة أن ذلك يغذيه جزئيا فتح مستثمرين صينيين معامل خارج بلدهم.

وتوضح “في المكسيك، الوضع مختلف. ولقد كانت هناك بعض الاستثمارات الصينية، لكن الجزء الأكبر يعود إلى شركات متعددة الجنسيات تقترب أكثر من الولايات المتحدة”.

لكن كوبمان يحذّر من أن بلدانا مثل المكسيك ستحتاج إلى إصلاحات داخلية لتعزيز التنافسية وخفض التكاليف التجارية غير الواضحة للاستفادة بشكل أكبر من التحوّل.

كما أن استيراد الولايات المتحدة للسلع من الاتحاد الأوروبي يزداد، إذ تفيد آخر الأرقام السنوية للعام 2022 بأن الرقم وصل إلى 504.4 مليار دولار في نوفمبر، أي أعلى من قيمة المنتجات المستوردة من الصين في الفترة ذاتها والتي بلغت 499.5 مليار دولار.

لكن خبراء اقتصاد يشيرون في تفسيرهم للاتجاه إلى ازدياد في النشاط التجاري حول العالم ما بعد الأزمة الصحية حتى مع تداعيات الحرب في شرق أوروبا، التي عطلت سلاسل الإمدادات في فترة من الفترات خلال العام الماضي.

وتقول بينسون “هذه الأرقام تعدّ لمحة صغيرة، وتمثّل على الأرجح عودة الاقتصاد العالمي إلى مستويات ما قبل الوباء أكثر من كونها مؤشرا على أي تحرّك محدد لفك الارتباط”.

وفي وقت تتعافى الصين من تفشي الإصابات بعدما خففت قواعد كوفيد، تتوقع أيضا ازديادا ملحوظا في الواردات، بحسب ما أفاد هذا الشهر نائب رئيس وزرائها ليو هي من دافوس.

11