اقتصاد الضفة الغربية يئن تحت وطأة الحرب

رام الله - يسيطر التشاؤم الممزوج بالإحباط على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بسبب تضرر أعمالهم وكل ما يرتبط بالنشاط الاقتصادي ومعيشة الناس مع التداعيات القاسية للحرب في قطاع غزة.
ويعد حافظ غزاونة، الذي ينتظر كل يوم في متجره الصغير بمدينة البيرة الزبائن بفارغ الصبر، أحد الأمثلة على تدهور الوضع، فمنذ أكتوبر الماضي لم يشتر منه السندوتشات والفلافل سوى عدد قليل من الناس.
وقبل الحرب بين إسرائيل وحماس كان الكثير من الحرفيين من الورش المجاورة يأتون الى محله لشراء وجبة الإفطار أو الغداء. ويقول غزاونة لوكالة فرانس برس “الآن يحضرون معهم وجباتهم اليومية من منازلهم، لأن الوضع صعب للغاية بالنسبة إليهم أيضا”.
والآن يخشى أن يضطر إلى إغلاق محله إذا استمرت الحرب، خاصة مع انخفاض دخله خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ويؤكد غزاونة أنه كان يكسب نحو 8 آلاف شيكل (2114 دولارا) شهريا، لكن في هذه الأيام لا يدر عمله سوى ألفي شيكل (528.5 دولار) شهريا.
ومنذ اندلاع الحرب تأثر الاقتصاد الفلسطيني سلبا، وقدر البنك الدولي الشهر الماضي أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينخفض بنسبة 6 في المئة هذا العام.
وأعلنت منظمة العمل الدولية الشهر الماضي فقدان “32 في المئة من الوظائف” في الضفة الغربية، “أي ما يعادل 276 ألف وظيفة”.
ويعاني من البطالة في الأراضي الفلسطينية، وفق التقديرات، “نحو 30 في المئة من السكان”، بينما كانت النسبة قبل الحرب بحدود 14 في المئة، كما يقول طاهر اللبدي الباحث في الاقتصاد السياسي بالمعهد الفرنسي للشرق الأوسط.
وكان لقرار إسرائيل عقب اندلاع الحرب سحب 130 ألف تصريح عمل من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتركتهم دون دخل، تأثير عميق.
والضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، مفصولة عن الأراضي الإسرائيلية بجدار، ولا يستطيع سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة الذهاب إلى هناك دون تصريح.
ويعتبر بشارة جبران، مدير شركة الصناعات العربية لمواد التنظيف والتجميل في المنطقة الصناعية برام الله، نفسه محظوظا إذ أنه لم يسرح أيا من موظفيه البالغ عددهم 70.
لكن عمله تعرض لضربة قوية عقب الحرب، حيث تم إغلاق خط إنتاج الصابون المصنوع من مكونات من البحر الميت بالكامل.
وإجمالا، تسبب توقف الإنتاج في خسارة 200 ألف دولار في 2023، وهو يتوقع أن يخسر المبلغ نفسه هذا العام مع استمرار الحرب.
ورغم ذلك يواصل بيع المنظفات المخصصة للغسيل والمنتجات المنزلية الأخرى في السوق الفلسطينية، والمنتجات الأساسية للمنازل، ما يبقي المصنع قيد العمل.
وكان جبران يعتمد في صادراته على سوق غزة بنسبة 20 في المئة، لكن لم تعد أي من بضائعه تدخل إلى هناك. ويوضح أن تكاليف النقل في الضفة الغربية ارتفعت بسبب انتشار نقاط التفتيش وإغلاق بعض البلدات من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويقول “أحيانا يستغرق وصول الشاحنة إلى نابلس في الشمال أربع أو خمس ساعات، وعند وصولها لا يستطيع السائق دخول المدينة بسبب الحواجز والإغلاقات، فيعود أدراجه”.
ويضيف أنه الآن يقوم “بتسليم واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام، بينما في السابق، كنا نسلم اثنتين يوميا”.
وأدت هذه العوامل إلى “انكماش الاقتصاد”، الذي يعمل الآن بنسبة 50 في المئة فقط من طاقته، وفق عبده إدريس رئيس غرف التجارة الفلسطينية.
ومع الحرب كان الاقتصاد الفلسطيني “مختنقا” بالفعل ومعتمدا بشكل كبير على إسرائيل، كما يؤكد اللبدي، الذي قال إن اتفاقية أوسلو حافظت على “الوضع السياسي الراهن”، فقد وعدت بـ”التنمية الاقتصادية” التي “من شأنها أن تجمع الأطراف المختلفة معا”.
لكنه أوضح أن الوضع الراهن تم تقويضه “بسبب الاحتلال في الضفة الغربية مع تقسيم الأراضي، ولم تحدث هذه التنمية الاقتصادية”.
ولفت إلى أنه نتيجة لذلك في فترات الأزمات يجد الاقتصاد الفلسطيني، الذي يزداد ضعفا، نفسه “محروما من جميع موارده ولديه قدرة محدودة للغاية على الصمود”.
6
في المئة نسبة تراجع الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وفق تقديرات البنك الدولي
وكمثال على هذا الاعتماد تسيطر إسرائيل على حدود الضفة وتقوم بجمع الضرائب على المنتجات الفلسطينية، والتي يجب بعد ذلك أن يتم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، منذ أكتوبر الماضي، لم يتم دفع الضرائب.
ودون أموالها، فإن السلطة الفلسطينية “تواجه صعوبة في دفع رواتب موظفيها المدنيين ونفقاتها الجارية”، كما يوضح اللبدي.
وبحسب وزارة المالية الفلسطينية فإن إسرائيل من المفترض أن تحول شهريا قيمة الضريبة المستحقة للسلطة وتبلغ 600 مليون شيكل (158.6 مليون دولار)، لكنها لم تحول هذه المبالغ منذ أكتوبر الماضي.
وأعلنت إسرائيل نيتها خصم نسبة من المبالغ، التي كانت السلطة الفلسطينية تخصصها لعملها في غزة، لكنها رفضت الخصم، ما أدى إلى تعليق تحويل المبالغ وتراكمها لتصل تقريبا إلى 1.8 مليار شيكل (480 مليون دولار).
وبحسب موظفين حكوميين اتصلت بهم فرانس برس، فإن رواتب شهر ديسمبر الماضي لم تُدفع بعد. وفي نوفمبر الماضي حصلوا على 65 في المئة فقط من رواتبهم و50 في المئة خلال الشهر السابق.
ويؤكد جبران أن الوضع أسوأ مما كان عليه خلال الانتفاضة الثانية (2000 – 2005)، قائلا “آنذاك كنا نعرف ما يمكن توقعه”.
ويضيف بقلق “من الآن فصاعدا الخوف من المجهول يقتلنا”، ومن المستحيل وضع ميزانية أو توقعات للمبيعات “لأننا لا نعرف ما إذا كنا سنتمكن من الذهاب إلى العمل غدا أم لا”.