اقتسام السلطة أصعب الأوراق العالقة في المفاوضات السودانية

تواجه مفاوضات السلام السودانية عقبة جوهرية ستتوج على الأرجح المسارات الخمسة المطروحة على الطاولة وتتعلق باقتسام السلطة، والذي قد يحدد نجاح خطوات الأطياف المتداخلة في العملية المعقدة، التي تحتاج إلى تفكيك كافة العقبات ضمن سياسة توافقية بين القوى الثورية والحكومة الانتقالية.
جوبا – كشف كبير مفاوضي مسار دارفور أحمد تقد أن انتهاء المفاوضات رهين بوضع الترتيبات اللازمة لتقاسم السلطة لما بعد التوافق على المسارات الخمسة المطروحة للنقاش حاليا.
وأكد مسؤول التفاوض في الجبهة الثورية السودانية (حركة العدل والمساواة) أن هناك بعض القضايا العالقة في جزء من الأوراق بالتحديد في ورقة السلطة وهي مربوطة بالوضع السياسي الراهن بالبلاد.
وقال تقد في مقابلة مع وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سانا) إن “القضايا المرتبطة بالسلطة قابلة للحسم والاتفاق حولها”، لكنه لم يذكر بالتدقيق كيف ستكون عليه تلك الخطوة بعد حل الملفات الرئيسية.
وأضاف “أكملنا النقاشات فيها مع الحكومة السودانية ورفعنا القضايا العالقة للمستوى الأعلى للطرف الحكومي وللجبهة الثورية للبت فيها والتوصل فيها لاتفاق سلام وهذه القضايا ليست قابلة للتفاوض من جديد بقدر ماهي تحتاج لقرار سياسي لحسمها في القريب العاجل”.
وتواجه مفاوضات السلام في جوبا أكثر من مشكلة بسبب خفض أعداد الوفود ضمن إجراءات جنوب السودان الاحترازية لمنع انتشار فايروس كورونا، وعدم التوصل إلى تفاهمات نهائية بين الجبهة الثورية ووفد الحكومة بشأن ملف الترتيبات الأمنية التي جرى التفاوض حولها.
وتأتي تصريحات تقد متزامنة مع اتفاق الأطراف على تمديد فترة التفاوض بين حكومة الخرطوم وحركات المعارضة المسلحة إلى التاسع من مايو القادم بسبب ظروف مكافحة وباء فايروس كورونا.
وكان من المقرر التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول الخميس الماضي، وهو موعد حددته الوساطة بعد أن تأجلت المفاوضات الشهر الماضي لأسبوع عقب وفاة وزير الدفاع السوداني جمال الدين عمر، بذبحة صدرية في جوبا.
ويعتقد مراقبون أن هذا التأجيل الاضطراري للمحادثات سيعطي كافة الأطياف فرصة للتركيز وبشكل أعمق على كيفية تجاوز العقبات لتفادي الرجوع إلى المربع الأول من المفاوضات المعقدة.
وسعت الجبهة، التي تضم حركات مسلحة سودانية، إلى توحيد الجهود بما يساهم في تسهيل عملية التفاوض وقطع الطريق على أي انقسام يجهض مسار السلام الذي تسعى إليه تمهيدا لدمجها سياسيا في السلطة الانتقالية بالسودان.
وحسمت الأطراف المتفاوضة حول القضايا المتعلقة بمسار الشرق ومسار الوسط ومسار الشمال حول القضايا المرتبطة بإشكالات التكامل الجغرافي.
ولكن حتى الآن هنالك مسارات كادت أن تحسم القضايا بشكل نهائي مثل مسار المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق وتبقت قضايا محدودة، فضلا عن مسار دارفور، الذي لا يزال فيه ملف واحد يحتاج إلى معالجة.
وتكمُن المشكلة الأكبر في وجه مسار دارفور في عدم التوافق على ممثلي أصحاب المصلحة، الذين يشملهم السلام، ومن المقرر أن يجري تطبيق بنوده عليهم، في ظل خلافات متفاقمة بين قيادات الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وبين عدد من القبائل النافذة هناك، وقيادات معسكرات اللاجئين والنازحين.
وقال تقد إنه “بالانتهاء من كافة هذه القضايا سوف يكتمل التفاوض حول جميع المسارات المطروحة. ثم سيتم التركيز في ما بعد على القضايا المرتبطة بالمسائل القومية والمسائل ذات الخصوصية، خاصة وأن هذه المسائل لن تأخذ فترة طويلة”.
وتشدد الجبهة الثورية على أن فكرة التفاوض عبر تلك المسارات ليست فيها مضيعة للوقت أو بعثرة لجهود السلام وإنما الهدف الذي يجب أن يسود في هذه المرحلة هو تحقيق السلام الشامل، الذي يخاطب كل القضايا وينهي المأساة في كل أنحاء البلاد ويفتح صفحة جديدة للسودانيين دون استثناء.
ويقول مراقبون إن الإرادة القوية ورغبة أطراف التفاوض في حسم القضايا السودانية المتعلقة بالحرب والسلام والإشكالات المرتبطة بجذور الأزمة السودانية بصورة مكتملة هو الذي جعلها تتوافق على طريقة التفاوض عبر المسارات.
وللأزمة السودانية أوجه متعددة وقضايا متشابكة مع بعضها البعض، وفكرة الحل الشامل ظلت تراود الجميع منذ سنوات إلا أن كل التجارب مع النظام السابق خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير أفضت إلى مفاوضات جزئية واتفاقيات سلام غير مكتملة لعدم الجدية وغياب شمولية القضايا.
وتتهم الجبهة الثورية جهات تعمل على عرقلة مسار السلام لحسابات سياسية مربوطة بالأصوات الرافضة لفكرة المسارات، في إشارة إلى حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي المدعوم من تركيا وقطر.
ووصف تقد تلك الجهات بالأصوات التي لديها أجندة وطموحات سياسية تريد أن تستغل الوضع القائم بمعزل عن وجود الأخرى، إذْ أن وجود الآخرين سيربك المشهد السياسي للكثير من القوى السياسية والأطراف الرافضة لفكرة السلام الشامل.
وقال “لا نعير اهتماما كبيرا للأصوات الرافضة بقدر ما نركز في كيفية تحقيق السلام الشامل الذي يخاطب القضايا بشكل شامل وجامع للأطراف”.
ودفعت المخاوف من تأجيل التوصل لاتفاق سلام مع الحركات المسلحة، التحالف المدني في السودان ممثلا في قوى الحرية والتغيير الشهر الماضي، إلى التحرك وتكثيف ضغوطه وسط هواجس متزايدة من انحراف المسار الانتقالي.